ماذا تكسب إسرائيل من الاتفاق مع الإمارات؟
ماذا تكسب إسرائيل من الاتفاق مع الإمارات؟
جمال زحالقة
حاول الكثيرون، حتى من معارضي الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، أن يفسّروا مباشرة، ويبرّروا بشكل غير مباشر، هذا الاتفاق بالقول، إنّ الدول تبحث عن مصالحها وتعمل وفقها، ولا توجد دولة أو قوة تفعل عكس ذلك. وعلى هذا المنوال جرى التعامل مجدّدًا مع الاتفاقيّات الإسرائيلية، مع كل من مصر والأردن، وقيل إن كل دولة شخّصت مصلحتها العليا، واتخذت قرارها على هذا الأساس، وإنّ الإمارات والبحرين عملتا كذلك.
إن المقاربة الأنسب للتقييم، اتفاقيات العرب مع إسرائيل، القديمة والجديدة، هي التمييز بين الشعب والدولة والنظام، فهذه ثلاثة كيانات مختلفة، وفي الحالة العربية يكاد لا يوجد تطابق في مصالحها. ففي الغالب تعمل الأنظمة العربية ضد شعوبها، وحتى ضد مصالح دولها، في سبيل ضمان البقاء والاستمرار للأنظمة، وأحيانًا تبعا للانتفاخ والتضخم في لعب دور أكبر بكثير من حجمها، وكما قال الشاعر الأندلسي عن ملوك الطوائف «كالهرّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد».
ليست الإمارات، شعبًا ودولةً بحاجة إلى التطبيع مع إسرائيل، سرًّا أو علنًا، ولا مصلحة مصيرية حتى للنظام في ذلك، ولو أردنا أن نضع الاتفاق في مكانه الصحيح، فهو يندرج ضمن مفاعيل تضخيم الذات والمغامرات العسكرية والسياسية غير المحسوبة، النابعة من جنون العظمة، التي خاضتها الإمارات وفشلت فيها كلّها من اليمن وليبيا والصومال، حتى حصار قطر، والرهان فلسطينيًا على دحلان، وصولًا وسقوطًا في مهاوي اتفاق التطبيع والتتبيع. قد تحصل الإمارات على بعض الفتات من الاتفاق مع إسرائيل، ولكنّ تنازلاتها وخساراتها لن تكون أقلّ. أمّا إسرائيل فسوف تحقّق مكاسب مهمّة ومن الوزن الثقيل، وهي تحصل عليها مجّانًا، بدون أن تقدّم تنازلات تذكر. ليست قيمة هذا الاتفاق بوزن المعاهدة مع مصر، التي تعتبر حتّى اليوم أهم حدث اقتصادي وأمني في تاريخ الدولة العبرية، حيث جرى تقليص حجم القوات وانخفض الصرف العسكري من 30% من الناتج الإجمالي المحلي، إلى أقل من 10% منه (6% اليوم). وهو ليس بوزن اتفاق أوسلو، الذي أراح إسرائيل من الإدارة المباشرة في المناطق التي احتلتها عام 1967، وفتح أمامها إمكانيات اقتصادية هائلة، دفعت الاقتصاد الإسرائيلي باتجاه المستوى الأوروبي. وهو أقل وزنًا من اتفاق وادي عربة مع الأردن، الذي جرى من خلاله ترتيب العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين البلدين وعلى طول الحدود الطويلة بينهما. يمكن تلخيص تقييم النخبة الإسرائيلية للاتفاق مع الإمارات، بأنّه من الوزن المتوسّط ويمنح إسرائيل مكاسب مهمّة، بعضها غير مسبوقة. وإذ بدأ يتكشّف كم وحجم التعاون السرّي بين البلدين، هناك إجماع إسرائيلي على أن الاتفاق المعلن هو «نقلة نوعية» على كل المستويات. وقد بدأت إسرائيل في العمل على استغلال واستثمار الاتفاق، خدمة لسياساتها وتحقيقًا لمطامعها، وهي تريد أن يشكّل «القفزة الثالثة» للاقتصاد والأمن، كما كان بعد كامب ديفيد وأوسلو، وتسعى للاستفادة منه حتى آخر قطرة وتحميله المزيد ليصل إلى «الوزن الثقيل».
وماذا تريد إسرائيل من الاتفاق وماذا تكسب منه؟
هي أولًا ترى فيه مكسبًا استراتيجيًّا مهمًّا يضع إسرائيل في قيادة حلف عسكري ـ أمني ـ سياسي ـ اقتصادي، تشارك فيه دول عربية، تساهم الإمارات والولايات المتحدة (والسعودية خلف الستار حاليًّا) في زيادة عددها، وتعميق مشاركتها في هذ الحلف، تبعًا لما جاء في صفقة القرن حول إقامة «منظمة أمن وتعاون في الشرق الأوسط» تشارك فيها قوى «الاعتدال» في المنطقة، في مواجهة إيران ومن تسمّيهم قوى راديكالية، تهدّد الأمن والاستقرار. وهكذا تريد إسرائيل أن يكون لها معسكر في المنطقة مدعوم أمريكيًا ضد إيران حاليًا، وفي مواجهة تركيا لاحقًا. لم تعد إسرائيل تكتفي بتطبيع العلاقات مع الدول العربية، بل تطمع إلى التحالف معها خدمة لمصالحها الاستراتيجية. وتخطط أيضًا للاستفادة من التعاون مع الإمارات للضغط على القيادة الفلسطينية في رام الله، عبر التلويح بمحمد دحلان، لضمان «حسن» سلوكها. وهي تخطّط لاستثماره في الخطوة المقبلة، وهي تفعيل حركة ضغط عربية وأمريكية وإسرائيلية، لنزع غزّة من الأسلحة، بالتزامن مع عدوان عسكري إسرائيلي أو حتى بدونه.
وثانيًا تعتقد إسرائيل أنها تحقّق مكسبًا عسكريًّا كبيرًا بالتحالف مع دولة قريبة من إيران، وتقع على شواطئ الخليج. وفي حين تشن إسرائيل غارات عسكرية ضد التواجد الإيراني في سوريا، فهي تزيد الضغط على إيران وتهدّدها «سنقترب من حدودكم، إذا اقتربتم من حدودنا». وإذ تستفيد إسرائيل من القدرة على تمكين سلاحها البحري من التواجد في مياه الخليج، بالاستناد إلى الحاضنة الإماراتية، فقد يصل بها الأمر الى إدخال غواصات استراتيجية قادرة على حمل الأسلحة النووية لتهديد إيران بها كورقة ضغط جنونية. أمّا بالنسبة إلى صفقة الأسلحة المتطوّرة وبضمنها طائرات «أف-35» فإنّها لا تثير قلقًا حقيقيًّا لدى إسرائيل، بل إن خبراء عسكريين يعتقدون أن هذا الأمر إيجابي على اعتبار أنّ «الجيش الإسرائيلي متطور وحديث، ومن مصلحته أن يكون له حليف يملك سلاحًا متطوّرًا». كما أن إسرائيل، وكعادتها، تقوم بتضخيم الصفقة الإماراتية للحصول على المزيد من الدعم العسكري الأمريكي، وقد سافر الجنرال احتياط بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي، إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع لهذا الغرض تحديدًا.
[١١:٢٣ م، ٢٠٢٠/٩/٢٣] +972 54-665-6606: وتسعى إسرائيل ثالثًا إلى مكسب أمني من خلال التعاون المخابراتي ونصب أجهزة تجسس إسرائيلية في الخليج، واتخاذ الإمارات وغيرها مناطق للقيام بعمليات تخريب في إيران. وهذا بالتأكيد سيعرّض أمن الامارات وسكّانها لخطر الرد الإيراني. وإذ تروّج إسرائيل والكثير من العرب، أن لدى المخابرات الإسرائيلية قدرات خارقة ومهارات عالية، فإنّ الخدمات والمعدّات الأمنية الإسرائيلية، معروضة للبيع في السوق الخليجي، وهناك من يشتريها. الاستفادة الإسرائيلية في هذه الحال مضاعفة، فمن جهة ربح اقتصادي، وتدريب ملاكات، وتجربة أساليب وأجهزة، ومن جهة أخرى تحصل إسرائيل على كثير من المعلومات بتمويل خليجي، وهي تعرف كيف تتجسس على أجهزة التجسس الإلكترونية التي تبيعها.
ورابعًا، حصلت إسرائيل على مكسب سياسي كبير يساعدها في تعزيز مكانتها الدولية، وحمايتها من الضغوط، وعلى سلاح في محاربة حركة المقاطعة. لقد انضم بعض العرب إلى إسرائيل في الادعاء بأنّ المشكلة التي تمنع حل الصراع هي «العناد» الفلسطيني، وليس مشاريع الاحتلال والحصار والاستيطان الإسرائيلية. ويمنح الاتفاق الرواية الإسرائيلية دفعة قويّة على حساب الحق الفلسطيني، ويضعها في موضع الهجوم بعد أن كانت في حالة دفاع لعقود طويلة. لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنه في موضوع الصراع على الرواية تحديدًا، يملك الفلسطينيون قدرة على الانتصار بلا تكلفة، فقط إذا توفّرت الإرادة على القرار وعلى العمل.
خامس مكاسب إسرائيل هو المكسب الاقتصادي الضخم بكل المقاييس، وهو يأتي خامسًا لغلبة الاستراتيجي والعسكري والأمني والسياسي، بالمفهوم الإسرائيلي. وإذ وصل حجم التبادل التجاري السري إلى حوالي مليار دولار سنويًا، يتوقّع الخبراء أن يصل إلى عشرات مليارات الدولارات خلال أعوام قليلة. وتتوقّع إسرائيل، التي تمر هذه الأيام بأزمة اقتصادية خانقة بسبب كورونا، أن يساعدها التعاون الاقتصادي مع الإمارات في الخروج من الأزمة، وفي تطوير الاقتصاد الإسرائيلي، عبر استثمارات إماراتية في مشاريع اقتصادية إسرائيلية، وعبر تعاون في مجالات الزراعة والصناعة، والصحة والبيئة، والتجارة العالمية والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي وغيرها. تحاول إسرائيل استثمار الاتفاق باتجاهات كثيرة، وقد نشر نائب رئيس الغرفة التجارية الهندية الإسرائيلية، دافيد كينان، المقيم في الهند مقالًا (صحيفة «غلوبوس» 9.9.2020) جاء فيه «حجم التبادل التجاري بين الإمارات والهند يصل إلى 60 مليار دولار.. ويمكن لإسرائيل ان تستفيد منها، وتدخل كطرف فيها، خاصة في مجالات الزراعة والمياه والتكنولوجيا.. هذا الاتفاق هو مفتاح لقفزة كبيرة في العلاقات التجارية الإسرائيلية الهندية».
أمّا المكسب السادس، وعلى الصعيد المعنوي، فهو الحصول على اعتراف عربي رسمي آخر بشرعية الوجود، وهذا هاجس رافق المشروع الصهيوني منذ بدايته، حيث الاعتقاد بأنّ الدولة العبرية لن تحظى بالأمن والاستقرار، ولن يزول الخطر الوجودي عليها، إلّا بعد الفوز باعتراف بشرعيتها وبتطبيع العلاقة معها من العالم العربي. وهنا تسجّل إسرائيل نقاط مهمة لصالحها على هذا الصعيد أيضًا.
المكسب السابع هو المزيد من الانفتاح على المنطقة، وفتح مجالات جوية أمام الطيران لإسرائيل ومنها، وسيؤدّي ذلك إلى فتح خطوط مباشرة وبتكلفة أقل إلى الشرق الأقصى، الذي يؤمّه مئات الآلاف من الإسرائيليين سنويًا. في المقابل بدأ التخطيط لفتح خطوط سكّة حديد وخطوط ملاحة بحرية وحرية حركة للإسرائيليين في المنطقة. وإسرائيل في المقابل لا تقبل أن يأتي إليها عرب لأي سبب كان، إلا إذا جاؤوها حاملين كميات كبيرة من الأموال للصرف والاستثمار. إذ يكاد يكون من المستحيل أن يحصل مواطن أردني على تأشيرة دخول لإسرائيل.
المكسب الثامن هو صورة الانتصار، وإسرائيل مغرمة بها ليس أقل من الانتصار ذاته، وتريد صورة انتصار على العرب بالحرب أو بالسلم. هي خاضت حروبا كثيرة وحققت انتصارات عسكرية عديدة، ولكن صورة الانتصار لا تكتمل إلّا بأن يرفع العرب الراية البيضاء ويستسلموا، والاتفاق مع الإمارات في الوعي وفي اللا وعي الإسرائيلي هو وثيقة استسلام للشروط والإملاءات الإسرائيلية، وهذا هو المعنى الحقيقي لما يردده نتنياهو في كل مناسبة بأن «إسرائيل تصنع السلام من منطلق القوّة» أو «لأننا أقوياء نحقق السلام» وهذه لغة مخففة للرسالة الحقيقية: «أيها العرب، نحن الأقوياء وقد هزمناكم وعليكم ان تستسلموا».
ويخص المكسب التاسع نتنياهو شخصيًّا، الذي حصل على هدية كبيرة عشية بدء محاكمته، قد تساعده في تجنّب السقوط المدوي بسبب الأزمة الصحية والاقتصادية، التي تمرّ بها إسرائيل. وتمنحه المجد بأنّه جاء باتفاق سلام بعد بيغن ورابين.
أما المكسب العاشر فهو نصر لليمين، الذي نادى طيلة الوقت باعتماد مبدأ «سلام مقابل السلام» مقابل اليسار الصهيوني، الذي اعتمد صيغة خاصة لمبدأ «الأرض مقابل السلام». هناك بالطبع مكاسب أخرى كثيرة تراكمها إسرائيل، عبر هذا الاتفاق وما سيليه. ولكن ما هي مكاسب الإمارات دولةّ وشعبًا. لقد نقّبت طويلًا ولم أجد لها أثرا، وستثبت الأيّام أن دور الاتفاق مع إسرائيل في مواجهة إيران سيأتي بنتائج عكسية على الإمارات.
رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48
إرسال التعليق