سد النهضة والكرامة المصرية

سد النهضة والكرامة المصرية

 

على الرغم من أنه لم يتبقى سوى بضعة أيام على تنفيذ أثيوبيا تهديدها بالملئ الثاني لسد النهضة إلا أن المسئولين المصريين لا يزالون يتعاملون مع تلك القضية باستخفاف رغم خطورتها على كيان الدولة المصرية وعلى حياة ملايين المصريين الذين ترتبط حياتهم بمياه النيل ، بل لا أبالغ إن قلت أن تلك القضية أكثر خطورة من احتلال الأرض المصرية لأن وجود أي محتل يرتبط بمدة معينة وسوف يغادر أراضينا آجلا أم عاجلا كما حدث مع الإحتلال البريطاني لمصر والاحتلال الإسرائيلي لسيناء والأخطر من ذلك هو مدى التأثير السلبي لتلك القضية على الكرامة المصرية وعلى الانتماء لهذا البلد وخاصة بالنسبة للأجيال القادمة ولعل دروس التاريخ خير شاهد على ذلك فعندما منعت الولايات المتحدة تمويل السد العالي وقف الزعيم الراحل عبد الناصر ليعلن تأميم قناة السويس متحديا الولايات المتحدة والدول الكبرى وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا واستطاع الشعب المصري أن يقهر إرادة الدول الكبرى ويتصدى لقوى العدوان الثلاثي على مصر رغم فارق الإمكانيات وما كان لهذا أن يتحقق لولا روح الإنتماء التي زرعها عبد الناصر في قلوب الشعب المصري والتي مكنته من قهر إرادة العدوان وللأسف فإن تعامل الدولة المصرية وتخاذلها في مواجهة التهديدات الإثيوبية سوف يكون له انعكاساته الخطيرة على روح الإنتماء للمصريين الذين سوف يشعرون أن بلادهم بلا كرامة ورغم تحذير المسئولين المصريين من خطورة الملئ الثاني لسد النهضة على حصة مصر المائية والآثار الكارثية المترتبة عليه إلا أن نفس هؤلاء المسئولين تراجعوا عن تلك التصريحات وخففوا من الآثار السلبية للملئ الثاني خاصة أن هناك استعدادات لمواجهة الشح المائي المتوقع من خلال عدة إجراءات كتبطين الترع وعدم التوسع في المحاصيل التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه وإعادة تدوير مياه الصرف وغيرها من الإجراءات الأخرى وكأننا رضينا بالأمر الواقع وأن قيام أثيوبيا بالملئ الثاني أمر لا مفر منه بل أعتبر هؤلاء المسئولين أن فشل أثيوبيا في تعلية السد بالشكل المطلوب لتخزين كمية المياه التي أعلنت عنها هو انتصار للدبلوماسية المصرية التي أجبرت أثيوبيا على ذلك ، وفي ظل تضارب تصريحات المسئولين المصريين عن رد الفعل المصري في حالة قيام أثيوبيا بعملية الملئ الثاني يزداد العضب الشعبي المكتوم الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة في مواجهة تلك القضية المصيرية التي تمس حاضر مصر ومستقبلها ، إنني من منطلق حرصي على أمن هذا البلد أناشد القيادة السياسية أن تتخذ إجراء حاسم سلم أو حرب لمنع أثيوبيا من القيام بالملئ الثاني للسد بل لا أبالغ إن قلت أن شرعية الرئيس السيسي مرتبطة إلى حد كبير بتلك القضية ، فإذا استطاع أن يتعامل معها بما يحفظ كرامة مصر فسوف يتحول إلى بطل قومي تلتف حوله طوائف الشعب بكل توجهاته وسوف تكون تلك القضية نقطة انطلاقة نحو مستقبل مشرق لمصر والمصريين وإذا خالف الرئيس الآمال المعقودة عليه فإن شرعيته سوف تسقط بعد أن فشل في حماية أمن البلد من أخطر قضية يمكن أن تواجه مصر في حاضرها ومستقبلها .

مصطفى عمارة
مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن

إرسال التعليق