حرب غزة والدروس المستفادة

حرب غزة والدروس المستفادة

 

لم يكن انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة من جهة وبين إسرائيل والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى أمرا مفاجئا بل ساهمت فيه عدة عوامل جعلت هذا الإنفجار حتميا فلقد ولدت مشاعر الإحباط لدى الشارع الفلسطيني براكين الغضب والتي كانت تنتظر شرارة الإنفجار في أي وقت فالاوضاع ومنذ الإدارة الأمريكية السابقة تزداد سوء ولم يتغير الأمر كثيرا بعد مجيئ إدارة بايدن بل زادت إسرائيل في غطرستها حيث زادت وتيرة الاستيطان وعملت إسرائيل على التهجير القسري للفلسطينيين وكان آخرها ما حدث في حي الشيخ الجراح والذي كان بداية شرارة الأزمة ولم يكن الوضع الفلسطيني أفضل حالا فبعد شعاع الأمل في وحدة الصف الفلسطيني بعد اجتماعات القاهرة والاتفاق على إجراء الإنتخابات التي كان يمكن أن تكون خطوة على طريق الانقسام جاء قرار الرئيس أبو مازن بتأجيل الإنتخابات بدعوى رفض إسرائيل مشاركة سكان القدس فيها ليعيد حالة الانقسام مرة أخرى وسط الاتهامات المتبادلة بين الطرفين ولم يكن الوضع العربي أفضل حالا مما يجري على الساحة الفلسطينية حيث زادت حالة الترهل العربي بعد قيام عدد من الأنظمة العربية كالامارات والبحرين والسودان والمغرب وعمان بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني لتنهي ما تم الإتفاق عليه في المبادرة العربية للسلام بأن التطبيع لن يتم إلا بعد انسحاب إسرائيل من الاراضي العربية المتحدة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، وأمام تلك المعطيات التي تبعث على اليأس والإحباط جاءت أحداث القدس لتفجر بركان الغضب في نفوس الفلسطينيين ليواجهوا بصدورهم العارية سلطات الاحتلال بكل ما تمتلكه من أدوات بطش وتنكيل لتعلن للعالم أجمع أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم مهما تأمرت عليه قوى البغي والعدوان ومهما خذله أبناء جلدته أو الأنظمة العربية التي باعت نفسها للسيد الأمريكي للحفاظ على كراسيها وشعوبها ، ورغم إنني مؤمن بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة إلا أن رد فعل حماس والفصائل الفلسطينية للرد على ممارسات إسرائيل كان غير محسوبا في ظل عدم تكافؤ القوة بين الطرفين ففي مقابل بضع عشرات من القتلى والجرحى الإسرائيليين أستشهد وجرح الألاف من أبناء من أبناء الشعب الفلسطيني ودمرت المستشفيات والأبراج والبنى التحتية لنكرر ما حدث في حرب لبنان عندما جرح العشرات من الإسرائيليين من صواريخ حزب الله في المقابل قتل المئات من أبناء الشعب اللبناني ودمرت البنى التحتية وللأسف فإن القضية الفلسطينية أصبحت مادة متاجرة لتحقيق مكاسب خاصة على حساب دماء الشعب الفلسطيني ورغم المشهد المأساوي الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على غزة إلا أن الشعب الفلسطيني استطاع ان يفرض نفسه على معادلة الصراع كرقم صعب يصعب يستحيل تجاهله كما أن القضية الفلسطينية عادت مرة أخرى إلى صادرة اهتمامات الشارع العربي والعالمي بعد أن طويها النسيان ، ومن منطلق هذا فإن الأمر يتطلب منا جميعا إعادة الحسابات لاستثمار هذا الحدث قبل أن تعود القضية الفلسطينية إلى مدارج النسيان ولعل هذا يتطلب وقبل كل شيئ توحيد الصف الفلسطيني وتشكيل قيادة موحدة من كافة القوى لإدارة الصراع في المرحلة القادمة بين قوى تفاوض وقوى تحمل السلاح مع الاعتماد بشكل أساسي على المقاومة الشعبية في الضفة الغربية كما أن الأمر يتطلب إعادة ترتيب الوضع العربي وأن تعيد الأنظمة التي طبعت مع الكيان الصهيوني حساباتها بعد أن سقطت تلك الأنظمة من نفوس شعوبها والتي لن ترحم كل من خانها وقد أثبتت دروس التاريخ أن الأنظمة التي راهنت على دعم الخارج سقطت لأنها راهنت على جواد خاسر وبدون تلك الوقفة سواء على الصعيد الفلسطيني او العربي فإن المنطقة سوف تسير من سيئ إلى أسوأ فهل يعي الجميع الدروس المستفادة من حرب غزة قبل فوات الأوان .

الكاتب الصحفي د/ مصطفى عمارة
مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن

إرسال التعليق