ظاهرة فرعون وبطانة السوء
ضرب الله في كتابه الحكيم العديد من الامثلة لاستبداد الحاكم وبطانة السوء والتي كان لها دور كبير في فساد الأرض وضياع الأمة ولعل أبرز تلك الأمثلة ظاهرة فرعون والذي قال لقومه أنا ربكم الأعلى فاستخف قومه فاطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين وهو ما أدى في النهاية إلى هلاك فرعون ومناصروه ، ورغم أن تلك الواقعة مضى عليها آلاف السنين إلا أنها للأسف أصبحت ظاهرة في التاريخ الإسلامي وإذا كان أحد أسباب تلك الظاهرة هي استبداد الحاكم وتنكيله بكل من يخالفه في الرأي إلا أن الأخطر فيها بطانة السوء والتي كان لها الدور الاكبر في استمرار استبداد الحاكم وعدم معارضته إما خوفا أو نفاقا ، فلو وجد فرعون من يخالفه في الرأي ويصده عن استبداده لما وقع ذلك ، ونظرا لخطورة ظاهرة بطانة السوء على الأمة فلقد حذرنا رسولنا الكريم منها عندما قال أفضل كلمة حق هي كلمة حق عند سلطان جائر وإذا كان التاريخ الإسلامي يوجد به العديد من صور الحاكم المستبد الذي ألتفت حوله بطانة السوء وعلى رأسها صور الحجاج بن يوسف الذي نكل بكل من يخالفه في الرأي حتى وصل جبروته إلى ضرب الكعبة بالمنجنيق إلا أن تلك الصور أصبحت أكثر شيوعا في العصر الحديث مع تراجع دور الدين وخوف الناس من الله وحرصهم على تحقيق مصالح دنياوية على حساب الآخرة حتى إن بعض الحكام بدأوا فترة حكمهم حريصين على مصالح الرعية مستمعين إلى نبض الشعب والرأي الآخر إلا أن نفاق بطانة السوء أدت إلى نهاية مأساوية لهؤلاء الحكام وهناك أمثلة عديدة لعل أبرزها حكم الملك فاروق والذي بدأ حكمه متقربا للرعية حريصا على مصالحهم حتى إنه كان يرتاد المساجد إلا أن بطانة السوء أحاطت به وعلى رأسهم الإيطالي بولى وأمه الملكة نزلى جعلته ينحرف عن مساره وأصبح بمرور الوقت بعيدا كل البعد عن الرعية ولم يدرك فداحة خطأه إلا بعد قيام الثورة وإقصاءه عن الحكم وقال كلمته الأخيرة لمحمد نجيب لقد كنت أنوي الإصلاح ولكن رجال الثورة سبقوني إلى هذا ورغم وطنية وثورية عبد الناصر التي لاشك فيها إلا أن المحيطين به ضللوه عن الحقيقة خاصة في فترة الوحدة بين مصر وسوريا والتي اتخذت فيها قرارات لم تكن تناسب الشعب السوري مما أدى ذلك إلى الإنفصال وكذلك الفترة التي سبقت حرب يوليو عام 1967 والتي أدت إلى تلك الهزيمة التي لا نزال ندفع ثمنها حتى الأن وتكرر الأمر في عهد السادات والذي ارتكب العديد من الأخطاء والتي كان أبرزها اعتقالات سبتمبر ومعاهدة كامب ديفيد والتي أدت في النهاية إلى اغتياله ، وعقب تولي الرئيس مبارك الحكم بدأ فترة حكمه قريبا من الناس وخاصة الطبقة الكادحة مستمعا للرأي الآخر إلا أن بطانة السوء التي ألتفت حوله من رجال الأعمال الذي قادهم رجال مبارك أدت إلى انحرافه عن مساره وكانت الإنتخابات الأخيرة لمجلس الشعب التي تم تزويرها والاي كانت المسمار الذي أطاح بحكمه . وعلى المستوى العربي فرغم أن صدام حسين كان من الحكام الذي كان لهم دور بارز في نهضة العراق والتصدي لاطماع إيران في المنطقة إلا أن بطانة السوء التي ألتفت حوله دفعته إلى غزو الكويت دون الأخذ في الاعتبار الظروف الدولية والإقليمية المحيطة به مما أدى ببلاده إلى تلك الكارثة التي لاتزال العراق والمنطقة العربية تعاني منها حتى الأن ، واليوم ونحن نتطلع إلى بناء مجتمع جديد خاصة في ظل المؤامرة التي تحيط بنا والتي تهدد كيان أمتنا فإننا نحتاج إلى الإستفادة من دروس الماضي وأن يحسن أي حاكم في إختيار بطانته من أهل الخبرة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والحرص على مصالح الأمة حتى يكونوا له عونا في إتخاذ القرارات الصحيحة التي تؤدي إلى تقدم الأمة، أما بطانة السوء من الافاقين والمستفيدين من السلطة فلن يكونوا له عونا لأن ارتباطهم به ليس حرصا منهم عليه أو على مصالح الأمة ولكن حرصا على مصالحهم الذاتية ولعل دروس الماضي هي خير شاهد على ذلك فالذين صفقوا وهتفوا لعبد الناصر عندما أتخذ الإشتراكية طريقا له هم أول من انقلبوا على الإشتراكية وأيدوا الرأسمالية وبيع القطاع العام بعد وفاته ، والذين هتفوا لمبارك أثناء حكمه هم أول من انقلبوا عليه بعد رحيله .. وصدق الله العظيم عندما قال في كتابه الكريم إنما لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق