المنافسة بين الدراما والإعلانات في الموسم الرمضاني
د. أحمد عبد الصبور
يقدم صناع الدراما كل عام في الموسم الرمضاني وجبة رمضانية دسمة ومتنوعة تحدث رواجاً للفن العربي والمصري … وبجانب تلك الدراما وتلك الوجبة الرمضانية نلاحظ وجود جرعة ضخمة من الإعلانات أدت إلى تخمة وفقدان التركيز في تلك المسلسلات هذا العام ، خاصة أن بها زخماً كبيراً من النجوم والفنانين من مختلف الأجيال ، وكل منها يحاول إستقطاب المشاهد إلى سلعة أو منتج أو أجهزة أو مستشفى خيري ، ومن المعروف أن الفنانين يتقاضون أجوراً ضخمة فيها لأنها أسهل من الدراما وأكثر ربحاً ، لهذا يجدها الفنانون والمطربون طريقة سهلة ومربحة ويتجهون إليها دون تردد .
ففي عالم الفن تسقط كل الأقنعة والإنتماءات أمام ( خروشة ) أوراق البنكنوت ، وفي عالم الفن أيضاً يصمت الجميع عندما تتحدث لغة المال ويتحول الصمت إلى خضوع غير مشروط ، ورغم المنافسة المشتعلة بين مسلسلات رمضان التي تعرض حالياً والتي تتنوع ما بين الكوميديا والأكشن والغموض والإثارة إلا أن هناك منافسة من نوع آخر ظهرت بين الدراما والإعلانات التي تتخللها ، حيث إستعانت عدد كبير من الشركات ( خاصة شركات المحمول ) بالنجوم لمحاولة جذب المزيد من العملاء وتحقيق الأرباح .
لقد صار نجوم الدراما العرب والمصريون لا يكتفون بأدوارهم التمثيلية ، خلال الموسم الدرامي في شهر رمضان المبارك ، بل تجدهم أيضاً يتصدرون إعلانات الشركات في القطاعات المختلفة .
وأصبح الإهتمام بوجود فنان ” نجم ” أو ” سوبر ستار ” كما يطلق عليه لدى صناع المحتوى وسط الشركات المعدة للإعلانات أو إيجاد ممثل بطل وعليه إقبال من الجمهور ، وفي صفحات السوشيال ميديا ، هدفاً أكبر للإعلان أكثر من محتوى الإعلان الترويجي الذي هو صلب الرسالة الإعلانية .
توجد تقنية معروفة في الإعلام وهي إتباع الجمهور دائماً للنجوم من المشاهير ، وهو ما يدفع الشركات إلى إجتذاب النجوم للترويج لعلامتها التجارية ، بهدف الإستفادة من جماهيرية النجم وجذب المزيد من العملاء إلى الشركة .
لقد توصلت دراسة حديثة إلى أن كثيراً من الأفراد يتأثرون بأذواق المشاهير أكثر من أعمالهم الفنية وآرائهم الشخصية ، حيث يعتمد التأثير على عنصر الإبهار ، بحيث يكون التأثير في الذوق مبنياً على الجاذبية .
وأشارت الدراسة إلى أن تأثيرات المشاهير على الجمهور صارت ظاهرة تزداد يوماً بعد يوم على كل أفراد المجتمع ، فقد بات الإتجاه نحو المشاهير مؤثراً في سلوك أفراد المجتمع وعاداتهم وتقاليدهم سلباً أو إيجاباً .
وفي نتائج تلك الدراسة ، بينت أن الأفراد يتأثرون بأذواق المشاهير أكثر من آرائهم ، كما أن مستوى التقليد يتأثر بالذوق أكثر منه … حيث أتضح أن مستوى التأثير على نطاقين هما : التأثير بالرأي والتأثير بالذوق ، كما توجد خمسة عوامل أساسية مرتبطة بمستوى التأثير تتضمن : الخبرة ، البرستيج ، الجاذبية ، التفاعل والتواصل المتبادل مع المتابعين ، ونسبة المعلومات المقدمة للجمهور .
ودائماً نلاحظ أن مع بداية شهر رمضان ، تستغل الشركات الموسم الدرامي في عرض إعلانات وعروض موسمية تروج لمنتجاتها وخدماتها ، ولكن المحتوى يتطور عبر الزمن ، وعلى الرغم من إتساع حجم السوق المصرية وحجم الإستهلاك ، فإن ذلك لم يكن دافعاً لتتصدر مصر حجم الإنفاق على الإعلانات .
إن مصر تأتي في الترتيب الرابع عربيّاً بعد قطر والإمارات والسعودية ، من زاوية الإنفاق على الإعلانات بكل أنواعها ، فيبلغ متوسط ما تدفعه مصر نحو 3 مليارات جنيه ، خلال السنوات الأخيرة … كما أن حجم السوق المصرية الضخمة والتنوع في مكوناتها لم تكن دافعاً لزيادة حجم الإنفاق على الإعلانات بالمقارنة بباقي الدول العربية .
ويلاحظ أنه توجد مشكلة كبيرة في المحتوى المقدم في الإعلانات ، فيغلب الإهتمام بالمساكن مرتفعة القيمة ” الكومبوندات ” أو ” الجمعيات الخيرية ” ، والفارق كبير بين المتلقي لكل إعلان ، فمنهم من لا يجد إعلاناً موجهاً إليه .
كما أنه توجد أساليب أخرى متنوعة في الإعلانات ظهرت خلال المواسم الأخيرة والموسم الحالي ، أبرزها إثارة الإنتباه وجذب المشاهدين ، عبر أسلوب الصدمة ، وذلك بإبراز نجم كبير في بداية الموسم ، ثم تكون حملة إعلامية له تخدم المنتج تدريجيّاً وتروج له على نطاق واسع .
إن شهر رمضان تحول إلى ساحة إعلانات ، وتباري الفنانون والمطربون في الحصول على السبق الإعلاني خاصة لشركات المحمول التي تقدم مجموعة من الممثلين مع مطرب أو مطربة في إستعراضات راقصة وأغنيات لمشاهير .
كما أن سوق الإعلانات باتت تشمل قطاع المعمار والتسويق للمنتجعات الفاخرة السياحية والساحلية ، ويجري الإعلان عنها بأبطال المسلسلات … وهذه الإحتفالية الغنائية الحركية الراقصة تُعرض في صور إستعراضات وأغان ، بين فواصل الأعمال الدرامية والبرامج على جميع القنوات والشاشات ، ما يتيح مساحة كبيرة من الإنتشار والشهرة ، ليس للمنتج ولا للشركات ، ولكنها شهرة وحضور إجباري للنجوم والنجمات .
لا أحد يستطيع أن ينكر أنه سبق وأن برزت مجموعة من أسماء الفنانين الشباب الواعدة ، والتي خرجت من بوابة الإعلانات التجارية ، وهو أمر ليس بجديد ، حيث سبق لنجوم كبار كانت الإعلانات هي طريقهم للنجومية ، ومن أبرزهم : ياسمين عبد العزيز ، والتي لمعت بشدة في الإعلانات في فترة التسعينيات ، كذلك : هيفاء وهبي ، وداليا البحيري ، وروبي ، كما سبق وأن لمع الفنان ” وليد فواز ” الذي ظهر في إعلان لإحدى شركات المحمول ، وكان للإعلان جملة شهيرة إنتشرت بعدها على مواقع التواصل الإجتماعي ، وهي ” هس السلعوة ” ،،، وغيرهم من الفنانات والفنانين .
وبالطبع جميعنا يعلم أن الإعلانات هى مصدر دخل للقنوات ، كما أنها دليل لمشاهدة عالية من المشاهدين للمسلسل أو البرنامج ، وكذلك جميعنا نعلم أيضاً أن الإعلانات تأثر سلباً بفقد المشاهد متعة متابعة المسلسل ، وأحيانًا ينسى الأحداث بسبب كثرتها ، بل تصل إلى نسيانه القناة التي كان يشاهدها … !!!
لذلك طالب الكثير من النقاد بأن تكون الإعلانات فى بداية ونهاية المسلسل حتى لا تقطع تركيز المشاهدين خاصة إذا ما كان المسلسل يتناول موضوعاً دينياً أو تاريخياً أو سياسياً أو من نوعية الأكشن ، إلا أنه لم يحدث تغيير ولم يتغير الحال أبداً .
حيث أنه من غير اللائق قطع متعة متابعة الأحداث للمشاهد ، وبخاصة لو كانت الأحداث سريعة فيها أكشن يتطلب التركيز ، إلا أن جهات الإنتاج ما زالت على إصرارها بأن تعرض الإعلانات كل خمس دقائق تقريباً ، ولهذا رأينا هذا العام أن معظم النجوم والفنانين والمطربين قد إتجهوا للمشاركة في الإعلانات بشكل طغى على المسلسلات .
وهناك ملاحظة أخرى هامة بالنسبة للإعلانات … وهي توهان المشاهد أحياناً وعدم معرفة السلعة أو المنتج المراد من الإعلان ، حيث إن التركيز يكون على الإستعراض أو الفنان أو على الأغنية وليس على مضمون الإعلان أو السلعة ، فرأينا هذا العام إعلانات متوالية ومتتالية يشارك فيها المشاهير أو النجوم مثل : يسرا وأحمد عز وعمرو دياب وياسمين عبد العزيز وأحمد الفيشاوي وكريم عبد العزيز ونيللي كريم ومنى ذكي وتامر حسني ومحمود العسيلي وشيرين رضا ويسرا اللوزي ومحمد ممدوح وأحمد حاتم ، والمطربات : إليسا وشيرين وروبي ومريم فارس ، وإعلانات المستشفيات الخيرية تشارك فيها : إسعاد يونس وسوسن بدر …
صحيح أنه قد حدث تطور فني في إخراج وتصوير وتقديم الإعلانات ، ولكن عموماً نلاحظ أن الإعلانات الحالية عامة تفتقر إلى التنوع والجاذبية والإبداع ، كما أنه يوجد المزيد من الأفكار الجديدة لم يجر إستخدامها بعد ومهجورة ، فضلاً عن أن العزف على أوتار الشفقة يزيد تدريجيّاً كل عام ، ووصل إلى ذروته العام الحالي …
إن الجمهور لا يكره الإعلانات ويطالب بمنعها … حيث أنه ليس رفضاً للإعلانات وإنما يطالب الجمهور بتنظيم عرضها في أول المسلسل وآخره .
كما أنه صار هناك حالة من الفزع والرعب لدى بعض الوكالات الإعلانية بسبب تغير خريطة الأجور بسبب تنافس شركات المحمول والشركات العقارية على التعاقد مع أشهر النجوم بأي سعر مما يضر بصناعة الإعلان الدرامي في مصر وقد شهدت الفترة الأخيرة إرتفاعاً جنونياً في أجور الفنانين بالإضافة إلى شروطهم التعجيزية .
في ظل هذا الإرتفاع الجنوني علاوة على إرتفاع أسعار الدقائق الإعلانية على بعض الفضائيات يجب تدخل المجلس الأعلى للإعلام لظبط المشهد الإعلاني في مصر ، وأن يضع حدود سعرية للتعاقد مع الفنانين لحماية هذه الصناعة مع وضع حدود سعرية أيضاً لأسعار دقائق الإعلانات وعدد مرات إذاعتها خلال الأعمال الدرامية في محاولة قد تكون الأخيرة لإنقاذ هذه الصناعة في ظل تواجد شركات إعلانات لبنانية بدأت تغزو السوق بالتعاقد مع فنانين عرب وبالأخص السوريين ، وكذلك الأتراك بأجور أقل بكثير جداً من الفنانين المصريين .
إرسال التعليق