التطبيع العربي وحلم إسرائيل من النيل إلى الفرات
عندما وضع المؤتمر الصهيوني منذ قرابة قرن من الزمان خريطة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات فلقد وضع آليات لتحقيق هذا الحلم سواء بالحرب أو الهيمنة الاقتصادية والسياسية والفكرية وحتى تحقق إسرائيل هذا الحلم كان عليها أن تحيد مصر وتخرجها من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي باعتبارها أكبر الدول العربية المهيأة لقيادة العالم العربي للتصدي للمشروع الإسرائيلي وتحقق لها ما أرادت من خلال إتفاقية كامب ديفيد والتي أخرجت مصر من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي مقابل أراضي منزوعة السلاح في سيناء كانت ولا تزال تشكل تهديدا للأمن القومي المصري من خلال جماعات إرهابية تمولها إسرائيل وتخطك لها لانهاك الجيش المصري حتى يصبح جاهز عن مواجهة إسرائيل في أي حرب قادمة ، وبعد أن حققت هدفها الرئيسي بدأت المرحلة الثانية بضرب القوى الرئيسية في العالم العربي وعلى راسها العراق وسوريا ولم يقتصر الأمر على ذلك بل نجحت في تفكيك الدول العربية من خلال سياسة الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها وزير الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في كتابها ، وبعد أن نجحت إسرائيل في المرحلة الأولى من خطتها بضرب الدول العربية الرئيسية المناوئة لها وتفكيك الدول العربية الأخرى بدأت المرحلة الثانية الأشد خطورة بالسعي إلى الهيمنة الإقتصادية والسياسية والفكرية على المنطقة بحيث تصبح إسرائيل هي الدولة القائدة والتي تشكل مركز التقدم والتكنولوجيا في المنطقة وتعمل دول المنطقة لخدمة مشروعها بحيث تحصل من دول الخليج على النفط ومن مصر على المياه والقوى العاملة وللأسف فلقد سارعت دول خليجية وغير خليجية إلى تنفيذ المشروع الإسرائيلي حيث أعلنت كلا من الإمارات والبحرين رسميا عقد إتفاقيات تطبيع مع إسرائيل على أن تلحقها دول أخرى ضاربة بالمبادرة العربية للسلام عرض الحائط والتي تنص على أنه لا تطبيع إلا بعد انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس ، وللأسف فإن الجامعة العربية والتي رعت تلك المبادرة كانت أول من ضرب بها عرض الحائط وإن كان هذا ليس بالغريب على مواقف الجامعة العربية في السنوات الأخيرة والتي استعانت بحلف الناتو لضرب دولة عربية شقيقة وهي ليبيا وهو الأمر الذي تدفع الدول العربية وعلى رأسها مصر ثمنها الأن ، ومن المؤسف أكثر أن تسارع دولة كمصر من المفترض أن تقود العالم العربي إلى تأييد ما فعلته الإمارات والبحرين رغم أن ذلك سوف يشكل كارثة على أمن مصر القومى بعد أن نجحت إسرائيل من ازاحتها عن مكانها الطبيعي في قيادة المنطقة العربية لتستولي على ثرواتها وتضرب أمن مصر القومى في مقتل وإن كان هذا أيضا ليس بالغريب على مصر والتي تراجع دورها في السنوات الأخيرة حتى أصبحت عاجزة عن حماية أمنها المائي في مواجهة دولة كأثيوبيا لا تتعدى مساحتها إحدى محافظات مصر ، وبعد أن حققت إسرائيل أهدافها الرئيسية في المنطقة أصبح الفلسطينيين في موقف لا يحسدون عليه بعد أن خانهم اشقائهم ولاشك ان هذا الموقف الذي يهدد القضية الفلسطينية بأفدح الأخطار فإن الأمر يتطلب وحدة الشعب الفلسطيني وكافة الفصائل الفلسطينية تحت قيادة واحدة ووفق استراتيجية يتفق عليها الجميع لمواجهة الإحتلال وإجباره على الانصياع لإرادة الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة دولته وبدون ذلك فإن القضية الفلسطينية سوف تدخل طي النسيان وكم استطاعت إسرائيل إقامة دولتها على أراضي عام 48 فإن الضفة الغربية سوف تواجه نفس المصير . فهل يفيق الفلسطينيين من غفوتهم قبل فوات الأوان ؟ وعندئذ فإن الشعب الفلسطيني سيحاسب الخونة قبل أن يحاسب الأعداء .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق