انتفاضة البنزين.. كيف فتح نظام الملالي أبواب الجحيم بوجهه؟
بقلم : حميد عنايت
كاتب ايراني
على الرغم من كثرة أساليبه الإرهابية، إلا أن الشعب الإيراني سرعان ما انتفض نتيجة غلاء أسعار الوقود، التي رفعت قيمته ثلاث أضعاف وفقا للمشروع الجديد للنظام الإيراني.
غلاء فاحش
وفي الوقت الحالي يمكن لكل سائق يحمل كرتا يسمى كرت المحروقات أن يحصل شهرياً على ٦٠ ليتر من البنزين فقط، ولكن يجب أن يدفع مبلغ ١٥٠٠ تومان لكل لتر،فيما لو أراد السائق الحصول على المزيد من الوقود، فعليه أن يدفع ٣ ألف تومان للتر الواحد.
حرق ما تبقى
وجاء قرار تقنين البنزين في وقت يعيش فيه ثلثي الشعب الإيراني على الأقل تحت خط الفقر، وسيمثل غلاء أسعار الوقود معاناة كبيرة لسائقي سيارات الأجرة وبقية الطبقات الاجتماعية التي تنقل بسياراتها البضائع والمسافرين، حيث سيكون غلاء وتقنين البنزين بمثابة حرق ما تبقى لهم من رمق العيش.
الانتفاضة تحرق رأس النظام
وأثار قرار رفع البنزين شعلة الانتفاضة، ولكن الانتفاضة تخطت على الفور هذا، وكما حدث في انتفاضة عام ٢٠١٨، استهدفت الشعارات فوراً رأس دكتاتورية ولاية الفقيه وأساس النظام؛ كما أظهرت الانتفاضة فعلياً خصلتها الراديكالية، من خلال الهجوم على مراكز النهب والقمع التابعة للنظام وحرق مئات البنوك، ومراكز القمع مثل مخافر الشرطة، ومركز البسيج ومئات سيارات قوات الشرطة.
حرب كر وفر
وبالإضافة لذلك، حول الشبان الشوارع وساحات المدن لمشاهد حرب وكر وفر مع مرتزقة وعملاء قوات الشرطة القمعية وعملاء الاستخبارات، فيما امتدت المظاهرات لأكثر من 146 مدينة وخلفت أكثر من 251 شهيد تم تحديدهم حتى الآن، وعليه احتلت انتفاضة شهر نوفمبر من جهة سرعتها وطاقتها الانفجارية الكامنة، مراتب أعلى بكثير من انتفاضة شهر يناير ٢٠١٨.
أسرار اتخاذ القرار
وعلى الرغم من الوضع المتفجر، إلا أن نظام الملالي قام بفرض أسعار الوقود الجديدة، وبخصوص هذا أوضحت صحيفة “جهان” في مقالة نشرت لها بتاريخ ١٤ نوفمبر ٢٠١٩:
“أنه يبدو عاجلاً أم آجلاً أن قرار تقنين ورفع أسعار البنزين سيتخذ، لكن يجب وضع البنية التحتية لتنفيذ هذا المشروع قبل اتخاذ أي إجراء لتقليل السخط العام”.
اختلاسات فلكية ومأزق كبير
وبالنظر لعوامل الفساد الأخرى، فإن اختلاسات النظام أصبح فلكية، التي كما يقول خبير اقتصادي تابع للنظام إنها أكبر من الاختلاسات الضخمة المعتادة في العالم والفساد المؤسسي، حيث عطلت دورة الإنتاج بشكل كامل، فيما أصبحت إيرادات حكومة الملالي منخفضة للغاية.
هذا بجانب أن النفط تحت ضغط العقوبات ولا يمكن بيعه، وبالتالي فإن النظام في مأزق غير مسبوق لتوفير الإنفاق وتأمين التكاليف، خاصة تكاليف المليشيات وتدخلاتها في المنطقة.
غير مستعد للتراجع
وتؤكد المقاومة الإيرانية أن النظام غير مستعد أبدًا لتخفيض تكلفة مراكز القوة ومختلف برامجه الصاروخية والإرهابية، مشيرة إلى أنه دائمًا ما يضع الناس وسبل عيشهم على ذيل قائمة أولوياته، والطريقة الوحيدة التي يجدها سانحة لحل أزماته هي تفريغ جيوب وسفرة طعام الشعب البائس في إيران.
قلق ورعب
وتوضح أن هذه المرة ذهب النظام باتجاه رفع سعر البنزين، وكان يعي تبعات هذا العمل، مبينة أن النظام الذي كان قلقاً للغاية من ردة فعل الشعب الانفجارية، رفع حالة الجاهزية داخل قوات الشرطة ووزارة المخابرات وجهاز القضاء وبقية القوات القمعية في مختلف مدن البلاد، قبل ٥ أيام من إعلانه قرار تقنين ورفع سعر البنزين.
على غير المتوقع
كما قام بنشر عناصر قوات الشرطة وعملاء الاستخبارات والمخبرين حول محطات البنزين ومراكز المدن الحساسة، وبالرغم من هذا القمع ونشر أجواء الرعب جاءت ردة الفعل الغاضبة للشعب الإيراني المقموع والمضطهد في مختلف أنحاء البلاد أبعد بكثير مما كان يتوقعه الملالي.
توحش الفقر
من جهتها قالت وكالة الأنباء الحكومية تسنيم التابعة لقوات الحرس في مقابلة لها مع أستاذ جامعي، أن ٤٠ مليون شخص في إيران يعيشون تحت خط الفقر، ولكن في الحقيقة هذا الرقم يتعدى إلى ٥٠ مليون إيراني.
وتشير المقاومة الايرانية إلى أن رفع سعر البنزين في الظروف المتفجرة الحالية للمجتمع، ما هو إلا سكب البنزين على نار غضب الجماهير الكادحة، والحكومة ليس لديها خيار سوى مواجهة عواقبها.
الانتفاضات الثلاث وتأثيرها
ويؤكد هذا القرار على العجز والإفلاس في نهاية المطاف لنظام الملالي، مؤكدة أن النظام برمته قلل من أهمية أو تجاهل أمرين ولم يضعهما في حساباته، أولهما الدرجة الانفجارية العالية للغاية في المجتمع الإيراني، والثانية هي الانتفاضة العراقية، تلك الثانية الغير منفصلة عن الانتفاضة في إيران، وتعتبر جبهة مشتركة ضد عدو مشترك مع شعار وموضوع مشترك، وهو أمر لا يمكن إنكاره.
في العراق، ينادي المحتجون “إيران برا برا” وفي إيران ينادي المحتجون “الموت للدكتاتور” و”الموت لخامنئي”، مؤكدة أن هاتين الانتفاضتين، وكذلك انتفاضات الشعب اللبناني، تتأثران ببعضها البعض، بشكل جدلي وفي نفس الوقت تؤثر على بعضها تأثيرا كبيرا.
و يبدو أن ديكتاتور إيران قد اختار المسار الثاني بين طريقتي التراجع أو الوقوف أمام الشعب، وبالتالي فتح بذلك أبواب الجحيم بوجهه، هذا في الوقت الذي لم يكن فيه النظام ضعيفًا ومتشتتاً وغارقاً في الأزمات لهذا الحد أبداً.
لا يمكن أن تنطفئ
وتشدد المقاومة الايرانية أن هذه الانتفاضة لا يمكن أن تنطفئ، بحكم ظروفها القوية التي خلقت فيها، مشيرة إلى أن هذه المرحلة الأخيرة للديكتاتوريين، الذين ليس لديهم خيار سوى الاختيار بين السيئ والأسوأ أو الاختيار بين الانفجار الاجتماعي أو الاختناق الاقتصادي، وهو ما يؤكد أنه من غير المرجح قدرة نظام الملالي على احتواء حالة المجتمع المتفجرة والانتفاضة المقبلة بالنظر إلى سرعة الانتفاضة وطاقتها الكامنة.
منطقة المرفقات
إرسال التعليق