التطبيع الإماراتي الإسرائيلي والانطباع العربي
لم يكن الإعلام الرسمي عن إتفاق لتطبيع العلاقات بين الإمارات العربية وإسرائيل محض مصادفة بل سبقه زيارات لمسئولين إسرائيليين لدول خليجية كالبحرين وعمان كما اجتمع مسئولين خليجيين مع إسرائيليين في دول أوروبية وشارك أكاديمين خليجيين في ورشة العمل التي أقيمت مؤخرا في البحرين لبحث تطبيع العلاقات إلا أن خطوة الإمارات تحولت من السر إلى العلن في إطار ترتيبات تجري برعاية أمريكية لترتيب أوضاع المنطقة بما يضمن إدماج إسرائيل ضمن المنظومة العربية لإقامة شرق أوسط جديد ، ولاشك أن إقدام دول خليجية على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بالمخالفة للمبادرة العربية للسلام والتي تنص على ربط التطبيع بانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المتحدة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة هو نتاج طبيعي للخطوة التي بدأتها مصر في كامب ديفيد والاي أخرجت مصر من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي ولولا إقدام مصر على تلك الخطوة لما تجرأت أي دولة عربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل ولكن مصر تنازلت طواعية في إتفاق كامب ديفيد عن دورها الريادي وهو ما أحدث فراغ في المنطقة لا تزال تعاني منها حتى الأن وسوف تظل تعاني منها لعقود طويلة حتى تعود مصر لمكانتها الطبيعية في قيادة الأمة العربية لأنها بحكم التاريخ والحضارة والسكان والقوة العسكرية هي الدولة الوحيدة المؤهلة لقيادة المنطقة العربية ، ومن هذا المنطلق فلقد أرادت إسرائيل من خلال كامب ديفيد إخراج مصر من قيادة المنطقة العربية والاستفراد بكل دولة على حدة فبعد كامب ديفيد ضربت لبنان وتم غزو العراق وتفتت المنطقة العربية بفعل ثورات الربيع العربي والاي أعدت لها الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني وكشفت عنها كونداليزا رايس في كتابها حول الفوضى الخلاقة وكان لابد لتنفيذ ذلك المخطط إزاحة الزعماء ذو النزعة القومية والتي كانت بدايتها رحيل الزعيم الراحل عبد الناصر وسط أنباء عن أن التخلص منه تم بواسطة السم الذي وضعه السادات في فنجان القهوة أثناء آخر مؤتمر حضره الزعيم لحقن الدماء الفلسطينية في مؤتمر القاهرة وجاء السادات للرئاسة وسط أنباء عن أن الولايات المتحدة جندته للعمل معها وهو ما أكده حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية في حديث أجريته معه قبل وفاته وهو ما أكدته العديد من الوقائع ، ففي أثناء حرب أكتوبر أبلغ السادات كيسنجر أن مصر لن تتجاوز خط بارليف وهو ما ساعد إسرائيل على تركيز جهودها على الجبهة السورية فضلا عن الخلاف بينه وبين رئيس الأركان سعد الشاذلي حول التعامل مع الثغرة وهو ما أدى إلى إجهاض نتائج حرب أكتوبر والتي كانت تمهيدا لكامب ديفيد والتي تم الإعداد لها من خلال الإتصالات السرية التي أجراها السادات مع قادة إسرائيليين وعلى رأسهم موسى ديان في المغرب وعلى الرغم من النتائج الباهرة الاي حققها الجيش المصري أثناء حرب أكتوبر والتضامن العربي مع مصر إلا أن السادات أقدم على كامب ديفيد رغم اعتراض مساعديه واستقالة وزيري الخارجية إسماعيل فهمي ومحمد ابراهيم كامل حيث حصلت مصر على سيناء منزوع معظم أراضيها من السلاح وهو ما سبب مشاكل كثيرة لمصر لا نزال نعاني منها حتى الأن مقابل إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل وتنسيق أمني . وكما تخلصت الولايات المتحدة وإسرائيل من عبد الناصر تخلصت أيضا من صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا في إطار مخططها لتنصيب حكام ينقذون مخطط التطبيع مع الكيان الصهيوني وقد عبر المفكر الكبير د/ مصطفى الفقي في أحد برامجه عن تلك الحقيقة عندما قال أن المنطقة العربية وعلى رأسها مصر لن يحكمها إلا حاكم ارضى عنه الولايات المتحدة وإسرائيل ، وفي ظل إدراك الحكام العرب لتلك الحقيقة فلقد سعى هؤلاء الحكام الى استرضاء الولايات المتحدة وإسرائيل لاعتقادهم أن ذلك سوف يحفظ عروشهم لأن انظمتهم غير شرعية لأنهم جاءوا بانقلابات عسكرية وليس بإرادة الشعب وبالتالى فإنهم يعتمدون على الولايات المتحدة للبقاء في عروشهم وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا بعلاقات طيبة مع إسرائيل ، وللأسف فإن حسابات هؤلاء الحكام إن كانت صحيحة على المستوى القريب ولكنها ليست صحيحة على المستوى البعيد لأن الولايات المتحدة تتخلى بسهولة عن عملائها إذا اقتضت مصالحها ذلك ولعل أبلغ دليل على ذلك شاه إيران والذي كان العميل الأول للولايات المتحدة في المنطقة إلا أنها تخلت عنه لتحقيق مصالحها كما أن الولايات المتحدة تسعى للتخلص من عملائها بمجرد أن يحققوا المهمة التي كلفوا بها فمن المعروف أن المخابرات الأمريكية تخلصت من السادات بعد كامب ديفيد رغم أنه كان عميل لها بعد أن أنجز المهمة المكلف بها وكنوع من تغيير الوجوه لامتصاص غضب الشعوب لعدم قيام بثورة تأتي بنظام يجهض مخططاتها في المنطقة كما دعمت الولايات المتحدة نظام صدام حسين أثناء الحرب العراقية الإيرانية ثم تخلصت منه بعد ذلك .
لذا فأنه على الأنظمة العربية مراجعة حساباتها وعليها أن تدرك أن الرهان الحقيقي لاستمرارها هو الرهان على شعوبها من خلال العدالة والأمن فهذا هو الضمان الحقيقي لامن أي حاكم ولتكن لنا عبرة في الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما رآه رسولنا الكريم نائما تحت شجرة دون أي حراسة فقال كلمته الشهيرة حكمتت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق