السلام في متناول اليد – هناك في رام الله.

السلام في متناول اليد – هناك في رام الله.

السلام في متناول اليد – هناك في رام الله.

د. محمود خليفة
سفير دولة فلسطين لدى بولندا
كاتب وإعلامي

الصقيع الذي يلف العلاقات العربية الإسرائيلية ليس وليد لحظة، عمره 72 عاما. وسبقه ثلاثة عقود من الإرهاب المنظم شنته المنظمات الصهيونية التي دربها جيش الانتداب البريطاني وجهزها بالعتاد والمعدات والرجال.

ولا شك أن تلك العلاقات لن تتحسن بفضل هبوب رياح ساخنة مفاجئة، بفعل اتفاقات جانبية لدولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل. على الرغم من أن هذا الحدث ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، ولا يجب أن يمُر مرور الكرام.
التعامل الإنساني وجرائم التطهير والتمييز العرقي

لقد وضعت “إسرائيل “دولة الاحتلال التي قامت على التطهير العرقي والكراهية والعنصرية عام 1948، ولا تزال تضع العديد من الحواجز في علاقتها مع محيطها، 90% من المستعمرين الأوائل الذين قدموا الى وطني فلسطين من أوروبا، التي ذاقت ويلات الحرب العالمية الثانية “التي اندلعت في مثل هذه الأيام قبل 81 عاماً” . أسسوا منظمات إرهابية (الهاجاناه، ليحي، ارغون، شتيرن.. الخ)، قتلوا من شعبي مئات الآلاف، واستذكر بهذه المناسبة أيضاً هجوم العصابة الإرهابية “ليحي” على القنصل العام السابق لجمهورية بولندا فيتولد هولانيتسكي والصحفي البولندي ستيفان أرنولد، في الشيخ بدر بالقرب من القدس في 26 فبراير 1948.  من القرن الماضي،

“إسرائيل” التي تعتقل جثامين العديد من ابناء الشعب الفلسطيني حتى لحظة كتابة ونشر هذه السطور، وهذه خطوة لم تفعلها أشد الأنظمة السياسية دكتاتورية في القرن العشرين.

حتى أربعينيات القرن الماضي هرب يهود اوروبا الى وطني فلسطين، وعند شعبي الفلسطيني وجدوا الحضن الدافئ، وما لبثوا ان بدأوا بزراعة بذور الحقد والكراهية، وحصلت تنظيماتهم الإرهابية على الدعم العسكري الواضح من “دولة الانتداب” بريطانيا العظمى، التي عملت وفق سياسة “فرق تسد”، وأخلَّت بوظيفتها كسلطة انتداب مكلفة من عصبة الأمم لتهيئة الشعب الفلسطيني وبناء مؤسساته. والتزمت الصمت عندما وفرت الظروف لالتحاق ثلاثة آلاف من جنودها “اليهود” بالتنظيمات الإرهابية الصهيونية بكامل عتادهم العسكري.

أيا يكن، الآن، وبعد أكثر من 70 عاماً على النكبة التي حلت بشعبنا الفلسطيني، السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: هل من الممكن تحقيق السلام؟  بالتأكيد، هذا ممكن، والطريق الذي يوصلنا لهذا الهدف واضح وضوح الشمس في منتصف النهار. وهو حل الدولتين على حدود 4 حزيران 1967.
رمال متحركة
قد يحلق السياسيون  من تل أبيب إلى أبو ظبي، وقد يمرر نتنياهو  كذبه وادعاءاته عن الرغبة في تحقيق السلام، متسلحاً  بآخر ما تبقى من نزاهة البيت الأبيض،  غير انه لن  يشيع الدفء الذي يتحدث عنه في  الشرق ألأوسط  بقدر ما سيقدم  براهين أخرى على ان هذا الكيان  الإسرائيلي الذي اقيم على الأساطير والأيديولوجيا، لن يكون شريكاً في صناعة الامن والاستقرار، بل على العكس من ذلك هو يتجه نحو تحقيق أولى وظائفه الاستعمارية،  عقب “الخريف العربي” ، لإحداث مزيد من التصديع في البنيان العربي،  وهذه حقيقة  اسقطت معها الكثير  من الأقنعة،  والآن بات الأمر أكثر وضوحاً فيما يتعلق بما تريده إسرائيل حقيقة،  أن  تكون جزءاً من المنطقة أم نقطة ارتكاز استعمارية في المنطقة؟.

ما نراه بوضوح أن العالم يعيش حالة مخاض لوضع جديد، يسبق انفجار حرب كونية جديدة، بأدوات ووسائل مختلفة عن سابقاتها، سيؤدي بالتأكيد الى إعادة تقسيم العالم!!

العقبة ليست في خطوة “اتفاق ابراهام” وإنما في الرؤية نفسها، فإدارة ترامب تريد الفوز في الانتخابات القادمة بأي ثمن على حساب الشعب الفلسطيني والاماراتي  وعلى حساب  الإسرائيليين ايضاً،  نتنياهو وتحالفه الحكومي يريد ابرام كل شيء  الا السلام المبني على الاستقرار، يريدون استمرار الاحتلال المغلف بالسلام، اسرائيل المسكونة بعقلية الاحتلال ولم تغادرها، “إسرائيل” نتنياهو الهارب من محاكم الفساد ليمتطي الحصان الاماراتي نحو العمق العربي، نتنياهو الذي قال  بعد هبوط طائرة العال في أبو ظبي (نحن “ويقصد إسرائيل” نُعَزز قوتنا)،  أما دولة الامارات فهي الخاسر الأكبر بين كل اطراف “اتفاق ابراهام” فلم تحصل على اي مكسب، وخسرت الكثير من اوراقها، اللهم سوى السلامة من بطش ترامب لما تبقى له من إقامة في البيت الأبيض وربما للسنوات القادمة فيما لو اعيد انتخابه؟، والامارات بذلك خسرت  الكثير، وارتدادات هذا الاتفاق بدأت تظهر شيئاً فشيئاً،

أطراف “أبراهام” انظمة ورؤى سياسية خاطئة كانت الشعوب والحقوق آخر حساباتها، ولم يكن السلام واحداً منها، بل واحداً من ضحاياها.

فالسلام الذي يريده نتنياهو وترامب، وفق تلك الخطة “خطة ترامب” التي رفضها الفلسطينيون، هي في الواقع نسخة طبق الأصل من خطة “ايغال ألون” التي طرحا بعد ستة أسابيع من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وسيناء عام 1967، سلام قائم على الاستسلام وطغيان استعماري، وهذه أمراض من يعتقدون بتفوقهم العسكري الأبدي.

السلام الذي نتطلع له وتتطلع له شعوب المنطقة، هو ما يحقق الامن والاستقرار والازدهار للمنطقة، وهو ذلك الحل المبني على أساس حل الدولتين على حدود حزيران / يونيو 1967.

قد يعتقد بعض الإسرائيليين وبعض الغرب ان الجدار العربي بدأ يتصدع، ومن المهم ان يعلموا جيداً أن فلسطين، والقدس، والقضية الفلسطينية ليست قضية خلافية حتى بالنسبة للشعب الامارات الشقيق الذي ذهبت حكومته نحو التطبيع المجاني؛ فلسطين والقدس، هي قضية كل عربي مسيحي ومسلم، ودون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه السياسية الوطنية، ما يعني إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود عام 1967 والقدس عاصمتها، ستبقى رمال المنطقة متحركة، وشمسها أكثر برودة من جليد القطب الشمالي.  عبر التاريخ مرت حضارات كثيرة عبر فلسطين واختفت، وبقيت فلسطين وشعبها.

مشهد رخيص
هل يعرف أحد في العالم باستثناء أصحاب الفكر الصهيوني حدود إسرائيل؟  الحل لا يكمن في وضع العربة أمام الحصان، ومن يفعل ذلك لا يريد رؤية الواقع، بل فرض الحقائق، ومن يسعى لفرض الوقائع لا يبحث عن السلام. نعلم أن هناك اتصالات بين إسرائيل وبعض السياسيين من بعض الدول العربية الأخرى (مثل السودان الذين التقوا بممثلي إسرائيل والولايات المتحدة في الإمارات وبرعاية حكومتها)، نحن نراقب ونتابع الوضع عن كثب.  وكل ذلك يشير الى سقوط الأقنعة عن المتخاذلين خاصة الآن، بعد الصفقة المخزية مع إسرائيل، ولكن يتعين على المراقبين والمحللين مراقبة ما يجري حقيقة في داخل تلك الدول الشقيقة وليست النظر الى القشور التي تريد “إسرائيل” وأذنابها إظهارها للعالم.

طرح العرب مبادرة السلام لعام 2002، وهي رؤية حقيقية وواقعية للسلام، والتطبيع إحدى خطواتها النهائية، وهنا مربط الفرس، والسؤال الذي يجب ان يوجه من الجميع عرباً وغيرهم، ما الذي قدمته “اسرائيل” للسلام حتى استحقت تلك الجوائز؟!  الشعب الفلسطيني لا يزال تحت الاحتلال، وإسرائيل تصادر الأرض وتهدم البيوت وتبني المستعمرات لليهود، وهذا كله يزيد من الكراهية، ومجالات العداء تتوسع أكثر وأكثر!

ومع ذلك، هل السلام لا يزال ممكنا؟ نقول مرة أخرى: نعم. لكن فقط سلام يقوم على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس. إذا كان الإسرائيليون مستعدين لذلك، فإن الشعب الفلسطيني وقيادته موجودة في رام الله جاهزون.  أما إذا استمروا في احتلالهم والالتفات إلى الحقائق، نقول لهم: الشعب الفلسطيني سيبقى على أرضه، والأجيال الفلسطينية القادمة هي صاحبة الحق، وهي من سيصنع التاريخ. أما الطارئ فسيبقى طارئاً ولن يذكره التاريخ، فالسراب ببساطة سيبقى سراباً ولن ن ترشرب منه الماء، وما يسمى ب ” اتفاق أبراهام” سيزول هو ونتائجه وسيسجل التاريخ أنها لم تترك شيئًا يستحق ذكره.

تل أبيب تعرف بالضبط أين يجب أن تتجه لحل هذا الصراع وإنهاء النزاع. هذا المكان هناك في رام الله حيث مقر القيادة الفلسطينية. إذا كانت إسرائيل تسعى حقًا إلى إنهاء هذا الصراع، فتلك هي الوجه الحقيقية التي يجب أن تتوجه لها ً. وأن تلتزم بقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقيات الموقعة التي مزقتها، بعيداً عن المشاهد والعروض الرخيصة هنا وهناك.

مع ذلك، أعترف بأننا كنا واقعيين، ولم نطلب العدالة المطلقة، وطالبنا بالعدالة التي يمكن تحقيقها.
رسالتي إلى جميع الإسرائيليين – المحتلين لوطني فلسطين، وكذلك اليهود المنتشرين حول العالم واليهود هنا في بولندا: الدولة الفلسطينية هي حق لنا، وهي كذلك واجبكم الأخلاقي، لأنكم تعلمون حجم المعاناة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على المستوى الفردي والجماعي. ومقدر أن نعيش معا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ تنشر هذه المقالة بالتوازي  مع صحيفة ” الجمهورية – جيتشبوسبوليتا” البولندية.

إرسال التعليق