بعد زيارة وفد القبائل الليبية للقاهرة
السيد/ فايز العريبي الإعلامي والمحلل السياسي الليبي في حوار خاص
– هناك إتفاق أمريكي روسي غير منظور لتوريط أردوغان في المستنقع الليبي .
– السيسي أدرك مؤخرا أن يكون رهانه على القبائل الليبية والنظرة المصرية تجاه ليبيا لا يجب أن تقتصر على سرت والجفرة .
تصاعد التوتر بصورة غير مسبوقة في ليبيا إثر التدخل التركي السافر في شئونها من خلال دعم حكومة الوفاق والميليشيات الإرهابية التابعة لها وهو التدخل الذي قلب الموازين الإستراتيجية لصالح تركيا وحلفائها منا دفع رئيس مجلس النواب الليبي والقبائل الليبية إلى طلب التدخل العسكري المصري وهو ما لاقى ترحيبا من القيادة السياسية المصرية الاي أعلنت منطقة سرت والجفرة خط أحمر لمصر ، وفي ظل تلك الأجواء المتوترة التي تنذر بأوخم العواقب أدلى السيد/ فايز العريبي الإعلامي الليبي والمحلل السياسي بحوار خاص تناول فيه وجهة نظره إيذاء تلك التطورات :
1- ما هي الأهداف الحقيقية للتدخل التركي في ليبيا ؟
لا شك أن ليبيا تعرضت لزلزال كبير في عام 2011 بفعل عدوان حلف الناتو ، ويعتبر هذا العدوان قد شرع الباب على مصراعيه لطموحات الأطماع الاقتصادية والهيمنة السياسية بعد إسقاط الدولة الوطنية وغياب السيادة الوطنية والقرار السيادي الوطني الذي كانت ترمز له الدولة الجماهيرية بقيادة معمر القذافي وما ترتب على هذا الغياب من تداعيات كبيرة وخطيرة وتحديات ومخاطر أثرت بالمجمل على نواحي الحياة في ليبيا . الأطماع التركية تأتي في هذا الإطار خاصة وأن ليبيا تتمتع بموقع جي استراتيجي مؤثر بالنسبة لضفتي المتوسط والساحل والصحراء وبلد يملك ثروات هائلة ، التدخل التركي يأتي في إطار المحاولات لانقاذ حكومة السراج التي يختفي وراءها تنظيم الإخوان المسلمون والجماعات الإرهابية والمليشيات التي تريد أن تحكم سيطرتها على ليبيا بكل إمكانياتها خاصة بعد أن فقد التنظيم الدولي مركزه في مصر بفعل ثورة 30 يونيو التي قلبت الطاولة على تحالف التنظيم الدولي والحزب الديمقراطي الأمريكي في عهد ثنائي أوباما وهيلاري كلينتون بحكم الصفقة الاستراتيجية بينهما لحكم المنطقة العربية بالوصول الى السلطة . هذا حرك تركيا في اتجاه محاولة دعم ادواتها الممثلة في حكومة السراج واذرعها المليشياوية التابعة للإخوان فرع ليبيا وتحالفها مع تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وداعش وغيرها من التيارات التكفيرية التي اتخذت من ليبيا وكرا لتجمع الإرهاب العالمي ، وهذا التحرك السياسي والعسكري التركي له أبعاده الاستراتيجية منه ما هو محاولة لا ستدعاء التاريخ ومنه ما هو ايدولوجي ومنه ما تآمري وظيفي لنظام اردوغان يتسق مع المشاريع الغربية ومنه ما هو أطماع في الثروات والأموال الليبية ومطئ قدم بهدف خلق منغصات على الحدود الغربية لمصر ووضع الجزائر في كماشة الإخوان في ليبيا وتونس تمهيدا لاستهدفات قادمة تشتغل عليها أجهزة المخابرات الدولية ومشاريعها في المنطقة العربية لتقسيم المقسم وتجزئة المجزاء في إطار نظرية الشرق الأوسط الكبير الذي يتسيد فيه الكيان الصهيوني بمشاركة تركية وايرانية على حساب الدول المحورية والمركزية للأمة العربية واهمها مصر العربية وكذا جعل الثروة الليبية مصدر لتمويل طموحات التنظيم الدولي للإخوان المسلمون في التوسع وإعادة الكره من جديد للعودة للمشهد السياسى في المناطق المفصلية ومنها مصر وتحويل ليبيا لمجرد بيت مال التنظيم الدولي للإخوان .
2- وهل تتوقع صداما مصريا تركيا خاصة إذا حاولت تركيا والميلشيات التابعة لها التقدم إلى سرت والجفرة ؟
حديث السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي كان واضحا وأعتقد أن يعني ما يقول تماما ولكن أيضا مصر ليست بمفردها فهناك الموقف الروسي والصيني والإقليمي الذي يتفق استراتيجيا مع تحذيرات الرئيس السيسي ، الذي استطاع بوعي أن يجعل الأمر في دعم القبائل الليبية وتدريب أبناء هذه القبائل ، ولكن أيضا ينبغي أن لا تكون سرت والجفرة هي الرؤية الاستراتيجية ، ولكن ينبغي أن تكون طرابلس ومصراته والوطية في الجبل الغربي هي امتداد الرؤية الجيو استراتيجية لان هناك من يصتاد في الماء العكر في محاولة أن يجعل من تحديد سرت والجفرة مؤشر على بداية تقسيم ليبيا ، والذي اعتقده تماما أن الرئيس السيسي هو بعيد جدا عن هذا المنحى بحكم وعيه الاستراتيجي ووعي خبراء صراع المجالات الحيوية لمفهوم الأمن القومي العربي الليبي والمصري ، فمصر لن ترضى بمحيط مقسم مثلما حدث في السودان وأيضا ليبيا قد يطال مشروع التقسيم مصر نفسها لا قدر الله . أيضا ينبغي أن تنتبه القيادة المصرية لفخ الكويت وصدام رغم اني أدرك أن العقلية الاستراتيجية في مصر تفهم وتعي ابعد من ذلك ولها القدرة الكبيرة على استيعاب حجم التربصات بمصر ، إذن الرئيس السيسي رمى الكرة في ملعب الشعب الليبي والقبائل الليبية وتعهد بدعم المقاومة الشعبية الاحتلال التركي ومشروع الإخوان الاردوغاني ، والتاريخ يحدثنا عن محطات تاريخية حول التفاعل النضالي والكفاحي بين ليبيا ومصر منذ مقاومة الشعب الليبي الاحتلال الايطالي كانت مصر قاعدة الدعم اللوجستي المجاهدين وأن ليبيا بقيادة القائد معمر القذافي كانت شريك في إعادة بناء القوات المسلحة المصرية عبر صفقة الميراج في عام 70 لصالح مصر التي مولها القائد معمر القذافي وما قامت به ليبيا من دعم عسكري لحرب أكتوبر المجيدة والجميع يعرف الإسهام الاستراتيجي الليبي على صعيد دعم المعدات العسكرية ، إذن التلاحم العربي الليبي المصري له اساسا تاريخية وليست وليدة اللحظة ، وما ينبغي أن يفهمه اردوغان أن مصر ستدافع عن ليبيا بكل الوسائل المتاحة لان مصر لن تسمح للإخوان ونظام اردوغان بالتمركز في ليبيا مهما كلف الأمر ، والوسائل عديدة وكثيرة .
3- تمثل القبائل الليبية عاملا مهما في الأزمة الليبية فهل تعتقد أن تلك القبائل تشكل عاملا مهما في دعم الجيش الوطني الليبي ؟
القبائل الليبية هي مفتاح الحل وهي من تستطيع اعلان التعبئة العامة عبر حشد طاقاتها البشرية لكن لابد من عامل مهم أيضا أن تكون هناك قيادة سياسية تحظى بالقبول من طرف القبائل الليبية وفي اعتقادي أن الدكتور سيف الاسلام معمر القذافي هو من تتوفر له اغلب الشروط اللازمة لقيادة دور قيادي في مستقبل ليبيا لاعتبارات كثيرة لكن أهمها على الإطلاق هو ما يحظى به من شعبية تكاد تكون عارمة ، أما على الصعيد العسكري أؤمن بأن المقاومة الشعبية الغير تقليدية هي عامل النصر الحاسم وهذه دروس التاريخ في فيتنام والجزائر وامريكا اللاتينية والعراق وفلسطين ، لان ونحن نتحدث بدافع وطني أن المؤسسة العسكرية التقليدية فشلت في تحرير طرابلس وخسرت مواقعها التي كانت على مد البصر من قلب طرابلس بل وخسرت اغلب المنطقة الغربية من غريان إلى صبراته وصرمان وزلطن والوطية ، لذلك الحرب الشعبية هي الدواء الذي يداوي عنجهية اردوغان ومن وراء اردوغان وخير العلاج الكي بنيران مقاومة الشعب الليبي .
4- بعد تراجع الجيش الوطني الليبي بفعل الدعم التركي لقوات الوفاق ، هل ترى أن المستشار عقيلة صالح هو الشخصية الأكثر قبولا في المرحلة القادمة كبديل للمشير حفتر والذي أثبت فشلا عسكريا حتى الآن ؟
عقيله صالح رجل طاعن في السن وشخصية مغمورة التاريخ السياسي ، ولا يملك مقومات القائد الشعبي لان صالح شخصية جدلية هو أيضا وهو جزء لا يتجزاء من المشهد السياسي الذي اغرق ليبيا في وحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية ويؤسفني أن أقول أن عقيله تتملكه الثقافة الجهوية التي تسمى ببرقة إذن ليست شخصية جامعة لكل الليبيين ويصعب عليه الاداء لدولة منهارة ومتأكلة تحتاج إلى اختزال الجهد والوقت لوقف انهياره وتصدعه والعمل ليل نهار لأجل توطيق حالة الانهيار أمنيا واقتصاديا واجتماعيا ، ليبيا تحتاج إلى قيادة لا تعرف النوم وقيادة فسيولوجيا تستطيع مقاومة كل الضغوط والتحديات على صعدة محليا وإقليميا ودوليا ، تحتاج إلى قدرة شابة معطاءة له حضورها السياسي والشعبي والدولي تتميز بعلاقات لها ارثها في الدولة والسياسة ، ربما عقيله يلعب دور الحكيم الاجتماعي لكنه بالمطلق لا يستطيع أن يكون القائد السياسي .
5- وهل ترى أن إعلان القاهرة يمكن أن يمثل حلا مقبولا للأزمة الليبية ؟
إعلان القاهرة في اعتقادي أن الهدف منه هو إقامة الحجة على اردوغان والقوى التابعة له في طرابلس ، وكما هو متوقع منذ اللحظة الأولى اودوغان والسراج والارهابي الإخواني خالد المشري رئيس المجلس الأعلى لاخوان ليبيا وليس الاعلى للدولة ، لكن المبادرة في اعتقادي قد فخخها عقيلة صالح بالزج بموضوع الأقاليم وتقاسم الثروة وكأن أزمة ليبيا التي تعاني منها قرابة العقد من الزمن قضية تقاسم ثروة ، القضية ابعد من ذلك المسألة تتعلق بوطن يتعرض للمجهول في سيادته وقراره ومصير وحدته الديموغرافية ، فعندما تهمين تركيا او امريكا او فرنسا أو ايطاليا أو بريطانيا على النفط والغاز فمن أين لعقيله الثروة حتى تتقاسمها الأقاليم أو الشعب الليبي ، فماذا وضعت هذه النقطة في مبادرة القاهرة وما هي الضرورة لها فهل يمكن لإقليم من أقاليم اي دولة يقول لا لابد من توزيع الثروة على حساب شخصية الدولة الجامعة ثم إن الشعب الليبي ليس شعب اثنيات أو امم مثل الكرد في العراق حتى يتقاسمون الثروة ، ليبيا دولة متداخلة اجتماعيا وقبليا وجغرافيا كلها تذوب في الشخصية الوطنية الليبية ، والحقيقة التي لابد أن تكون وهي أن ليبيا وطن محتل من قوى إرهابية وتكفيرية تختطف إرادتها الوطنية وتمارس القمع والإرهاب والقتل في حق المواطن الليبي ، فلابد أن تجتث هذه الجماعات العابرة للحدود التي لا تعترف بالهويات الوطنية وتلقي بالسمع والطاعة للمرشد والأمير على حساب الوطنية كهوية وانتماء ودولة ، ليبيا تعددت عليها المبادرات والمؤتمرات الدولية والإقليمية من الصخيرات إلى باريس الى جنيف إلى باليرمو إلى برلين إلى مبادرة غسان سلامة في المؤتمر الجامع في غدامس وعشرات بل والمئات من الجولات المكوكية الدولية في القضية الليبية دون جدوى خاصة وأن هناك طرف هو متمترس ضد مصر ومبادرتها ولكنها تظل مبادرة القاهرة هي لإقامة الحجة على الطرف المتعنت أمام الرأي العام والمجتمع الدولي .
6- وكيف تقيم الموقف الأوروبي من الأزمة خاصة الموقف الفرنسي ؟ وهل يمكن أن يشكل هذا الموقف عاملا ضاغطا على تركيا ؟
أرى أن الموقف الأوروبي تجاه تركيا المدعومة من الخلف بالتأييد الأمريكي موقف هش لن يدفع تركيا إلى التراجع بل شجع تركيا على تحدي الموقف الأوروبي خاصة فرنسا والتي تراجعت في عملية ايرلي وأعتقد أن هناك أسباب عدة لضعف الموقف الأوروبي وهي أن الأتحاد الأوروبي يعاني من انقسام من انسحاب بريطانيا منه فضلا عن وجود خلاف فرنسي إيطالي بسبب التنافس على تحقيق اطماعهما في ليبيا وهذا الخلاف ظهر في مؤتمر برلين حول تقسيم كعكة ليبيا على الأوروبيين وكأن التاريخ يعيد نفسه فلقد حدث خلاف مماثل بين الأوروبيين أثناء مؤتمر برلين عام 1885 حول أعالي الكونغو .
7- وبماذا تفسر الغموض في الموقف الروسي والأمريكي تجاه الازمة ؟
أعتقد أن هناك إتفاق أمريكي روسي غير منظور لتوريط أردوغان في الساحة الليبية لنقل المعركة من إدلب إلى ليبيا خاصة أن نظام الحكم يتجه إلى الأقوى داخليا وخارجيا فعلى المستوى الداخلي خسر حزب أردوغان ثلاثة من معاقله الرئيسية في إسطنبول وانقرة وازمير وهو مؤشر إلى أنه يتجه إلى هزيمة أخرى في الإنتخابات التشريعية والرئاسية وعلى المستوى الخارجي فإن الرئيس ترامب يسعى إلى تصفية الإرث الأوبامي القائم على سيطرة تنظيم الإخوان على المنطقة لأن التحدي الرئيسي الذي يواجه الولايات المتحدة هي الصين والتي تقود قوة الإقتصاد الأمريكي أما بالنسبة لروسيا فهناك أيضا توتر في العلاقات مع تركيا بعد قيام الجيش التركي بإسقاط طائرة روسية كل هذا يدفع القوتين العظمتين إلى محاولة تقويض نظام أردوغان من خلال توريطه في المستنقع الليبي .
8- وهل ترى أن ليبيا في طريقها إلى التقسيم ؟
مشروع تقسيم ليبيا والمنطقة مشروع ليس جديد موجود في برنارد لويس حول تقسيم المقسم ، كما أن رايس طرحت منذ سنوات نظرية الفوضى الخلاقة وهي فوضى مدمرة لخدمة أهداف الصهيونية العالمية وأعتقد أنه إذا حدث وقسمت ليبيا فإن ذلك سوف يكون له تداعيات خطيرة على دول الجوار كمصر والجزائر والتي قد تجد نفسها عاجزة عن مواجهة هذا الخطر وبالتالي فإن الدولتان سوف تقومان هذا الخطر كما أن الروح الوطنية للشعب الليبي سوف تقاوم هذه الفكرة ولن تسمح بمرورها .
9- وما تقييمك لقرار الجيش الوطني الليبي والبرلمان بوقف تصدير النفط؟ وهل يمكن أن يكون ذلك عامل ضغط على تركيا ؟
ليبيا لا يوجد بها مؤسسات بالمعنى الحقيقي منذ عدوان حلف الناتو والذي أسقط الدولة الوطنية بقيادة القذافي والمؤسسات الموجودة حاليا مؤسسات وهمية تفتقر إلى القوانين والاخلاقيات وهي جزء من مشهد الفوضى التي تشهدها ليبيا فضلا على أن إتفاق الصخيرات الذي إنتهت صلاحيته أوصلت ليبيا إلى هذا الوضع لأنه تم بين متأمرين وخونة وجواسيس وقوى أعانت الناتو على إغراق ليبيا في هذا المستنقع وكل القوى المتصارعة حاليا لها ارتباطاتها الإقليمية والدولية وهذا يفسر إقدام حكومة السراج على توقيع إتفاق مع أوردغان حول النفط والغاز الليبي في شرق المتوسط وهو إتفاق غير شرعي ويمثل إهدار لثروة الشعب الليبي .
10- في النهاية هل ترى أن مصر أخطأت بالرهان على حفتر في تلك الأزمة وأن المرحلة القادمة تتطلب فتح حوار أوسع مع كافة الأطراف ؟
اعتقدت ان القيادة السياسية في مصر أدركت مؤخرا أن الرهان يجب أن يكون على القبائل الليبية لهذا فلقد أعلن الرئيس السيسي دعمه للقبائل واستعداده لتدريب شباب القبائل على حمل السلاح لمواجهة الغزو التركي وهذا يعد تحول في مسار السياسة المصرية تجاه تعاملها مع الأطراف الليبية وهي محقة في ذلك لأنها لن تسمح بوجود موضع قدم للإخوان على حدودها الغربية لأن ذلك يشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري .
حاوره/ مصطفى عمارة
إرسال التعليق