الإنفجار القادم
كتب-مصطفى عماره
شهدت السنوات العشر من حقبة نظام مبارك احتقانا شعبيا خاصة بعد غياب مبارك فعليا عن الحكم وسيطرة طبقة من رجال الأعمال يقودها نجلة رجال مبارك ، وخلال تلك الفترة تفشى الفساد وتدهورت الأوضاع الإقتصادية والتي عانت منها الطبقة الفقيرة والكادحة وانعكس تدهور الأوضاع على الإنتخابات البرلمانية التي فاز الإخوان بعدد كبير من مقاعدها ولم تعكس تلك الإنتخابات سيطرة الإخوان على الشارع وشعبيتهم الجارفة بقدر ما كان تعبير الشعب عن غضبهم من الأوضاع القائمة والتي عبرت عنها فئات من الشعب عبر الوقفات الاحتجاجية والتي عبرت عن تذمر الشعب من الأوضاع القائمة ، وبحكم خبرتي بالمجال السياسي فلقد توقعت حدوث ثورة كبيرة تطيح بالنظام مع اندلاع شرارة الإحتجاجات بأعداد كبيرة وهو ما حدث بالفعل وكان يمكن لتلك الثورة أن تحدث التغيير المطلوب عبر الشعارات التي رفعتها (عيش ، حرية ، كرامة إجتماعية) ولكن انحسار المطالب في رحيل نظام مبارك وعدم وجود شخصية قيادية يلتف حولها الشعب أدت إلى انحراف الثورة عن مسارها وتسلق قوى وجماعات على تلك الثورة حتى استطاعت جماعة الإخوان في النهاية من الوصول إلى السلطة لأنها كانت أكثر الجماعات تنظيما وساعدها في ذلك أن المؤسسة العسكرية كانت رافضة لتوريث السلطة إلى حكم مدني لذلك لم تتدخل لعرقلة وصولها إلى الحكم رغم ترشح أحمد شفيق والذي يعد واحد من أبناء المؤسسة العسكرية أمام محمد مرسي مرشح الإخوان ، ولم يطن المشير طنطاوي والذي قاد المؤسسة العسكرية في ذلك الوقت على وفاق مع أحمد شفيق لذلك رأى أن يترك الفرصة للإخوان لتقلد السلطة لفترة معينة لأنه كان يعي أن الإخوان تفتقد إلى الخبرة السياسية لإدارة الحكم كما أن المؤسسة العسكرية سيطرت بالفعل على الحياة السياسية وقيدت تحرك الإخوان عبر إعلان دستوري ، وبحكم افتقار الإخوان للخبرة السياسية واستعجالهم للوصول إلى السلطة فضلا عن القيود التي وضعتها المؤسسة العسكرية للحيلولة دون نجاحهم وتأليب المؤسسات ضدهم كل هذا أدى إلى عودة المؤسسة العسكرية إلى الحكم بعد عام واحد من حكم الإخوان ونظرا للفوضى التي عاشتها البلاد طوال العام الذي حكم فيه الإخوان فلقد التف غالبية الشعب حول حكم الجنرال السيسي املأ في تغيير الأوضاع إلى الأفضل خاصة أن الشعب وعلى مدار تاريخه كان يكن الحب والاحترام إلى المؤسسة العسكرية لأن الجيش على مدار تاريخه لم يصطدم بالشعب ودافع عن أرضه إلا أنه ومع مرور الوقت تبخرت تلك الآمال حيث تفاقمت الأوضاع الاقتصادية وتزايدت الاسعار بصورة تفوق مقدرة الإنسان البسيط وبدلا من إقامة مشروعات اقتصادية ومصانع وورش لتشغيل الشباب أنفقت المليارات على مشروعات لم يستفد منها إلا الطبقة الراقية واحاطت بالرئيس مجموعة من الافاقين من الوزراء ورجال الإعلام الذين عزلوا الرئيس عن النبض الحقيقي للجماهير وتقلد أجهزة الحكم وزراء فاشلين وعلى رأسهم وزير التربية والتعليم ورغم ذلك كله فلقد تحدثت وسائل الإعلام عن الإنجازات الوهمية التي تحققت وزادت الأمور تفاقما في ظل الغزو الثقافي والفكري لتدمير القيم الدينية والاخلاقية للمجتمع عبر شخصيات معروفة بتوجهاتها العلمانية التي تتلقى أموال من جهات خارجية لتدمير القيم الدينية والأخلاقية للشعب المصري كما حدث عندما دافعت تلك الشخصيات وعلى رأسها إبراهيم عيسى والمعروف بتوجهاته العلمانية وتلقيه أموال من إيران عن المثلية وهاجمت شيخ الأزهر والمؤسسة الأزهرية والتي تعد بمثابة الكعبة في مصر ورغم تجرؤ تلك الشخصيات على الدين والمؤسسة الدينية فلم تتحرك الأجهزة المسئولة لمحاسبة تلك الشخصيات وهو ما أعطى انطباع للرأي العام أن هناك ضوء أخضر من رأس السلطة لتنفيذ هذا المخطط ولم يكن الوضع بالنسبة للسياسة الخارجية احسن حالا خاصة بالنسبة لملف المياه حيث واصلت أثيوبيا بناء سد النهضة والذي يعد بمثابة الكارثة على أمن مصر المائي بينما تعامل النظام بسلبية مع هذا الملف وكأن الأمر لا يعنيه كما بدأت الدول الحليفة لمصر والتي تعد جزء من الأمن القومي المصري تطبيعا مع اسرائيل بمباركة النظام المصري رغم ما يمثله ذلك من خطورة بالغة على الأمن القومي المصري لأن إسرائيل كانت وسوف تظل العدو الأبدي لمصر ، ومع تفاقم الأوضاع الداخلية والخارجية تفاقم الاحتقان وفقد النظام غالبية مؤيديه إلا الفئات التي ارتبطت مصالحها بوجودها حول النظام وهو ما يهدد بانفجار قادم قد يكون أخطر من إنفجار يناير لأنه سيكون بمثابة ثورة جياع تهدد الإستقرار الإجتماعي سندفع ثمنها جميعا ، ومع هذا الانطلاق فأنني من منطلق حبي لمصر وجيشها أوجه نداء للرئيس السيسي بالتدخل لتصحيح الأوضاع والاستعانة بالرجال المخلصين المؤهلين لقيادة مصر في المرحلة القادمة لأن الوضع خطير والنار تحت الرماد وما يمكن إصلاحه اليوم قد يصعب اصلاحه غدا وعندئذ لن ينفع الندم ولن تجدي الدموع .
الكاتب الصحفي د/ مصطفى عمارة
مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن
إرسال التعليق