المسيرة الخضراء وعبقرية الحسن
كتب-مصطفي عمارة
على الرغم من مرور عدة سنوات على المسيرة الخضراء التي قادها جلالة الملك الحسن الثاني إلى الصحراء المغربية لتلك البقعة العزيز من الاحتلال الإسباني دون إطلاق طلقة واحدة إلا أن هذا الحدث سوف يظل يدرس في أرفع مدارس الدبلوماسية كحدث فربد من نوعه في التاريخ يعكس عبقرية الملك الحسن السياسية ورغم تعنت أسبانيا في عودة الصحراء المغربية إلى المغرب والتمسك باحتلالها إلا أن المغرب بقيادة الملك الحسن لم يترك مجالا في كل الأروقة الدبلوماسية إلا وسلكه لإجبار أسبانيا على الاعتراف بسيادة المغرب عليها وعندما رأى جلالة الملك أن كل الطرق الدبلوماسية لم تفلح في زحزحة أسبانيا عن موقفها كما أن استخدام القوة العسكرية لاستعادتها غير مأمون العواقب قرر استخدام الدبلوماسية الشعبية في مسيرة ضمت مئات الآلاف من الشعب المغربي تحت قيادته وهو يعلم أن أسبانيا لن تجرؤ على إطلاق النار على تلك المسيرة لأن ذلك سوف يثير الرأي العام ضدها فما كان منها إلا أن انصاعت بالأمر الواقع واستعاد المغرب الصحراء المغربية دون إطلاق طلقة واحدة ولعل تلك الواقعة تعد درسا لكل حاكم ولكل دولة أن الإيمان بالقضية والتصميم على الدفاع عنها واستخدام الحنكة مع القوة سوف يؤدي في النهاية إلى استعادة الحق مهما طال الزمن ، وإن كانت المسيرة الخضراء قد عبرت عن عبقرية جلالة الملك في إستعادة أرضه فإن تلك العبقرية لم تنفصل أيضا عن شخصيته في إدارة الأمور الداخلية والخارجية فلقد كان جلالته عبقريا في إدارة الحكم جمع بين السياسة والحزم فضلا عن دوره في الصراع العربي الإسرائيلي وتبنيه ملف القدس ودوره الذي لعبه في زيارة السادات التاريخية لإسرائيل والتي أفضت إلى عقد معاهدة السلام ولم يكن الحسن الثاني بارعا في السياسة فقط بل كان أيضا فنانا ذواقا للفن الراقي ولعل علاقته الحميمة بالمطرب الراحل عبد الحليم حافظ لهي خير دليل على ذلك كما كان متفقها في الدين حريصا على إستضافة العلماء وإجراء مناقشات فقهية معه ولاشك أن جلالة الملك محمد السادس قد ورث الكثير من خصاله في إدارة الحكم حيث أقام تجربة ديمقراطية فريدة في الحكم استوعب فيها تيار الإسلام السياسي ومكنه من المشاركة في الحكم دون حدوث ثدام إجتماعي كما حدث في الكثير من الدول فضلا عن سياسته الخارجية في التوسط لإيجاد حلول لمشاكل المنطقة كما حدث مؤخرا عندما استضافت المغرب الحوار الليبي في محاولة لإيجاد حل لتلك الأزمة التي تهدد المنطقة برمتها .
إرسال التعليق