ما بعد الحرب …… قصص من مدارس النزوح
في أحد الفصول الدراسية لمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، يجلس شادي الصباغ (45 عاما) برفقة زوجته وعائلته, يردد بصوت حزين لا أريد الا العودة لمنزلي, لكن هذه الأمنية باتت بعيدة المنال, فقد دمرت طائرات الاحتلال الاسرائيلي منزلهم في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع.
وكمئات الأسر الفلسطينية التي تقطن على الحدود أو قصفت منازلهم, لجأت عائلة الصباغ إلى مدرسة تابعة للأونروا، كمركز للإيواء بفعل الحرب الإسرائيلية، التي استمرت 11 يوما.
وعلى بعد خطوتين من شادي، تجلس زوجته وقد داهم الحزن عيناها وتقول الحياة في هذه المدرسة لا تطاق, فنحن نفتقر لأدنى مقومات الحياة، سوى مياه أو كهرباء أو ملابس نظيفة، للفراش كانت أو للنوم, وتضيف قائلة قصفت طائرات الاحتلال منزلي بعد أن بنيته بكل شقاء وعناء فقد بعت كل ما املك من حلي وحرمت نفسي واطفالي من أبسط الاشياء لأوفر كل ما يلزم البيت.
أما هدى شنار تقول بأنها كانت تسكن منزلاً بالإيجار قبل العدوان الاسرائيلي على القطاع لكنه قُصف في بداية العدوان.
وتتابع شنار قائلة للحلم العربي: “إسرائيل دمرت الحي الذي أسكن فيه وقد اضطُررت مع شدة القصف اللجوء إلى السكن في المدارس بسبب تدمير منزلي بالكامل, لكن وضعي يختلف عن الاخرين فلدي ابنة مريضة بالسرطان وتحتاج إلى الأكسيجين، ومساحة الصف الذي أجلس فيه ستة أمتار برفقة ١٤ فرداً من عائلتي بلا أي مقومات حياة لذلك أناشد الجهات المختصة النظر لحالنا وتوفير الدعم لنا.
وها هي الطفلة سما البسيوني (9 سنوات) تقف في إحدى زوايا الفصل الدراسي، حيث نزحت مع عائلتها من بلدة بيت حانون شمالي القطاع, وتقول سما إنه لم تزرهم أي من الفرق الترفيهية التي تقدم الدعم النفسي لهم، لتتخلص من جزء من الضغط الذي عاشته أثناء نزوحها برفقة عائلتها، بعد أن قصفت طائرات الاحتلال منزلها ومنزل عمها، والذي أدى لتدمير البيت بالكامل وإصابة عدد من أقاربها واستشهاد آخرين.
وبروح بريئة تتابع سما حديثها عن حالها وأشقائها الثلاثة “أخي الصغير بعمر عامين يبكي طوال الليل ونحن لا نستطيع توفير أي راحة له، فالكهرباء هنا تنقطع لساعات طويلة ودرجات الحرارة مرتفعة، كما أن الوكالة لم توفر لنا حتى الاحتياجات الأساسية”.
وختمت الطفلة البسيوني حديثها “نفسي أرجع لغرفتي وألعابي”.
وبالذهاب إلى مدرسة أخرى تتواجد عائلة أمجد سعد التي نزحت من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة بعد ان اشتد القصف المدفعي وإطلاق قنابل الغاز في الساعة الثالثة فجرا، يقول: “نزحت برفقة عائلتي إلى المدرسة لعدم توافر مأوىً ونتيجة خطورة الوضع لكون منزلي الذي يقع بالقرب من الشريط الحدودي الفاصل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لا أريد أن يتكرر معنا ما حصل في عدوان عام 2014 عندما ارتكبت إسرائيل مجازر بحقّ سكان حي الشجاعية” .
أما جاره محمد بهار حينما سألناه عن حاله أشار باصبعه وقال أنا كأمجد لكنني اختلف عنه بفقدان ثلاثة من أفراد عائلتي ثم انهار بالبكاء.
وفي نفس الحوار تتدخل مي العطار التي نزحت من منطقة العطاطرة شمالي القطاع, بعد أن قصف منزلهم وارتقاء اختها وأبنائها الثلاثة، تقول: “ما ذنب أختي لتُقصَف؟, كانت تجهز لأبنائها ملابس العيد، لكنها استُشهدت وهي تحتضنهم، ولم يرتدوا تلك الملابس”.
وتسرد العطار للحلم العربي تفاصيل ما حدث معها في تلك الليلة التي كانت فاجعة عليها وعلى عائلتها: “ذهبَت أختى لترى أين القصف الذي كان عشوائياً، فاستُشهدت هي وأطفالها, عندما شاهدتُها بكيت، شعرت بالخوف، نحن في كل عدوان نذهب من أجل الاحتماء داخل المدراس، أما ما بعد فلا أدري أين سأسكن أنا و عائلتي”.
ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين يثبت أن إسرائيل لا تحترم أي اتفاقية تنتمي إلى القانون الدولي” هكذا بدأ المختص الحقوقي الدكتور محمد شبير حديثه للحلم العربي حول نزوح العائلات للمدارس طلباً للحياة والنجاة بسبب آلة الدمار الإسرائيلية التي تنهال فوق رؤوسهم بأطنان من المتفجرات.
وعن خطورة جريمة النزوح يقول شبير: “خطورة هذه الجريمة المرتكَبة بحق المدنيين يمكن الكشف عنها من خلال عدد النازحين الذين قاربو ٥٠ ألف نازح في ساعات معدودة، هذا يكشف حجم الجرائم والدمار الذي خلفته إسرائيل بحق سكان القطاع, وأن النزوح ليس جريمة منفردة، بل يرتبط بها جرائم أخرى، وهي جرائم تفريق العائلات وتشتيت الشمل وإبعاد الأطفال عن أولياء أمورهم، وكل الأشكال الأخرى التي هي من أساليب المعاناة.
الصحفيه حنين علي القطشان فلسطين غزه
إرسال التعليق