لبنان التائه بين حرائق الداخل واستدعاءالتدويل واحتمالات المواجهة مع العدو
اللواء د. محمدأبوسمره ــ مفكر ومؤرخ فلسطيني ـــ عربي / رئيس مركز القدس للدراسات والنشر والإعلام
تشير كافة المعطيات والمؤشرات إلى دقة وخطورة المرحلة، على مستوى المنطقة والإقليم، مما يستدعي على المستوى الفلسطيني والمصري واللبناني والسوري والعربي والإسلامي، الاستعداد لكافة الاحتمالات في ظل الأوضاع السياسية الصعبة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق والمنطقة والإقليم. وفي لبنان تحديداً ذلك البلد العربي الجميل الصغير الممزق كيانه ونظامه السياسي وجغرافيته وجميع مكوناته بسبب الطائفية السياسة والفئويَة المقيتة والصراعات، ويضربه الإنقسام السياسي والطائفي والمذهبي عامودياً وأفقياً، وأصابت حدود التَّشظِّي والتمزق والإنشقاقات والانقسامات عميقاً الأسرة الواحدة، والبيت الواحد، والعائلات والعشائر والأحياء والشوارع والقرى والبلدات التي كانت يُضرب المثل بمستوى تجانسها وانسجامها وتآلفها وترابطها وتماسكها.
وتجاوز الانهيار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي كل الحدود والخطوط والسقوف المحتملة والمتوقعة، دون أن يتحرك أحد من الطبقة الحاكمة أو المسؤولين أو قادة الأحزاب والطوائف والمرجعيات والعل من أجل ايجاد الحلول الناجعة لوقف الانهيار ومنع تفكك لبنان الدولة والون، ولبنان المجتمع ، ولبنان المؤسسات.
حراك الشارع:
رغم التقارير والمعطيات والمؤشرات التي تحذر من خطورة الأوضاع الحالية التي تشهدها كافة المناطق اللبنانية، والتي تؤكد بأنَّ غضب الشارع اللبناني المقهور والفقير والجائع والمنهك بات يتنامى ويرتفع منسوبه يوماً بعد يوم، ولن يتوقف حراكه المشتعل العابر لكافة الأحزاب والطوائف والمناطق، بل من المتوقع والمحتمل أن يتطور وتزداد قوته وتيرته وأشكاله ومستوياته وتتسع رقعته لتشمل جميع المناطق اللبنانية، خاصةً في ظل تجاوز سعر الدولار سقف العشرة آلاف ليرة لبنانية، وفقدان الليرة اللبنانية لـــ 85%من قميتها أمام الدولار، بينما تستمر معاناة معظم شرائح الشعب اللبناني المتوسطة والمتدنية والفقيرة من أوضاع معيشية في غاية الصعوبة.
وبات معظم اللبنانيين لايستطيعون توفير لقمة العيش والدواء وجميع اللوازم الضرورية للحياة الآدمية الكريمة لأنفسهم وأسرهم وعوائلهم، مما يهدد بتفجر(ثورة الجياع). وحتى اللحظة فإنَّ جماهير الشعب اللبناني التي تنزلَ إلى الشارع لا تمثلُ لوناً طائفياً أو حزبياً أو مناطقياً معيناً، إنَّما يشارك في الحراك مجموعات من جميع شرائح المجتمع اللبناني المتساوي بالفقر والعَوَز، ممن فقدوا القدرة على الصمت والبقاء في بيوتهم، في ظل الضائقة الكبيرة واالفقر والحاجة والعجز والجوع والقلق والخوف من المستقبل والمجهول.
بعض الجوانب الخفية..!!
من اللافت والمثير، أنَّ هناك جانباً آخر خفيّ من تفاصيل الصورة الدراماتيكية المُربكة، حيث تسعى قوى متنفذة وجهات معينة إلى دفع الشارع اللبناني الغاضب من الأوضاع المعيشية والاقتصادية والسياسية نحو الإنفجار الكبير، عبر التلاعب المدروس والمنهجي والمقصود بسعر الصرف اليومي للدولار مقابل الليرة اللبنانية، ومايتبع ذلك من ارتفاع جنوني للأسعار، وخاصة المواد الغذائية واللوزام الأساسية، وبالتالي فالمقصود من وراء هذا التلاعب دفع الناس للخروج الانفعالي الجنوني إلى الشارع، في حركةٍ عشوائية فوضوية موجهة ضد مسؤولين وأطراف وجهات وقوى لبنانية بعينها، ممن لا يتحملون المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن رفع سعر الدولار وأسعار المواد الغذائية الأساسية والاستهلاكية والأدوية، وبالتالي التسبب بفتنة على الأرض تؤدي إلى اشعال عود الثقاب، أو فتيل(القنبلة الاجتماعية الشعبية الموقوتة) ودفع الأوضاع والبلد نحو الكارثة والهاوية والحرب الأهلية..!!.
وتحاول بعض القوى والأحزاب والتيارات، وخاصة القوات اللبنانية المعروفة بولائاتها وأهدافها المشبوهة، استغلال الغضب والحراك الشعبي، وتعمل مع آخرين على حرف الأنظار عن الجوانب المطلبية المشروعة لحراك الشارع اللبناني، وتدفع الحراك للاصطدام مع جمهور حزب الله وحركة أمل والمقاومة الإسلامية والتيار الوطني الحر والأحزاب الوطنية والقومية ومع عموم الناس، من خلال مجموعة من المسلكيات المرفوضة جماهيرياً وأخلاقياً وإنسانياً، مثل إغلاق الطرق وتقطيع أوصال البلد، وعدم السماح للناس بالتنقل، ومنع حركة السيارات كلياً، إلى درجة أنه تم منع عبور جنازة على طريق الجنوب، ومنع سيارات الإسعاف من نقل المرضى، وكذلك منع شاحنات نقل أسطوانات الأوكسجين المخصصة للمستشفيات من المرور على الطرقات، بل وتم الاعتداء بالضرب والذى البدني واللفظي على الكثيرين، وهناك أخبار تتحدث ـــ لم يتسنَّ لنا الـتأكد من صحتها ودقتهاــ، بأنَّه تم اطلاق النار من عناصر بعض الحواجز المقامة لقطع الطرقات، نحو عدد من المواطنين الذين كانوا بحاجةٍ ماسةٍ للمرور، وتم قتل اثنين أو اكثر من هؤلاء المواطنين، وتم كذلك اطلاق النار نحو عدة عناصر الجيش والأجهزة الأمنية، وقد لاقت هذه الأحداث والمسلكيات المرفوضة والبغيضة الاستنكار الشديد من الرئيس ميشال عون، ومن مسؤولي وقادة الجيش اللبناني والعديد من أجهزة الدولة ومن حزب الله وحركة أمل والكثير من المرجعيات والأحزاب والهيئات والمؤسسات والأجهزة اللبنانية. ومن المثير للتساؤل والإستغراب والدهشة، أنَّ الرئيس ميشال عون والعديد من المشاركين في الاجتماع الموسع الهام ( الاقتصادي والسياسي والمالي والأمني ) الذي عقده عون في القصر الجمهوري في بعبدا، يوم الإثنين 8/3/2021 طالبوا من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالتدخل من اجل لجم ارتفاع سعر الدولار، إلاَّ أنَّ سلامة اعتذر عن عدم القدرة على التدخل بسبب الشُّح والجفاف في السيولة!!
مخاوف أمنية:
لم يعد خافياً على أحد أنَّ الوضع اللبناني الداخلي بات شديد الدقة والحساسية، وهناك تخوُّف من دخول بعض الخلايا الإجرامية أو التخريبية أو الإرهابية على خط احتجاجات الشارع، لافتعال ارباكات وضرب الاستقرار وجرّ لبنان نحو الفوضى الشاملة أو الحرب الأهلية والتفكك. وتحسباً لمنع انحدار وتدهور الأوضاع وفقدان السيطرة عليها، فقد رفع الجيش اللبناني ومديرية المخابرات التابعة له، وجميع الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية من مستوى جهوزيتها واستعداداتها.
وأبلغت الأجهزة الأمنيّة اللبنانية عدداً من النواب والمسؤولين اللبنانيين بــ : (وجوب أخذ الحيطة والحذر في هذه المرحلة خشيةً من عمليات اغتيال تهدف الى ضرب الاستقرار).
وكسشف تلفزيون (mtv ) اللبناني، أنّ:( شخصيّات سياسيّة عدّة تبلّغت في الأسابيع الأخيرة معلومات من أجهزة أمنيّة مختلفة عن خطرٍ أمني يستوجب منهم اتخاذ تدابير استثنائيّة). وذكرت المعلومات التي اذاعها فضائية (mtv)، أنَّ : ( شخصيّة سياسيّة من شمال لبنان، سبق أن تولّت موقعاً أمنيّاً تبلّغت تحذيراً واضحاً من أحد الأجهزة، وهي لم تغادر منزلها منذ أكثر من شهر خشية تعرّضها للاغتيال).
وتم أيضاً ابلاغ العديد من النوّاب من كتلٍ نيابيةٍ مختلفة، بوجوب أخذ احتياطات أمنيّة، وبالفعل عزّزوا جميعاً التدابير الأمنيّة المحيطة بمنازلهم، والتزموا بعدم التنقّل إلا عند الضرورة القصوى.
ــ الأسوأ قادم .. ولاحلول !!
في لبنان لم تعد هناك حياة في السياسة ولا أخلاق ولاقيم ولا منطق ولا عقل ولاحكمة ولاضوابط ولا معايير، ولم ولن تهز مشاهد تقطيع أوصال طرقات وشوارع ومدن البلد واشتعال النيران خلال الليالي الماضية جفن أي مرجع أو مسؤول لبناني أو سياسي أوحزبي أو طائفي في موقع الحكم والمسؤولية التنفيذية، بينما يواصل كل فريق وحزب وطائفة ومختار حارة وأمراء الحروب والفتن عنادهم وتشبّثهم بمواقفهم، دون بذل أية جهود حقيقية من أجل تقريب المسافات، وإن وجدت فليست هناك أية امكانية للتجاوب معها، وفي نفس الوقت يقف الرئيس سعد الحريري المكلف بتأليف الحكومة عاجز تماماً عن تشكيلها، والأغرب من ذلك أنَّه أكثر عجزاً من أن يقدم اعتذاره عن التشكيل ويغادر المشهد السياسي المُعقَّد ولو مؤقتاً!!.
فلا حكومة تألفَت، ولن تكون هناك حكومة تتألف في المدى المنظور، ولن يكون هناك إعتذار عن التكليف من الحريري، والتكليف الذي يحمله سعد الحريري في جيبهُ ينتظر الضوء الأخضر من الخارج لكي يتوافق مع الرئيس ميشال عون وبقية أطراف ترويكا الحكم والعهد، خاصة أنَّ الدستور اللبناني لا يجبره على إعلان التشكيلة الحكومية أو الإعتذار خلال مهلة زمنية معينَة، مما يسمح له الإحتفاظ بورقة التأليف الحكومي بيده إلى مدى غير منظور، بينما تقف حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسَّان دياب، مشلولة وعاجزة عن عمل أي شيء لانقاذ لبنان في ظل الإنهيار الكبير والمتسارع والمسار الدراماتيكي المتدهور والمتدحرج للأوضاع.
وبات من الواضح أنَّ الأمور ذاهبة نحو الأسوأ والأصعب والأكثر خطورةً، وستصل إلى الحد والمستوى الذي تصبح فيه الحلول مستحيلة، وحتى لو نجح سعد الحريري في تشكيل الحكومة ـــــ وهذا الأمر مستبعد ـــ ، فإنَّ ذلك لن يساهم في فتح باب الفرج والحلول، فلقد كبرت كرة الغضب واللهب والنار، ووصلت إلى حدٍ أنَّه لم يعد أحد يريد أو يستطيع تلقّفها، خشيةً من أن يحترق معها!!. ولهذا فإنَّ الانهيار قادم في كافة مناحي ومؤسسات الدولة اللبنانية، ولبنان ذاهبٌ نحو الأسوأ.
ــ التدويل، والاستقواء بالأجنبي:
ليست هذه هي المرة الأولى على مستوى تاريخ لبنان، التي يطالب فيها بعض قيادات الطائفة المارونية سواء الدينية أم السياسية بتدويل لبنان، ويتداعون لاستدعاء التدخل الدولي الأجنبي للإستقواء على شركائهم في الوطن الذبيح المُدَّمَّر المستنزف، وهذا ماحدث تماماً عندما أرادوا الخروج من مأزقهم الكبير عام ١٩٨٢، لم يستدعوا الأجنبي البعيد من خلف البحار كما هي عادتهم، بل أتوا بالعدو الصهيوني والاجتياح والتدمير للبنان، واستقبلوا دبابات وجنود العدو لدى احتلالهم العاصمة بيروت بالورود ونثروا عليهم الأرز والحلوى احتفالاً وفرحاً وترحيباً بقدومهم. وعاش لبنان مثل هذا الواقع المأساوي في الماضي البعيد والقريب مع مثل تلك القيادات المارونية المجرمة والبائسة والفاشلة والعميلة.
أما الآن وبعد قيادة الرئيس الجنرال ميشال عون، وهو الماروني القوي والمدافع بقوة عن حقوق ومواقع جميع المسيحيين اللبنانيين، ولكنه وفي نفس الوقت منسجم مع بقية شركائه في الوطن، قامت الدنيا عليه ولم تقعد من (القيادة “العميقة” للطائفة المارونية)، لينبري بطركها وبتأييد ودعم من أمراء الحروب والقيادات المارونية السياسية المتضررة من الرئيس عون، ومعهم آخرين من طوائف وأحزاب أخرى، لا يريدون للبنان أن يكون قوياً ومتماسكاً بأبنائه، للمطالبة بالتدويل وفتح البلد على مصراعيه أمام التدخل الأجنبي والغربي، مما يعني أنَّ لبنان لن يبقى أبداً حراً سيداً مستقلاً.
والأكثر غرابةً ووقاحةً من ذلك، أنَّه ورغم حالة الفراغ الحكومي والسياسي الذي يعيشه لبنان منذ شهرآب/ أغسطس2020، خرجت “نافخة الكير” المدعوة ستريدا جعجع، وعضو البرلمان اللبناني عن حزب القوات، وزوجة المجرم القاتل سمير جعجع رئيس حزب القوات المسيحية المارونية، في تصريحٍ لصحيفة (الشرق الأوسط) السعودية يوم السبت 6/3/20212، تمهيداً لتدويل لبنان، لتطالب الرئيس ميشيل عون بالاستقالة، وبالتالي دخول البلاد في حالة فراغ رئاسي وفوضى شاملة أسوأ بكثير من الفراغ الحكومي الحالي، قائلةً إنَّ: (إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع خطوة غير دستورية، ونحن بانتظار أن يقوم الرئيس شخصياً باتخاذ موقف تاريخي بالاستقالة).
وتعليقاً على مثل هذه المواقف والتصريحات العبثية، نقل المشاركون في اجتماع قصر بعبدا، يوم الإثنين 8/3/2021، عن الرئيس ميشال عون، قوله:( أنا ميشال عون ما حدا يجربني. في العام 1990 رفضت أن أتنازل تحت ضغط المدفع، والآن لن أتنازل تحت ضغط الدولار).
يحدث كل ذلك الصَخَب والجدل العقيم، والجنون السياسي، الطائفي، الحزبي، المُرَّكَّب، رغم أنَّ جميع التجارب التاريخية للتدخل والاستعمار والتغلغل الأجنبي في لبنان، كانت دوماً تنقلب على الأجنبي والغازي والمحتل، وعلى من استدعاه وبالاً وخسراناً وهزيمةً وهروباً، وكذلك كانت تنقلب الأمور مع الغزاة والمستعمرين والقادمين من خلف البحار والحدوجد، إلى غير ما تمناه وسعى إليه أصحاب مثل هذا الطرح، فهل من المتوقع أن يشهد لبنان أمراً مماثلاً، يؤدي فيما سيؤدي إلى نهاية هذا الخط والتوجه السياسي اللبناني العنصري الحاقد، والذي لديه الاستعداد لحرق لبنان وشعبه ومصيرهما، حفاظاً على مصالحه وامتيازاته ومكاسبه الخاصة، وكي يبقى جالساً على كراسي الحكم والطائفية السياسية والعنصرية، ونهب خيرات البلد وتقاسم النفوذ والمصالح فيه.
ــ احتمالات المواجهة بين حزب الله والعدو:
بالتوازي مع تزايد الغضب الشعبي اللبنانيضد النظام والطبقة والطائفية السياسية والأحزاب اللبنانية وضد سياسات حاكم مصرف لبنان والبنوك، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة والمتدهورة التي يشهدها لبنان، بدأت مؤخراً تتزايد وترتفع نبرة التهديدات المتبادلة حزب الله والمقاومة الإسلامية اللبنانية من جهة، وبين العدو الصهيوني من جهة أخرى، وفي هذا السياق وجه أمين عام حزب الله حسن نصر الله تهديدات شديدة للعدو الصهيوني في حال قام بشن أي عدوانٍ جديد ضد لبنان، ثم قام الإعلام الحربي للحزب بنشر فيديو يظهر بعض المواقع العسكرية والحيوية للجيش الصهيوني في داخل المستوطنات بفلسطين المحتلة، وأظهر الفيديو قدرة المقاومة الإسلامية البنانية على الوصول إلى تلك المواقع الحيوية عبر الصواريخ الدقيقة.
وردَّ بنيامين نتنياهو على تهديدات أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله والمقاومة الإسلامية اللبنانية بتهديداتٍ مقابلة، وأكد على قدرة الجيش الصهيوني بتوجيه ضربات قاسية لحزب الله والمقاومة ولبنان، وصدرت تهديدات مماثلة أيضاً من وزير الحرب والعديد من قادة الجيش الصهيوني.
وتشهد المناطق الحدودية اللبنانية الفلسطينية منذ شهر تموز/ يوليو2020 حالة من التوتر والتخوف الصهيوني خشية قيام حزب الله بعملية عسكرية ضد جنوده، رداً على شن الطيران الحربي الصهيوني غارة ضد أحد مواقع الحزب في سوريا، مما أدى إلى استشهاد أحد كوادره على كامل محسن، حيث أطلق حينها حزب الله التهديدات للرد بعملياتٍ انتقامية ضد جنود الاحتلال. وبموازاة هذا التوتر صعّد العدو الصهيوني من حملاته الإعلامية والسياسة ضد حزب الله زاعماً إمتلاكه الآلاف من الصواريخ الدقيقة، وإنشائه مصانع ومخازن للصواريخ في بعض المناطق اللبنانية. وهدد قادة جيش العدو بأنَّ هذه المخازن والمصانع ستكون معرّضة لعمليات عسكرية، وفعَّل جيش العدو وأجهزة استخباراته من دور الطائرات المُسيَّرة فوق الأراضي اللبنانية لجمع المعلومات والرصد وتوجيه رسائل التهديد، مما دفع الحزب إلى اسقاط احدى هذه الطائرات فوق المناطق الجنوبية اللبنانية، ثم أطلق صاروخاً موجهاً مضاد للطيران ــــ أرض جو/ محمولاً على الكتف، نحو إحدى الطائرات الصهيونية الحربية الهجومية المُسيَّرة، ورغم أنَّ الصاروخ لم يصب الطائرة، ولكن كان مجرد اطلاقه عبارة عن رسالة تهديد خطيرة يوجهها حزب الله للعدو الصهيوني. وعلى ضوء ذلك تصاعدت التهديدات المتبادلة بين قادة الحزب والمقاومة، وبين المسؤولين والقادة الصهاينة، مما بات ينذر بامكانية حدوث مواجهة مفتوحة بينهما في المدى القريب، وتزامنت هذه التهديدات مع تصعيد المواجهة بين الكيان الصهيوني وإيران في المنطقة بعد استهداف سفينة تجارية صهيونية، في بحر عمان، واتهام المسؤولين الصهاينة لإيران بالوقوف وراء الهجوم والتهديد بالرد عليه. وأكد بنيامين نتنياهو أنه لن يسمح بصواريخ «عالية الدقة» في سوريا ولبنان، والمفارقة في تصريحاته ليست إلحاق سوريا في التهديد، بل في محاولته الإيحاء بأنَّ (السلاح الدقيق) غير موجود، وأنَّ كيان الاحتلال لن يسمح بوجوده، بينما حقيقة مايعنيه نتنياهو في كلامه: (لن تسمح «إسرائيل» بصواريخ«عالية الدقة»، «العالية»)، قاصداً التفريق بين:(صاروخ دقيق مع هامش خطأ مترٍ أو مترين)، وصاروخ آخر مع :(هامش خطأ سنتمترات).
وأكدَّ خبراء وباحثون صهاينة من (مركز بيغن ـــــ سادات للدراسات الاستراتيجية)، في دراسة لهم أنَّ 🙁 ما يجري بين الجيش الاسرائيلي وحزب الله معركة عالية المخاطر في ظل التنافس لامتلاك القدرات الجديدة)، وتوقعوا : (احتمال حصول حرب مستقبلية ضد حزب الله، ويجب أن تدمر هذه الحرب ليس فقط القدرات العسكرية لحزب الله، ولكن أيضًا أن تخلق وضعًا جديدًا لا يستطيع فيه حزب الله إعادة التسلُّح بعد الحرب، كما فعل بعد حرب لبنان الثانية)، وأوضح الخبراء الصهاينة، أن: ( تكون الحرب على مرحلتين، الأولى: القصيرة والمكثفة نسبيًا، وتستمر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. ستأخذ القوات البرية الإسرائيلية جزءًا كبيرًا من أراضي جنوب لبنان، بينما تنشط القوات الجوية في جميع أنحاء لبنان لتدمير أهداف حزب الله، بما في ذلك العديد من منصات إطلاق الصواريخ والصواريخ بالإضافة إلى خلاياها الأرضية المصممة لمهاجمة الجيش الإسرائيلي في لبنان. المرحلة الثانية، “مرحلة التنظيف الأطول”، ستستمر شهوراً، وستشهد قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير النطاق الكامل للبنية التحتية لحزب الله وأسلحته). وأضافوا في دراستهم، قائلين: ( بعد الانسحاب في نهاية المطاف ، يمكن للجيش الإسرائيلي تنشيط قواته لمنع حزب الله من إعادة البناء من خلال شن ضربات موجهة).
ــ ضربة استباقية ضد خلايا “داعش الإرهابية”:
في ظل لجوء تنظيم «داعش» التكفيري الإرهابي، إلى إيقاظ بعض خلاياه الإرهابية النائمة من خلال قيام لعض هذه الخلايا الإجرامية التكفيرية الإرهابية بتنفيذ عمليات انتحارية في وسط بغداد وعدد من البلدات العراقية، وبلدات ومدن سورية تقع في المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، توصلت مديرية المخابرات بالجيش اللبناني إلى قناعةٍ راسخة، بأنَّ التنظيم الإرهابي يخطط للعودة إلى تنفيذ عمليات إرهابية في لبنان، تستهدف أماكن ومراكز عسكرية يمكن أن تستغل وجود النازحين في عدد من المخيمات، خاصةً تلك الواقعة في أطراف بلدة عرسال، ورصدت مديرية المخابرات تحركات مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم داعش الإجرامي تتكون من سوريين ولبنانيين، ومن بينهم أصحاب سوابق، كانوا في مرحلة الإعداد والتخطيط والاستطلاع لتنفيذ عمليات إرهابية انتحارية في لبنان، لاستهداف مراكز ومواقع عسكرية تابعة للجيش والقوى الأمنية، ووجهت لهم ضربةً استباقية، وضبطتهم بالجرم المشهود وأعتقلت بعضهم الذين اعترفوا بانتمائهم إلى تنظيم داعش الإرهابي، وقادت اعترافاتهم إلى توقيف آخرين كانوا يتواصلون مع بعضهم. واستناداً إلى ما توافر من معلومات أمنية ومعطيات لدى مخابرات الجيش اللبناني، فقد كثَّف عناصر مخابرات الجيش اللبناني مراقبة المجموعة الإرهابية ورصد تحركاتها وإحكام الطوق الأمني عليها، وملاحقة المنتمين إليها الذين كانوا يتنقلون ما بين عرسال ومنطقة المشاريع، إلى أن أطبقت القوات الأمنية اللبنانية عليها الحصار وأوقعتها في الكمائن التي نصبتها لها، بعد محاصرتها في مخيمات النازحين السوريين الواقعة في أطراف بلدة عرسال الحدودية مع سوريا في شرق لبنان وفي منطقة مشاريع القاع / شمال شرقي لبنان، واعتقلت 18 إرهابياً، من بينهم 12 سورياً و6 لبنانيين. وكشفت التحقيقات الأولية مع المعتقيلن أنَّ «العقل المدبّر» الذي يتزعّم المجموعة الإرهابية الداعشية، لبناني من أصحاب السوابق، وكان أُعتقل سابقاً بتهمة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية، ويقيم حالياً في داخل الأراضي السورية، وخضع َ:( أفراد هذه المجموعة الإرهابية لعملية «غسل دماغ»، من خلال أقوالهم بأنهم سيلتحقون مجدداً بـ«داعش» في حال الإفراج عنهم، وليسوا نادمين على تنفيذ ما كانوا يخططون له) ولم تتوصل التحقيقات إلى التأكد من ارتباط المعتقلين مباشرة بأي (مُشغِّل) في سوريا أو العراق يتولى تحديد «بنك الأهداف» المشمولة بالعمليات الإرهابية، بينما كشفت التحقيقات، واعترف الإرهابيون، أنَّهم:(كانوا يؤمِّنون المال للحصول على«عدّة الشغل»التي يحتاجونها لتجهيز العبوّات الناسفة من خلال قيامهم بأعمال غير مشروعة يعاقب عليها القانون لتوفير التمويل الذاتي، ويعقدون اجتماعات لتحديد الأهداف التي يخططون لاستهدافها بعمليات انتحارية، وتواصلوا مع بعضهم مباشرة، تحضيراً للاجتماعات التي يعقدونها، وهم لا يستخدمون الهواتف الخلوية للتواصل ببعضهم البعض تفادياً لمراقبة هواتفهم من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية). وأدت عمليات البحث والتفتيش في مخيمات النازحين السوريين في عرسال وفي منطقة مشاريع القاع، إلى وضع اليد على مواد تُستخدم لصنع العبوات الناسفة وأسلحة فردية ورشاشات وقنابل يدوية من هجومية ودفاعية، وأسلاك لتفجير العبوات وذخائر متنوعة، وقاذف لقذيفة صاروخية أميركية من نوع«لاو»لاستهداف الآليات العسكرية. وخلال عمليات المداهمة والتفتيش والمسح الأمني التي قامت بها عناصر مخابرات الجيش اللبناني، لعدد من الخيم التابعة للنازحين السوريين، اكتشفت أنَّ المجموعة الإرهابية قامت بحفر الأنفاق تحت الأرض للربط بين خيمة وأخرى وتستخدمها لتخزين الأسلحة والذخائر، وجعلت من هذه الأنفاق مخابئ للأسلحة وقامت بصب الباطون عليها، وبعضها وُجد فارغاً وقد يكون أُعد لتخزين العبوات الناسفة في حال تم إعدادها لتصبح صالحة للتفجير، والتحقيقات مازالت مستمرة مع الإرهابين المعتقين للتأكد من عدم قيامهم بتفريغها من محتوياتها خوفاً من العثور عليها، في حال انتُزعت منهم اعترافات بنقلها بعد أن أوقفوا على دفعات اضطرتهم لنقلها إلى مخابئ أخرى.
ــ الخلاصة:
ليس سراً أو خافياً على أحد أنَّ أغلب القيادات والمرجعيات الدينية والسياسية والطوائف والأحزاب والقوى والجماعات اللبنانية، ترتبط بشكلٍ أو بآخر مع قوى وأطراف عربية أو إقليمية أو غربية أو دولية، وبعضهم تربطه علاقات وطيدة مع العدو الصهيوني مثل المجرم سمير جعجع وحزبه القوات اللبنانية، وتتلقى جميعها الدعم المالي والعيني والمعنوي والسياسي والأمني، بينما يتلقى بعضها إضافة إلى ذلك الدعم العسكري واللوجيستي والتدريب والتجهيز والتأهيل، والامداد بالأسلحة والمعدات والخبرات والتجهيزات والإمكانيات العسكرية والأمنية واللوجستية، والتي جعلت من بعض تلك الطوائف أو الأحزاب والقوى، تسيطر بالقوة على البقعة الجغرافية التي تنتشر فيها، وجعلت منها (كانتون) خاص بها، مثل(القوات اللبنانية المارونية)، التي تمتلك ترسانة عسكرية وميليشيا جاهزة ومدربة، وكذلك الحال تمتلك معظم الطوائف والأحزاب والقوى والتجمعات والجماعات والروابط والتكتلات والعشائر والعصابات اللبنانية مختلف أنواع الأسلحة والذخائر بمستويات مختلفة، وليس هناك من بيتٍ لبناني يخلو من حيازة السلاح، وتنتشر في لبنان مختلف أنواع الأسلحة من الخفيف إلى إلى المتوسط فالثقيل، ولايمر في لبنان يوم واحد دون أن تكون هناك أحداث أمنية وجرائم قتل وخطف وسرقة تستخدم فيها الأسلحة النارية، فلقد تحوَّل لبنان إلى غابة من السلاح والفوضى والفلتان الأمني. ورغم انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية رسمياً بموجب اتفاق الطائف عام 1989، إلاَّ أنَّها لم تنتهِ عملياً وواقعياً واجتماعياً وسياسياً وطائفياً وحزبباً، وبقي الصراع الأهلي والحزبي والطائفي والاجتماعي والسياسي مستمراً بأشكال وأدوات ووسائل مختلفة، وأصبح لكل واحد من أمراء الحرب الأهلية وحزب وجماعة وعصابة وميليشيا حصتهم من مغانم البلد. وفي ظل هذا الواقع المأساوي ليس من المستغرب أنَّ لبنان مازال يعاني من مشاكل انقطاع الكهرباء والماء وعدم توفر الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها المواطن اللبناني البسيط العادي ليحيا حياته الآدمية بعزةٍ وكرامةٍ وإنسانيةٍ، بل إنَّ مشاكل لبنان الداخلية والخارجية في تفاقم وازدياد مستمر، دون أن تكون هناك أية حلول، فالبطالة والفقر والجوع وصلت إلى مستويات خطيرة، وفشل المنظومة التعليمية وتفكك البنى الإجتماعية وتراجع وانهيار القيم الأخلاقية، وزيادة الأمراض النفسية والعصبية والعضوية هي في تنامي وارتفاع كبير، وفقد ملايين اللبنانيين مقدرتهم على توفير الحد الأدنى من مقومات معيشتهم، مما دفع برئيس الحكومة المستقيلة حسَّان دياب، ليطلق بمنتهى الألم صرخته االمدويَّة:(ماذا تنتظرون لتشكيل الحكومة، فاللبنانييون لم يعد باستطاعتهم أن يتحملوا وضع البلد، ألا يستحق اللبنانيون تضحيات صغيرة من أجل مصلحة الوطن؟، فلنترك أوهام وطموحات السلطة جانباً فلبنان بخطر شديد والوضع خطير، وخطير جداً ، والله يحمي لبنان واللبنانيين).. ونحن بدورنا نقول في الختام : حفظ الله لبنان العزيز وشعبه ووقاه الله شرور الفتن والمؤامرات.
هاتف محمول فلسطين / واتس أب 00970595611621
ــــ البريد الإليكتروني [email protected]
إرسال التعليق