عقب انتخاب الجزائريون عبد الحميد تبون رئيسا للجزائر د/ عبد الكريم قريشي عضو لجنة التربية والتكوين بمجلس الأمة الجزائري وعضو لجنة الشئون السياسية بالبرلمان العربي في حوار خاص

عقب انتخاب الجزائريون عبد الحميد تبون رئيسا للجزائر د/ عبد الكريم قريشي عضو لجنة التربية والتكوين بمجلس الأمة الجزائري وعضو لجنة الشئون السياسية بالبرلمان العربي في حوار خاص

— مشاركة الجزائريون بنسبة مقبولة في الإنتخابات جاء نتاج تحقق مطالب الحراك ومحاولة البرلمان الأوروبي التدخل في الشئون الداخلية للجزائر .

— إنتشار ظاهرة التطرف والإرهاب في العالم العربي يرجع إلى طمس حقوق الفلسطينيين وغياب الحق في التعبير والتعليم والعمل وظروف العيش المناسبة وانتشار الجهل والأمية .

بعد مخاض عسير استطاع الشعب الجزائري انتخاب عبد الحميد تبون كرئيس للجزائر وارجع المراقبون إقبال الشعب الجزائري بنسبة مقبولة على تلك الإنتخابات رغم دعوة بعض الشرائح لمقاطعتها إلى تحقق مطالب الحراك الجزائري ومحاولة البرلمان الأوروبي التدخل في شئون الجزائر ، وعن تقييمه لتلك الإنتخابات ومستقبل الجزائر في المرحلة القادمة كان لنا هذا الحوار مع د/ عبد الكريم قريشي عضو لجنة التربية والتكوين بمجلس الأمة وعضو لجنة الشئون السياسية بالبرلمان العربي :

1ـ كيف تقيمون الانتخابات الجزائرية والتي أفرزت فوز عبدالمجيد تبون رئيسا للجزائر؟

ج1 ـ باعتباري مواطن جزائري عاصرت المشهد السياسي في ظل الحزب الواحد وفي ظل التعددية السياسية، سعيد جدا بمشاركة المواطن في بناء هذا المشهد من خلال مشاركاته المتعددة في الانتخابات التي تجرى في الجزائر سواء أكانت انتخابات محلية لانتخاب المجالس المحلية البلدية والولائية، أم الوطنية لانتخاب المجلس الشعبي الوطني(البرلمان) أم الرئاسية، أم غيرها من الانتخابات التي شارك فيها الجزائري كالاستفتاء عن الدستور في الكثير من المحطات، أو الاستفتاء عن بعض القوانين كقانون المصالحة الوطنية، والتي شهدت نسب مشاركات متباينة حسب أهميتها، وقد عبرت جميعها بانشغال المواطن الجزائري بهذا الحدث أو ذلك، وبعد أن تمكنت الجزائر من العودة للمسار الانتخابي سنة 1997 بعد توقفه سنة 1992 بسبب ما عاشته من أحداث خطيرة كادت تعصف بكيان الدولة لولا تفطن الخيرين أنذلك، وأجريت جميع الانتخابات بصورة دورية ومنتظمة إلى غاية هذه السنة التي شهدت رفضا كبيرا لاستمرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المنتهية عهدته وعدم قبول العهدة الخامسة له مما أدى استقالته، ووفقا لما ينص عليه الدستور الجزائري، ومن خلال اجتماع البرلمان بغرفتيه الذي أثبت حالة الشغور النهائية لمنصب رئيس الجمهورية، تم تكليف السيد عبدالقادر بن صالح برئاسة الدولة، والذي دعا إلى انتخابات رئاسية في غضون ثلاثة أشهر من بداية رئاسته للدولة، إلا أن تلك الانتخابات لم تجر بسبب رفضه من الحراك ومن الطبقة السياسية كذلك ، وبعد حوار واسع مع الأحزاب والشخصيات الوطنية توصلت اللجنة المكلفة بذلك إلى ضرورة تعديل قانون الانتخابات وتشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، وقد صادق البرلمان على القانونين وتم تشكيل الهيئة المستقلة التي حملت على عاتقها تنظيم الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعد دعوة السيد رئيس الدولة للهيئة الناخبة وإجراء الانتخابات الرئاسية يوم الخميس الموافق لـ 12 ديسمبر 2019 .

وقد شهدت هذه المرحلة ترشيح عدد كبير من الجزائريين فاق عددهم مائة مترشحا، أودع 22 منهم ملفاتهم للهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، ولم تستوف الشروط إلا خمس ملفات، ولعل أهم ما ميز هذه الانتخابات هو تمكن الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات من جمع المترشحين الخمسة على توقيع ميثاق أخلاقي بينهم بالنسبة للدعاية الانتخابية والتي سادها الهدوء وتمكن هؤلاء المترشحين من عرض برنامجهم الانتخابي في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة وفي مختلف التجمعات واللقاءات التي أجروها مع المواطنين في كل ربوع الوطن، وانتهت الدعاية الانتخابية بإجراء مناظرة بين المترشحين هي الأولى من نوعها ومن تنظيم الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات يوم الجمعة 06 ديسمبر 2019 والتي بثتها وسائل الإعلام على المباشر، أي قبل ست أيام من الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم الخميس الموافق لـ 12 ديسمبر 2019، والتي أفرزت فوز السيد عبدالمجيد تبون برئاسة الجمهورية لمدة خمس سنوات، وقبول المنافسين الآخرين بالنتائج المعلنة وعدم التقدم بأي طعن في العملية الانتخابية سواء في نواحيها الإجرائية أو في نتائجها، وعليه ومن خلال ما سبق سرده من وقائع تاريخية، يمكن القول بأن هذه الانتخابات كانت ناجحة بكل المقاييس وأبانت عن حس ووعي كبيرين لدى غالبية الشعب الجزائري، حيث تمكنت فئة كبيرة من ألقيام بواجبهم الانتخابي بنسبة 39.93 %، في حين كانت نسبة مشاركة الجزائريين المغتربين 8.69 % وكانت نسبة المشاركة داخل الوطن 41.14 % ، وهي نسبة مقبولة في الظل الحراك القائم بالجزائر والذي يدعو إلى مقاطعة هذه الانتخابات، وعلى العموم يمكن القول أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى هذه النسبة، أن أغلب مطالب الحراك تحققت وخاصة إبطال العهدة الخامسة باستقالة الرئيس وسجن رؤوس الفساد وساهم هذا في بقاء الحراك على مستوى العاصمة وبعض الولايات الأخرى، كما كان لمحاولة البرلمان الأوروبي التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر دورا في ذهاب الكثير من الجزائريين لصناديق الاقتراع رفضا لكل ما من شأنه المساس بوحدة الوطن، كما كان لمحاولات البعض تشويه سمعة الجيش دورا في دفع الكثير من الجزائريين للتضامن من الجيش باعتباره حام الحدود والساهر على أمن الجزائريين ومن ثم تسبب في ذهاب الكثير من الجزائريين إلى صناديق الانتخاب.

وعلى العموم، وفي ظل الحالة السياسية التي كانت سائدة بالجزائر كان همً الكثير منهم انتخاب رئيس شرعي

2ـ وهل يمكن أن يكون فوز تبون بالرئاسة بداية لحل الأزمة السياسية التي جرت بالجزائر؟

ج2 ـ كما قلت سابقا، في ظل ما كانت تعيش فيه الجزائر من حراك ومن اختلاف في المطالب، وصل الحد بالكثير من الجزائريين التفكير في اختصار الطريق وانتخاب رئيس شرعي الذي يحمل على عاتقه حل المشاكل العالقة والتي كانت سببا لما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو ما نجحت فيه الجزائر من خلال الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات ومرافقة مؤسسة الجيش الوطني الشعبي للأوضاع وحرص هذه المؤسسة الشديد بالحفاظ على الأرواح والممتلكات وقد نجحت في ذلك نجاحا كبيرا، بل أصبحت المسيرات والمظاهرات في الجزائر مثالا يحتذى به في دول العالم، بالنظر لما كان يراهن الكثير من أن الجزائر تعيش أزمة كبيرة وستنزلق الأوضاع إلى ما لا يحمد عقباه في ظل ما تعيشه بعض الدول العربية الشقيقة من اضطرابات تسببت في هلاك مئات الآلاف كما هو الشأن بالنسبة لسوريا واليمن وليبيا وأخيرا العراق، وفي ذات الوقت كان الكثير يراهن على تمديد أمد الأوضاع من خلال الدفع بعدم إجراء الانتخابات والعمل على فرض امتلاءاتهم بمرحلة انتقالية أو بمجلس تأسيسي لتكون لهم الفرصة للسطو على ثوابت هذه الأمة، لكن وحسب وجهة نظري فإن نتائج هذه الانتخابات الحاسمة للرئيس المنتخب السيد عبدالمجيد تبون ومن خلال خبرته الكبيرة وعلاقاته الكثيرة مع الأحزاب والهيئات والشخصيات الوطنية، وما حمله برنامجه الانتخابي من التزامات بإنشاء جمهورية جديدة تستجيب لتطلعات الشعب ومراجعة واسعة في الدستور وتكريس الديمقراطية التشاركية، وما صرح به بعد فوزه من دعوته لشباب الحراك للحوار ، وهذا سيؤدي إلى قطع الطريق أمام كل الانتهازيين، وسيغير في الكثير من الأمور التي كانت سببا في الأزمة التي تعيشها الجزائر، من هذا المنطلق فإن السيد عبدالمجيد تبون له كل الإمكانيات التي تمكن من إخراج الجزائر من هذه الأزمة، على أن يمنح له الوقت الكافي لتجسيد ما وعد به.

3ـ هناك تخوفات من أن يكون فوز تبون محاولة لإعادة النظام السابق خاصة إن تبون كان مقربا من الرئيس السابق؟

ج3 ـ لا يمكن أن ينكر أحد أن السيد عبد المجيد تبون إنسان مخضرم، وعايش كل المراحل التي عاشتها الجزائر منذ استرجاعها لسيادتها الوطنية من فرنسا سنة 1962 ، حيث كان عمره آنذاك 17 سنة، فقد عايش الاستعمار كما عايش النظام الجزائري بمراحله المختلفة، فالإنسان ليس آلة يمكن استبدالها أو تجديدها، لكن الذي يجب أن يعرف أن وجودك في منظومة ما لا يعني أنك مندمج بشكل كلي معها، وإلا كيف نفسر هروب أشخاص من أسرهم، أو من مدارسهم ، أو من مجتمعاتهم، أو من بلدانهم، وإن كان السيد عبدالمجيد تبون عاش كل هذه المراحل فإن طريقة إنهاء مهامه كوزير أول وبتلك الطريقة، وما سبقها من تصريحات نارية له، تجعل منه شخصا مختلفا يبحث عن تجسيد فكر جديد في جمهورية جديدة، وبدستور جديد، وبالتالي فإن مثل هذه الأشياء تقضي على هذه التخوفات، بسبب شخصيته وبرنامجه والتزاماته، وبسبب ما وصل إليه المجتمع الجزائري من وعي وإدراك لبلوغ مستقبل تسوده الديمقراطية والتشاركية السياسية والرقمنة وغيرها مما يميز الديمقراطيات الحديثة والمجتمعات المتطورة، ولعل ما يتخوف منه بعض الحاملين للفكر التغريبي في الجزائر هو الإبقاء على ثوابت الأمة المكرسة في الدستور ويعتبرونها إعادة للنظام السابق، لكنها في الواقع سابقة للرئيس وللجزائر المستقلة حيث كرست هذه الثوابت في بيان أول نوفمبر الذي أدى إلى اندلاع الثورة المسلحة سنة 1954 والتي أدت إلى استرجاع السيادة الوطنية.

4ـ وكيف تفسرون المظاهرات والاعتراضات التي قامت بها شريحة من الشعب الجزائري ضد إجراء الانتخابات ؟

ج4 ـ كما هو معروف أنه ومنذ فبراير الماضي تشهد العاصمة خاصة مسيرات ومظاهرات سلمية قابلتها المؤسسة العسكرية بالمرافقة وتعهدت بذلك حرصا على سلامة المتظاهرين وهو ما كان منذ الأسبوع الأول غلى غاية هذا الأسبوع وقد تستمر …

حيث بدأت ببعض المطالب المحددة بإسقاط العهدة الخامسة ومعاقبة المفسدين ومنهم من كان يطالب بمرحلة انتقالية وبإنشاء مجلس تأسيسي وغيرها من المطالب التي كانت في تزايد مع استفحال المظاهرات كل جمعة وكل ثلاثاء بالنسبة لطلاب الجامعة، وقد ساهمت تلك المظاهرات التي خرج فيها الملايين وفي كل مدن البلاد في عدم تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة في 4 يوليو 2019، ومع مرور الوقت ودخول عناصر أخرى في الأحداث مثل إنشاء لجنة الحوار والوساطة وخروجها بمقترحات هامة حول قانون الانتخابات وإنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات بعد أن حلت اللجنة التي أشرفت على الانتخابات في السنوات القليلة الماضية، خف حجم المظاهرات والمسيرات وتركز خاصة بالعاصمة، حيث كانت تدعو إلى إطلاق سراح بعض المساجين ورفض الانتخابات حتى يتنحى أغلب رموز النظام، وفي المقابل تنبه الكثير من الجزائريين أن هناك أمور خفية غير المعلنة من وراء استمرار تلك المسيرات والمظاهرات مما أدى إلى تناقصها في كافة المدن الجزائرية باستثناء العاصمة ومدن قليلة أخرى مثل تيزي وزو وبجاية، ولعل السبب الأساسي يعود لما كان يدعو له البعض بمرحلة انتقالية بحل الحكومة وإنشاء مجلس تأسيسي وهو ما قوبل بالرفض من قبل الكثير من الجزائريين لإدراكهم العميق أن هناك من يسعى إلى السطو على الثوابت التي يشترك فيها أغلب الجزائريين، ومهما كانت التبريرات لتلك المسيرات والمظاهرات فقد حاول منظموها عبثا توقيف هذه الانتخابات لكنهم فشلوا في ذلك بسبب وجود مترشحين معروفين، وهيئة مستقلة مكونة من قبل أشخاص كذلك معروفين بنزاهتهم وبتعهد من الجيش بحماية العملية الانتخابية وفقا لما ينص عليه الدستور وعدم الخروج عنه، كما يمكن تفسير استمرار تلك المسيرات والمظاهرات أن الكثير من المشاركين وجدوا أن التوقف عن تلك المسيرات والمظاهرات هو هزيمة للحراك وأنه لم يحقق الأهداف التي انطلق من أجلها، لكن أرى ان مشكلة الحراك الأساسية أنه لم يتمكن من إيجاد قيادة تتحدث باسمه، بعد محاولات كثيرة باءت بالفشل في قبول شخصيات تمثله، وبعد هذه النتيجة الحاسمة للانتخابات الرئاسية أتوقع أن يندمج شباب الحراك في هذه الحوار الذي دعا إليه الرئيس المنتخب، إذا علمنا أن الأيام القليلة القادمة سنشهد تنحي الحكومة، وعودة محتملة لرئيس الدولة رئيسا لمجلس الأمة، وهي بعض مطالب الحراك في فترة ما.

5ـ وما هو مستقبل علاقة الجزائر مع المجتمع الدولي ودول الجوار بعد فوز تبون ؟

ج5ـ الجزائر لها باع كبير في مجال الدبلوماسية في إطار الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الغير وعدم قبول التدخل في شؤونها الداخلية، واحترامها للمواثيق الدولية باعتبارها عضوا كامل الحقوق في هيئة الأمم المتحدة، كما أنها عضو في جامعة الدول العربية ومنظمة العالم الإسلامي والاتحاد الإفريقي ودول عدم الانحياز ومختلف الهيئات الدولية والإقليمية في كل من إفريقيا والدول العربية والإسلامية ودول المغرب العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، وتربطها علاقات جيدة بأغلبية دول العالم في قاراته الخمس، من خلال تمثيليات دبلوماسية تفوق 80 بعثة منتشرة عبر العالم.

مما سبق يتضح الأهمية التي توليها الدولة الجزائرية لعلاقاتها الدبلوماسية بالخارج كما أنها حريصة كل الحرص أن تكون هذه العلاقات في فائدة المواطن الجزائري السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذا ما يبرر تواجدها في المؤسسات الدولية، وبحكم الخبرة التي يتمتع بها السيد عبدالمجيد تبون أتوقع انتعاش في السياسية الخارجية لما يخدم مصالح الشعب الجزائري، ولا يمكن استثناء دول الجوار من ذلك، علما أن علاقاتنا مع الجيران مبنية على الأخوة وحسن الجوار مع العلم أن الجزائريين يتنقلون عبر دول الجوار (ليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا ) بدون تأشيرة وهذا مؤشر إيجابي على تلك العلاقة الجيدة مع هذه الدول، وهكذا فإني أتوقع انتعاش لعلاقات الجزائرية الدولية والعربية والإسلامية لما فيه مصلحة الجزائر والشعب الجزائري.

6ـ باعتبارك ممثل الجزائر في البرلمان العربي ما هو تقييمك للدور الذي يلعبه البرلمان وخاصة أن قراراته ليست ملزمة؟ وماذا قدمت باعتبارك ممثل للجزائر في البرلمان من اقتراحات؟

ج6ـ الحديث عن البرلمان العربي حديث طويل قد لا ينتهي بين أهداف أنشئ من أجلها وواقع مليء بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعود فكرة إنشاء مؤسسة تمثيلية شعبية في إطار جامعة الدول العربية إلى منتصف خمسينات القرن الماضي، حيث تقدمت أمانة الجامعة عام 1955 بمقترحات لتعديل ميثاقها، ومن هذه المقترحات إضافة هيئة جديدة في شكل جمعية شعبية، ولم تتم الاستجابة لهذا المقترح آنذاك، غير أن فكرة إنشاء برلمان عربي ظلت مطروحة على بساط البحث والتداول، ولم تغب عن مبادرات إصلاح منظومة جامعة الدول العربية، وكانت محل اهتمام كبير من قبل الاتحاد البرلماني العربي، وتلاقت توجهاته مع الجامعة العربية، وتعاونا على وضع القواعد المشتركة لهذا الاقتراح بإنشاء برلمان عربي، فكان ذلك أساسا للقرارات التي اتخذتها القمم العربية فيما بعد بشأن تأسيس البرلمان العربي الذي أنشئ بمقتضى قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة رقم (292) الصادرة عن الدورة العادية السابعة عشر المنعقدة بمدينة الجزائر وذلك بتاريخ 23 مارس 2005، حيث أدخلت تعديلات على ميثاق جامعة الدول العربية، جاء في صدارتها استحداث المادة التاسعة عشر التي نصت على:” ينشأ في إطار الجامعة العربي برلمان عربي ويحدد نظامه الأساسي تشكيله ومهامه واختصاصاته.” كما اعتمد نظامه الأساسي الذي قضى في مادته الأولى بأن ” ينشأ برلمان عربي لمدة خمس سنوات يجوز تمديدها لعامين كحد أقصى تبدأ من تاريخ أول انعقاد له وذلك كمرحلة انتقالية نحو قيام برلمان عربي دائم.” وقد بدا البرلمان العربي الانتقالي بالفعل بتاريخ 26 و 27 ديسمبر 2005، وفي 28 مارس 2010، أصدر مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة قراره رقم 501 الصادر عن الدورة العادية الثانية والعشرين المنعقدة بمدينة سرت بالجماهيرية العربية الليبية، الذي قضى بالتمديد للبرلمان العربي الانتقالي لمدة عامين لاستكمال الأطر القانونية والنظام الأساسي للبرلمان الدائم.

وفي 28 مارس 2012 أصدر مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة القرار رقم: 559 الصادر عن الدورة العادية الثالثة والعشرون المنعقدة بمدينة بغداد بالعراق، الذي اعتمد النظام الأساسي للبرلمان العربي ليكون فضاء لممارسة مبادئ الشورى والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ويكون أداة للحوار والقرار وقوة دفع شعبية لمنظومة العمل العربي وشريكا فاعلا في رسم السياسة العربية المشتركة خدمة للمصالح العليا للأمة العربية وتأكيدا لمبدأ توسيع المشاركة السياسية كأساس للتطور الديمقراطي في البلدان العربية لتوثيق الروابط بين الشعوب العربية، وهكذا انتقل البرلمان العربي من مرحلة البرلمان الانتقالي إلى المؤسسة البرلمانية الدائمة، وافتتح أعمال دور انعقاده العادي الأول بتاريخ 12 ديسمبر 2012، واستهله بانتخاب رئيسه ونوابه الأربعة، وتشكيل لجانه الدائمة الأربعة وانتخاب رؤسائها ومقرريها، وأمينه العام واثنين من الأمناء العامين المساعدين وفور استكمال تشكيل أجهزته البرلمانية الرئيسية، شرع البرلمان في وضع نظامه الداخلي ونظامه المالي وغيرهما من الأنظمة الإدارية والمالية للبرلمان، حيث تشير المادة الثالثة من النظام الأساسي إلى أن البرلمان العربي يتكون من أربعة أعضاء لكل دولة عضو ويراعي في ذلك تمثيل المرأة. ” يمثل الشعب العربي ويجاري البرلمانات الجهوية والعالمية ويحمل انشغالات وهموم المواطن العربي ومدافعا عن مبادئه ومصالحه السياسية والاقتصادية والثقافية، وكما قلتم فإن قراراته ليست ملزمة لأنها هيئة استشارية من خلال قمة الكويت التي أصدرت قرارا بأن يكون برلمانا استشاريا لمدة خمس سنوات، وهو مازال على هذه الصفة.

وعلى العموم، وبناء على صفته الاستشارية فقد قام البرلمان العربي منذ ديسمبر 2012 إلى اليوم بالعديد من النشاطات من خلال لجانه الأربع، ولعل أهمها مشاركته في اغلب المحافل الدولية ورفع انشغالات واهتمامات الشعوب العربية والدفاع عن قضايا الأمة العربية ولاسيما القضية الأم ألا وهي القضية الفلسطينية التي تمثل الموضوع الأساس في كل نقاشات والاجتماعات البرلمان، ويسعى جاهدا للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني من خلال التواصل شبه المستمر مع الهيئات الدولية والجهوية، كما أنه حريص على الأمن القومي العربي مبينا أساسيات ذلك من خلال الندوة التي نظمها بالقاهرة في أكتوبر 2014، وإصدارها لوثيقة المرأة العربية ووثيقة الشباب العربي، واهتمامه بالتكامل الاقتصادي العربي وعلاقات الدول العربية بدول الجوار ورفضه التدخلات الأجنبية، ودراسته لمختلف قضايا الوطن العربي كالأوضاع في سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها من الإحداث والأزمات التي يعيشها الوطن العربي ساعيا إلى القضاء على كل ما من شأنه عرقلة السير الطبيعي لمختلف الدول العربية.

أما عن المقترحات والموضوعات التي قدمتها فهي كثيرة ومتعددة بحكم تواجدي في الكثير من اللجان المصغرة، ولجنة فلسطين وعضويتي في لجنة الشؤون السياسية والخارجية والأمن القومي ولا يمكن ذكرها جميعا لكن لا باس أن أذكر أهمها:

ـ موضوع سوريا:

ناسف لقرار جامعة الدول العربية بتجميد عضوية سوريا بالجامعة وهو ما تحفظت عليه الجزائر والعراق ولبنان، لكن المؤسف أكثر أن يحذو البرلمان العربي حذو الجامعة ويجمد عضوية سوريا بالبرلمان العربي، من هنا كان مقترحي ومقترح زملاء آخرين بضرورة عودة سوريا للبرلمان العربي إلا أن هذا لم يتحقق لحد الآن.

ـــ القضية الفلسطينية:

انطلاقا من كون القضية الفلسطينية القضية الأم بالنسبة للبرلمان العربي، وبناء على أهميتها بالنسبة لي شخصيا وللشعب الجزائري فقد اقترحت على معالي البرلمان العربي عشية زيارتنا للمجلس الوطني الفلسطيني مجموعة من المقترحات تمثلت على الخصوص فيما يلي:

1ـ تجميع مختلف البيانات التي أصدرها البرلمان العربي حول فلسطين.

2ـ تجميع كل المراسلات التي أرسلها البرلمان العربي إلى الهيئات العربية والجهوية والدولية، وإعادة التذكير بها حتى لا تنسى لدى الهيئات التي أرسلت إليهم.

3ـ تجميع كل المراسلات التي وصلت إلى البرلمان العربي من الهيئات العربية والجهوية والدولية حول فلسطين، واستغلال ما كان منها خدمة للقضية.

4ـ التواصل مع لجان الشؤون الخارجية على مستوى البرلمانات الوطنية العربية لتنظيم أيام برلمانية حول القضية الفلسطينية واستضافة الشخصيات العالمية المؤيدة للقضية.

5ـ تشكيل لجان صداقة بين البرلمانات الوطنية والمجلس الوطني الفلسطيني.

6ـ تشكيل لجنة صداقة بين البرلمان العربي والمجلس الوطني الفلسطيني.

7ـ القيام بدراسة قانونية من قبل الخبراء المختصين في القانون الدولي حول القضية الفلسطينية وتقديم الأدلة الكافية لأحقية الشعب الفلسطيني على أراضيه المحتلة.

8ـ جمع كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة حول أحقية الشعب الفلسطيني في الاستقلال.

9ـ جمع كل القرارات التي أصدرتها البرلمانات الجهوية والعالمية والمؤيدة لأحقية الشعب الفلسطيني في الاستقلال.

10ـ القيام بدراسة اقتصادية من قبل الخبراء المختصين في الاقتصاد لإظهار ما يقوم به الصهاينة في استغلال مقدرات الاقتصاد الوطني الفلسطيني بغير حق على الأراضي المحتلة.

12ـ القيام بدراسة اقتصادية من قبل الخبراء المختصين في الاقتصاد الفلسطيني لمعرفة آليات تطويره للتخفيف من متاعب حياة الشعب الفلسطيني.

13ـ القيام بتجميع الدراسات النفسية والاجتماعية التي أقيمت والعمل على اقتراح لتحسين الوضع القائم في القضايا التالية:

أ ـ وضعية الأسرة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ب ـ وضعية الطفل الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ج ـ وضعية المرأة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

د ـ وضعية التربية والتعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هـ ـ وضعية الشباب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

و ـ وضعية الصحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ح ـ وضعية الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية. ( للضغط على الاحتلال)

14ـ بذل الجهود لتمكين الطلاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة للحصول على منح دراسية على مستوى الجامعات في مختلف الدول العربية والإسلامية.

​​ 15ـ تنظيم ندوة حول الأسرى الفلسطينيين، والتعريف بقضية الأسرى والقيام بتحقيقات حول ظروف المهجرين و معيشتهم في مختلف الدول العربية ودول العالم المختلفة.

16 ـ يوم عربي للقضية الفلسطينية في كل المدارس بالدول العربية.

17 ـ فتح موقع إلكتروني للجنة فلسطين بالبرلمان العربي والتواصل من خلالها بالبرلمانات العالمية واللجان والجمعيات المحبة للسلام وخاصة تلك المساندة لحرية الشعوب وخاصة حرية الشعب الفلسطيني. وكذلك فتح صفحات للجنة فلسطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع شعوب العالم المختلفة والشعوب العربية ونشر كل ما يدعم القضية الفلسطينية من صور ووثائق وأفلام لفضح ما يقوم به الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وكذلك التواصل مع الشعب الفلسطيني المتواجد خارج فلسطين كمهاجر أو أسير.

18 ـ زيارة لجنة فلسطين للقدس والأراضي المحتلة والاتصال بالشعب الفلسطيني والاطلاع على ظروفه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

19 ـ مراسلة البرلمانات العربية لبناء توأمة بين العواصم العربية ومدينة القدس باعتبارها عاصمة لدولة فلسطين.

20 ـ تفعيل التواصل بين البرلمان العربي والبرلمانات الجهوية والعالمية وخاصة برلمانات الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن.

21 ـ جمع الكتب والأبحاث العلمية والرسائل الجامعية التي أجريت حول القضية الفلسطينية عبر وزارات التعليم العالي والبحث العلمي في الدول العربية.

22 ـ جمع الأفلام التي أنجزت حول القضية الفلسطينية وجميع الحروب العربية مع العدو الصهيوني وتوثيق ذلك.

23 ـ التركيز على برلمانات الدول المعترفة بحقوق الشعب الفلسطيني وخاصة في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، وجمع هذه الاعترافات ومراسلتها وتشجيعها على الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه تلك الدول في سبيل تحقيق الاستقلال لفلسطين، ودعوتها للاطلاع عن كثب ما يجري في فلسطين في ظل الاحتلال الصهيوني.

24 ـ حث جمعيات المحامين العرب داخل الدول العربية وخارجها والمنتشرين عبر العالم إلى رفع قضايا ضد الحكام الصهاينة لمحاصرتهم وفضح ما يقومون به من تقتيل للفلسطينيين وتهديم للتراث العالمي وطمس للفلسطينيين. وتشجيع جمعيات المحامين العرب لرفع قضايا ضد الكنيست وضد قراراته المخالفة للقوانين الدولية.

25ـ متابعة كل الأنشطة التي تقام عبر العالم العربي والعالم بشكل عام حول القضية الفلسطينية وإدراجها ضمن موقع اللجنة أو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي.

26ـ تسمية بعض المعالم وقاعات المؤتمرات في الوطن العربي بأسماء بعض الشهداء الفلسطينيين.

27ـ حث المنظمات العربية داخل جامعة الدول العربية كلا حسب اختصاصها لتركيز اهتمامها حول الأراضي الفلسطيني من خلال الاتصال بها، وخاصة الجهات التالية:

أـ إتحاد إذاعات الدول العربية

ب ـ الصندوق الوطني للإنماء الاقتصادي والاجتماعي

ج ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم

د ـ المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة

هـ ـ المنظمة العربية لضمان الاستثمار

و ـ المنظمة العربية للتنمية الإدارية

ز ـ منظمة العمل العربية

ح ـ صندوق النقد العربي

ط ـ مجلس الوحدة الاقتصادية العربية

ـ مقترحات حول نشاط لجنة الشؤون الخارجية والسياسية والأمن القومي:

1ـ تنظيم ندوة حول: الطوائف الإسلامية بالتعاون مع الأزهر الشريف.

2ـ تنظيم ندوة حول: السياسات العالمية والجهوية والعربية

3ـ تنظيم ندوة حول: الأسرى الفلسطينين

4ـ تنظيم ندوة حول : الصراعات في الدول العربية، بين المشاكل الداخلية والتدخلات الأجنبية

5ـ دعوة المبعوثين الأمميين وتنظيم جلسات لمناقشة الأوضاع الأمنية في كل من ليبيا وسوريا واليمن.

6ـ إنجاز وثيقة أخلقة العمل السياسي في الوطن العربي

7ـ دراسة حول التكوين السياسي في النظم التربوية العربية

8ـ إنشاء مجلة إعلامية خاصة بالبرلمان العربي تنشر مرتين أو ثلاث مرات في السنة

9ـ تنظيم ندوة حول الدبلوماسية العربية : الواقع والآفاق

ـ الجزائر:

بالنظر لاهتمام البرلمان العربي بقضية فلسطين وسوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها من المنطق المضطربة، لم يكن الاهتمام كبيرا بالمناطق الهادئة الآمنة باستثناء بعض الأحداث كالانتخابات التشريعية في الجزائر سنة 2017 حين اقترحت إصدار بيان حولها، وبعد ظهور الحراك في الجزائر في فبراير الماضي كنا كذلك اقترحتا على البرلمان إصدار بيان حول ذلك وقد تم ذلك؟

بيان حول الانتخابات التشريعية بالجزائر

يتابع البرلمان العربي بترحيب واهتمام، الإنجازات المتتالية التي تحققها الجزائر في سبيل تعزيز امنها واستقرارها ورفاه شعبها، من خلال التحضير لمرحلة جديدة من المسار الديمقراطي الذي تستكمل به بناء دولة الحق والقانون، متمثلة في تنظيم الانتخابات التشريعية المقررة في الرابع من مايو 2017، باعتبارها لبنة جديدة في صرح الإصلاحات الكبرى التي بادر بها فخامة السيد عبد العزيز بوتفليقة،رئيس الجمهورية الجزائرية.

وانه إذ ينوه بالجو الديمقراطي والتنافس الأخوي السائد بين كل التيارات السياسية المشاركة في هذه الانتخابات، والتي أبانت عن التزام وطني ونضج سياسي صهرته تجربة ديمقراطية طويلة،

يدعو كافة الشعب الجزائري للمساهمة في إنجاح هذا الاستحقاق الوطني الهام، مثلما أنجح كل المواعيد المصيرية في تاريخ البلاد،من أجل استثمار المكاسب الوطنية المحققة بفضل مبادرات فعالة، على غرار التعديلات الدستورية المصادق عليها من طرف البرلمان الجزائري، والتي جسدت طموح الشعب من خلالالتمكين للمرأة في الحياة السياسيةودعم دورها في الهيئات التشريعية والمجالس المحلية،وتعزيز حرية التعبير والحريات الفردية والجماعية، وحرية الاستثمار وتنويع الاقتصاد…

إن البرلمان العربي يثمن حرص الدولة الجزائرية على ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات من خلال انشاء هيئة وطنية مستقلة لمراقبة الانتخابات،ويشيد بالسعي الدؤوب للحكومة الجزائرية من أجل ضمان انتخاب برلمان تعددي، يمثل مختلف الشرائح الاجتماعية والتوجهات السياسية، آملين أن يشمل التوفيق والسداد إخوتنا في الجزائرلاستكمال بناء هذا الصرح التشريعي، ليكون ممثلا حقيقيا للشعب الجزائري ومعبرا عن تطلعاته وطموحاته.

بيان حول الحراك في الجزائر:

يتابع البرلمان العربي باهتمام شديد ما تعيشه الجزائر الشقيقة منذ مدة من حراك شعبي، منوها بالطابع السلمي والحضاري للمظاهرات، والذي يشكل دليلا قويا على حيوية الشعب الجزائري في تفاعله مع مختلف القضايا التي ترتبط بالشأن العام.

يحي البرلمان العربي الشعب الجزائري الذي أبان بكل وعي ومسؤولية حرصه على حماية وطنه، وتوقه للرقي ببلاده نحو مستقبل واعد ومزدهر.

يؤكد البرلمان العربي على أن هذا الحراك السلمي الهادي سيثمر ديمقراطية حقيقية يساهم جميع الجزائريات والجزائريين في ترسيخها وتعميقها والتي ستفضي حتما إلى تنامي استقلالية القرار السياسي الوطني.

يدعو البرلمان العربي كافة الأحزاب السياسية والجمعيات والشخصيات الوطنية الجزائرية إلى تبني الحوار الشامل وتغليب الحكمة والمصلحة الوطنية كونها السبيل الأنسب للخروج من الأزمة السياسية وتحقيق تطلعات الشعب الجزائري الشقيق في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

7ـ باعتبارك عضو لجنة التربية والتكوين والتعليم العالي ما هي رؤيتك لأسباب تخلف العالم العربي في هذا المجال عن الخارج؟ وما هي اقتراحاتك للنهوض به؟

ج7ـ مما لا شك فيه أن العالم العربي يعاني تخلفا كبيرا بالمقارنة مع شعوب العالم المتطورة في آسيا وأوروبا وأمريكا وحتى في بعض الدول الإفريقية، ولعل من أسباب ذلك ما هو تاريخي بسب الاستعمار، وما هو نتاج عن ما آلت إليه الأنظمة والحكومات العربية التي لم تتمكن من مسايرة الركب المتقدم في العالم المحيط بنا…بل انشغلت في صراعات داخلية أحالت دون نظرة ثاقبة لبناء مستقبل زاهر لها ولشعوبها، كما كان للبعض الآخر صراعات خارجية وحروب استنزفت بعضا من قواها العسكرية والاقتصادية.

بالنسبة لكيفية النهوض ومسايرة العصر وبلوغ التقدم، فإن ذلك يستلزم الحرص على توفر عنصرين أساسيين وهما الأمن والعلم، فلا حضارة بدونهما.

بالنسبة للعنصر الأول والمتعلق بالأمن، وهذا على المستوى المحلي ويكون الوطن آمن ويكون المواطن العربي آمن في هذا الوطن، ولهذا العنصر جانبين جانب داخلي وجانب خارجي، أما الجانب الداخلي فهو أن تعيش كل الدول العربية ظروف آمنة ولا يكون هذا إلا من خلال سياسات واضحة تبنى على قبول الآخر ، يجد فيها المواطن السبل لراحته ومكانا لتفجير طاقاته وإبداعاته، وممارسة جميع حقوق دون نقصان ، وفي المقابل يقوم بكل واجباته تجاه الوطن، ولا يتأتى هذا إلا من خلال نظام سياسي يبنى على التشاركية السياسية التي تشعر المواطن بأنه جزء من منظومة الحكم التي تحكمه وبذلك تتجسد الوطنية الحقيقية القائمة على الحقوق والواجبات، أما الجانب الخارجي لهذا الأمن فيرتكز على بناء علاقات متينة مع الدول المحيطة بنا، مبنية على أمن وسلامة الجميع وعلى التعاون والمصالح المتبادلة بهدف التكامل الاقتصادي خاصة، لكن في ظل واقعنا العربي الحالي التي تنعدم فيها أبسط حقوق المواطن العربي في التعبير، وفي التعليم، وفي السكن، وفي العمل وغيرها من مطالب الحياة العصرية، وفي ظل وجود الكيان الصهيوني المحتل لأراضينا العربية وغياب أبسط الحقوق للشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة، وفي ظل وجود علاقات عربية عربية مضطربة، وعلاقات جهوية غير مستقرة مع كل من إيران وتركيا، فإنه من الصعوبة بمكان الحديث عن النهوض إلا إذا تمكنا من حل جميع هذه القضايا، وبناء علاقات مع دول العالم المختلفة قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة، كما يجب الحرص على بناء جيش قوي يقلل من أطماع الدول الأخرى.

أما بالنسبة للعنصر الثاني وهو العلم فلا بد من الاهتمام بالإنسان والحرص على تكوينه تكوينا قويا جسديا ونفسيا وعلميا وأخلاقيا من خلال بناء مدرسة قوية تجعل منه ذخرا لوطنه، فأكثر الأمم تقدما الآن هي الدول الأكثر إنفاقا على التعليم لأنها أدركت أنها تستمد قوتها الحقيقية هن قوة أبنائها، ” فالأمم لا تقاس بما لديها من موارد بشرية بل بما لديها من طاقة بشرية كفئة” ويقول أحد الحكماء الصينيين في القرن الثالث قبل الميلاد: ° إذا وضعتم مشاريع سنوية فازرعوا القمح , وإذا كانت مشاريعكم لعقد مـن الزمان فاغرسوا الأشجار , أما إذا كانت مشاريعكم للحياة بكاملها فما عليكم إلا أن تثقفوا وتعلموا وتنشئوا الإنسان ° آخذين بأساليب التعليم الصحيحة المعتدلة بعيدا عن التطرف ولا يتأتى هذا إلا من خلال إصلاح منظومة التربية والتعليم داخل كل دولة عربية لتلعب دورها في تشكيل النشء وفقا لما تمليه أساسيات البناء الحضاري الإنساني المبني أساسا على خلافة الله في الكون، ولا يكون ذلك بمن خلال ما نراه من سلوكات لا تمت إلى الإنسانية بصلة، وفي هذا الشأن يجب أن تشمل عملية التكوين الإناث والذكور دون إغفال مرحلة عمرية على أن تختلف أساليب التربية والتكوين، ووفقا لكل مؤسسة ودورها فهناك اختلاف بين خصائص كل مرحلة تكوينية كما أن اختلاف بين طبيعة مؤسسات التكوين فالمدرسة تختلف عن مراكز التكوين والتدريب لكنها مكملة لبعضها كما أن المدرسة تختلف عن الجامعة لكنها مكملة لها ونفس الشيء بالنسبة للمسجد ودور العبادة، لكنها جميعا تهدف إلى عملية تكوين النشء الذي يبنى عليه مستقبل المجتمع، ولعل من أهم أسباب المشاكل التي نعانيها الآن تعود إلى الأمية والجهل المنتشرين في كافة الدول العربية، وتأثيرها لدى المرأة أكثر منها عند الرجل وكما يقول حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها °°° أعددت شعبا طيب الأعراق

وعلينا الحرص بأخذ الأساليب الفعالة في هذا الشأن وذلك من خلال الحرص على التكوين وفقا لمبادئ حضارتنا التي ننتمي إليها والأخذ بأساليب العلم الحديثة من العلوم الدقيقة والتكنولوجيا حتى ننشئ جيلا متكاملا يسهل عليه التوافق مع العصر الذي نعيش فيها والولوج إلى عالم الغد، وكذا الاهتمام بالأسرة باعتبارها النواة الأولى للمجتمع، وبالتالي فإن صلاحه من صلاحها وفساده من فسادها، وعلينا في هذا الشأن أن نضع نصب أعيننا أن تكوين المجتمع القوي لا يكون إلا من خلال أسر قوية، وعلى الحكومات أن تضع ضمن أولوياتها برنامجا خاصة بتكوين الأسر، وأي تجاهل لذلك سيعود وبالا على المجتمع، والمتمعن للأسرة العربية أنها فقد دورها الريادي في التربية والتكوين ولم يعد لها ذلك التأثير القوي الذي تميزت به خلال قرون، مما يتطلب منا الآن الحرص على إعطاء الأسرة الأهمية البالغة لها لتستطيع مد المجتمع بالأبناء الصالحين، فهي القاعدة لكل ما يأتي بعدها من مؤسسات التنشئة الأخرى مع الأخذ بعين الاعتبار أسس بناء المجتمع القوي القائم على تقديس قيمة العمل والأخلاق.

8ـ باعتبارك عضوا للجنة الشؤون الدينية كيف تفسر ظاهرة التطرف والإرهاب في الآونة الأخيرة ؟ وكيف يمكن مواجهتا؟

ج8ـ لابد من الرجوع قليلا إلى الوراء متسائلين عن أسباب ظهور ذلك في الوطن العربي، وحتى لا ننسى فإن العنف ظاهرة قديمة، لكن ظهورها بهذا الشكل في الوطن العربي، وحسب وجهة نظري يعود إلى غياب ما سبق ذكره من طمس للحق في الحرية للشعب الفلسطيني، وغياب الحق في التعبير والتعليم والعمل وظروف العيش المناسبة والشعور بالإحباط وانتشار والجهل والأمية وغيرها … كلها عوامل أدت إلى انتشار هذه الظاهرة المشينة في مجتمعاتنا العربية، ولا يمكن معالجة أي مشكلة إلا بالقضاء على مسبباتها، فالعنف والتطرف والجريمة المنظمة من القضايا الخطيرة التي تمس باستقرار وأمن الدول العربية، ودون الخوض في مسبباتها فإن هذه الدول مدعوة أكثر من أي وقت مضى للتعاون فيما بينها والبحث في دواعي ظهورها، وذلك من خلال استثمار للعلماء والمفكرين ورجال الأمن العرب، لأن توحيد الرؤى يساعد على توحيد أساليب المكافحة وإيجاد الحلول الفاعلة لهذه المشكلة التي تنخر في مجتمعاتنا العربية ولا يتأتى هذا إلا من خلال تكوين الإنسان والاهتمام بمؤسسات التنشئة كما سبق وأن ذكرت سابقا.

أما عن أساليب مواجهة هذه الظاهرة فيكون حسب وجهة نظري بما يلي:

1ـ الحل السياسي: ويتمثل في تفتح الدول العربية لتعدد الآراء والقبول بالآخر من خلال التعددية السياسية لينخرط المواطن العربي في التشكيلة السياسية التي تتماشى وتفكيره ومعتقداته ويعبر عنها في كل متناسق في كنف الدولة التي ينتمي إليها، لتساير الدول العربية ما هو قائم في دول العالم المتحضر التي تحتوي الاختلافات داخل المجتمع بالحوار والتعايش السلمي، لتبنى السلطة على قوة إقناع المواطن العربي بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال المشاركة السياسية في تحديد نظام الحكم.

.
..

إرسال التعليق