أحمد عبد الصبور : إن مناقشة الدراما لقضايا المرأة يساعد على تغيير أوضاع كثيرة تخصها في المجتمع

أحمد عبد الصبور : إن مناقشة الدراما لقضايا المرأة يساعد على تغيير أوضاع كثيرة تخصها في المجتمع

مروة السوري

إستضافت قناة إذاعة البرنامج الثقافي على تردد (FM 91.50  ) المؤرخ والناقد الفني د. أحمد عبد الصبور في حلقة من برنامج ” بلا حدود “ وحديث عن ” تناول الدراما لقضايا المرأة ” .

البرنامج من تقديم المذيع / هاني عويس ، وإعداد / أماني الخولي ، وإخراج / د. ناهد الطحان .

 

وقد تحدث “ أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

إن وضع المرأة في الدراما المصرية دائماً ما يثير النقاش والجدل ، منذ بداية الخمسينيات وحتى الآن ، فهناك أعمال هامة إحترمت المرأة وألقت الضوء على الكثير من المشكلات التي تواجهها ودورها الوطني ومشاركاتها السياسية ، وهناك أعمال أخرى شوهت من صورة المرأة وحصرتها في أدوار الإغراء وتحقيق الشهوات والخيانة وسرقة الرجل من أسرته ، وخلافه .

 

كما إستطحبنا ” أحمد عبد الصبور ” في حديثه عن رحلة المرأة مع الدراما المصرية مستعرضاً تاريخ الدراما مع المرأة المصرية خاصةً منذ فترة الخمسينيات والستينيات وحتى يومنا هذا قائلاً :

 

فلنبدأ بفترة الخمسينيات والستينيات :

 

في هذه الفترة ظهرت أفلام سينمائية عن ثورة 1919 ، وإن كانت أفلاماً قليلة مثل : ” مصطفى كامل ” ، ” بين القصرين ” ، ” سيد درويش ” ، ولكن هذه الأفلام ألقت الضوء على دور المرأة في ثورة 1919 وخروجها إلى الميادين والمناداة بالإستقلال ، فكانت هذه الثورة بمثابة أول ظهور للمشاركة النسائية السياسية في مصر على إختلاف المستوى التعليمي لها والمستوى الإقتصادي والإجتماعي والدين والعمر .

 

كما بدأت السينما تشجع على خروج المرأة للعمل والتعليم ، ودورها في خدمة المجتمع ، وعلى سبيل المثال فيلم ” أنا حرة ” للفنانة ” لبنى عبد العزيز ” عام 1959 ، التي كانت تبحث عن حريتها في المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه ، إلى أن تكتشف أن هناك معنى للحرية أكبر من حريتها الشخصية وهي حرية الوطن .

 

أيضا الأديب الكبير ” نجيب محفوظ ” عبر عن نظرة المجتمع خلال فترة الإحتلال الإنجليزي وما قبل ثورة 1919 للرجل والمرأة والتفريق بينهما ، وإنحصار دور المرأة في التربية وخدمة الرجل ، فليس لها رأي وحرية في إختيار قرارها ، ومحور حياتها هو كيفية إرضاء الرجل فقط لا غير ، فهو ” سي السيد ” ( السيد أحمد عبد الجواد ) ، وهي ” الست أمينة ” ، فلا تخرج من بيت الزوجية إلا في حالتين الطلاق والوفاة .

 

وكذلك عبر ” نجيب محفوظ ” عن المرأة المصرية القوية ، وذلك في شخصية « زهرة » في فيلم ” ميرامار ” عام 1969 حيث يعتبرت أن ” زهرة ” هي أفضل رمز للمرأة المصرية بعد ثورة 1952 ، فهي المرأة التي إعتمدت على نفسها وسلكت طريقها في المجتمع وهي متسلحة بالعلم وبالثقة بالنفس وبالأخلاق وبالشجاعة والمثابرة وقوة الشخصية ، فهي تجسد الفلاحة التي تنزح من القرية إلى المدينة  الكبيرة الإسكندرية فى بداية الستينيات ، لأنها رفضت الخضوع للتقاليد البالية ، والزواج من رجل مسن وثري أراد أهلها أن يزوجوها له رغم إرادتها ( ويرمز هنا إلى الإستعمار الإنجليزي العجوز الذي طردته مصر ورفضت الخضوع له ) .

 

وأيضاً فيلم ” مراتي مدير عام ” في عام 1966 الذي تناول قضية حقوق المرأة والتركيز عليها وكيفية النظر إلى المرأة في وضع القيادة ، وتقبل الزوج لذلك في إطار كوميدي ولكنه يحمل رسالة ذات معنى .

 

وتأتي فترة السبعينيات :

وهنا نجد ظهوراً للعديد من الأفلام والمسلسلات التي تناولت قضايا المرأة مثل فيلم ” أريد حلاً ” للفنانة ” فاتن حمامة ” عام 1975 ، وكان نتاج هذا الفيلم تغيير قانون الأحوال الشخصية ، وفيلم ” لا عزاء للسيدات ” عام 1979 والذي ألقى الضوء على نظرة المجتمع السيئة للمرأة المطلقة ، وتأثير ذلك على المرأة والتحديات التي تواجها في حياتها ، ومسلسل ” هي والمستحيل ” الذى يقدم نموذج لإمرأة تتحدى الصعاب في حياتها من فقر وجهل حتى تحقق ذاتها .

 

وفي فترة الثمانينيات :

أنتجت أعمال درامية قدمت المرأة بشكل أكثر إيجابية وظهورها جنباً إلى جنب بجانب الرجل ، فقد كان إنعكاساً للمجتمع في هذه الفترة وخروج المرأة إلى العمل ومساعدة الزوج في تحمل أعباء الحياة … فظهر مسلسل ” هو وهي ” للفنانة ” سعاد حسني ” و ” أحمد ذكي ” عام 1985 ، الذي ناقش في كل حلقة قضية مختلفة من قضايا الرجل مع المرأة والعلاقات بينهما .

 

كما ظهرت الأم صاحبة المبادئ والمثابرة التي تجد إستثمارها في أولادها هو أنجح إستثمار في حياتها وذلك في مسلسل ” الشهد والدموع ” .

 

أيضاً إستمرت السينما المصرية في الإهتمام بقضايا المرأة فقد كان فيلم ” عفواً أيها القانون ” للفنانة ” نجلاء فتحي ” عام 1985 ، والذي تحدث عن قوانين الخيانة الزوجية وإختلاف العقوبة بين الرجل والمرأة في هذا الشأن ، وفيلم ” بريق عينيك ” للفنانة ” مديحة كامل ” و ” نور الشريف ” عام 1982 ، الذى تناول مساوئ قانون بيت الطاعة وإستخدام بعض الأزواج لهذا القانون لإذلال زوجاتهم ، وإهانتهم وقد تم إلغاؤه في قانون الأحوال الشخصية الجديدة .

 

وفي فترة التسعينيات :

نستطيع أن نصفها بأنها العصر الذهبي لظهور المرأة في الدراما التليفزيونية والسينمائية ، فقُدمت في إطار مثالي وقدوة لمن حولها ومربية للأجيال ، وذلك في مسلسل ” ضمير أبلة حكمت ” عام 1991 ، والفنانة ” سعاد نصر ” في ” يوميات ونيس ” عام 1994 ودور الأم التي تشارك زوجها كافة تفاصيل الحياة من تربية الأبناء والإرتقاء بهم وتحقيق طموحاتهم ، والعلاقة المحترمة التي كانت تسود حياتهم الزوجية .

وكذلك الفنانة ” هدى سلطان ” في شخصية ” فاطمة تعلبة ” في مسلسل ” الوتد ” عام 1996 حيث شاهدنا الأم ” فاطمة تعلبة ” وهي تربي أبنائها بأسلوبها الخاص وهدفها الأساسي هو تكوين عائلة كبيرة مترابطة وغير مفككة .

 

وللأسف مع بداية عام 2000 ، لم تنصف الدراما المرأة في كثير من الأحيان ، بل قللت من شأنها وشوهت منها ، فإنحصر الدور في معظم الأعمال كونها سلعة لتحقيق رغبة الرجل وإرضائه بأي شكل والتنافس مع غيرها من النساء للحصول عليه ، وكأنها سُلبت من طموحها وكيانها وذاتها .

 

ولكن هناك أعمال جيدة جداً مثل ” ذات ” التي ركزت على المرأة وكيفية تأثير التغيرات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية على وضع المرأة ، متناولاً التحديات المختلفة التي واجهتها عبر الحقب التاريخية المختلفة .

 

هذا بخلاف الأدوار التاريخية لبعض السيدات اللاتي أثرن في المجتمع المصري مثل : ” هدى شعراوي ” ، و ” صفية زغلول ” ، و ” أم كلثوم ” وغيرهن … وتم تجسيدها في الدراما المصرية في فترة التسعينيات والألفينات .

 

كما أستطرد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

كثيراً ما أثارت صورة المرأة في الدراما المصرية الجدل المصحوب بإنتقادات لما عُدّ على مدار عقود طويلة « تشويهاً لصورتها ، وتنميطاً لدورها » … لكن يبدو أن هذه الصورة شهدت تغيراً في الفترة الماضية ، من خلال أعمال ناقشت قضايا وُصفت بأنها « شائكة » خصوصاً مع نمو الإهتمام الرسمي بتعزيز حضور النساء .

وبينما ظلت صورة المرأة أسيرة للتنميط الدرامي خلال السنوات الماضية ، دخل تغيير ما على تلك السمات ، فهي إنسان يبحث عن ذاته في « البحث عن علا » ، وأمّ تعول أطفالها وإخوتها ، وإنسانة تبحث عن حقها في الميراث ، أو حتى حقها في التبني من خلال حلقات مسلسل « ليه لأ » و « إلا أنا » ، فيما عدّها النقاد محاولة « لمصالحة » المرأة المصرية بعد عقود من التشويه … لقد نجح مسلسل ( إلا أنا ) في تسليط الضوء على العديد من القضايا التي تخص المرأة بشكل كبير ، لقد قدم المسلسل ثمانية حكايات منفصلة ، وتتكون كل حكاية من عشرة حلقات ، وجميعها مقتبسة عن أحداث حقيقية ، وتتعرض لموضوعات متباينة تشغل بال المرأة في علاقتها بالمجتمع … وبالطبع لم يكن هذا المسلسل الوحيد الذي إهتم بقضايا المرأة في الفترة الأخيرة ؛ حيث يوجد العديد من المسلسلات الأخرى أبرزها : ( ضل راجل ) ، الذي إهتم بقضية العنف ضد المرأة ، و ( اللي ملوش كبير ) ركز على قضية النصب والإحتيال ، و ( الطاووس ) الذي تناول قضايا الإغتصاب ، و ( زي القمر ) الذي ناقش قضايا كثيرة مثل تأخر الزواج ، ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة ، وتدخل العائلات في الحياة الزوجية ، والمعاناة التي تتعرض لها الزوجة في تربية أولادها بعد وفاة زوجها ، ليصبح عام 2021 عام دراما المرأة بلا منازع .

 

 

كما أكد “ أحمد عبد الصبور ” على الدور الهام للمرأة المصرية في المجتمع ، قائلاً :

لطالما لعبت المرأة في مصر دوراً مؤثراً في السياسة والمجتمع المصري منذ عهد الدولة الفرعونية ، لذلك يتم الإحتفال بيوم المرأة المصرية في 16 مارس من كل عام … حيث يرتبط هذا التاريخ أيضاً بدعوة السيدة ” هدى شعراوي ” لتأسيس أول إتحاد نسائي في مصر عام 1923 ، كما حصلت المرأة المصرية على حق الترشح والإنتخاب في نفس التاريخ من عام 1956 .

 

إن يوم المرأة المصرية يأتي تخليداً لذكرى ثورة المرأة المصرية ضد الإستعمار البريطاني الغاشم ووقوفها بشجاعة أمام الغاصبين خلال ثورة 1919 المجيدة .

 

ففي يوم المرأة المصرية من عام 1919 ، تظاهر أكثر من 300 سيدة بقيادة المناضلة المصرية الكبيرة السيدة ” هدى شعراوي ” ، رافعات أعلام الهلال والصليب ضد الإحتلال البريطاني وجنوده الغاصبين ، والذين ما كان منهم إلا وأن أطلقوا نيران الضعف أمام قوة يوم المرأة المصرية ، ما أسفر عن سقوط مجموعة من الشهيدات .

 

ومن أعظم الشهيدات اللاتي خلدن أسماءهن في يوم المرأة المصرية ” نعيمة عبد الحميد ، وحميدة خليل ، وفاطمة محمود ، ونعمات محمد ، وحميدة سليمان ، ويمنى صبيح ” .

وعقب تلك الملحمة التاريخية ، تم الإعلان عن تأسيس أول إتحاد نسائي في مصر ، بقيادة ” هدى شعراوي ” في يوم المرأة المصرية 16 مارس 1923 ، حيث طالب الإتحاد برفع مستوى المرأة المصرية ، لتحقيق المساواة السياسية والإجتماعية للرجل .

 

وتكللت تلك الجهود بإنتصار جديد في يوم المرأة المصرية ، ففي 16 مارس من عام 1928 ، دخلت أول مجموعة من الفتيات إلى جامعة القاهرة للدراسة بها ، حيث كان لا يُسمح لهن من قبل .

ليس هذا فحسب ، بل إنه في مثل هذا اليوم يوم المرأة المصرية من عام 1956 ، حصلت المرأة المصرية للمرة الأولى على حق الإنتخاب والترشيح بعد إقرار دستور 1956 .

 

وخلال تلك الفترة حصلت أول فتاة مصرية على شهادة ليسانس الحقوق ، وسُجل إسم ” منيرة ثابت ” في جدول المحامين أمام المحاكم المختلطة في يوم المرأة المصرية 16 مارس عام 1924 ، بإعتبارها أول محامية مصرية وعربية .

وفي 16 مارس عام 1956 ، يوم المرأة المصرية ، أصبحت المرأة المصرية عضواً برلمانياً بعدما سمح الدستور لها بالترشح ، ومنحها أيضاً الحق في التصويت بإنتخابات البرلمان .

 

وأول من نجحتا في الإنضمام لعضوية البرلمان المصري في يوم المرأة المصرية كانتا ” أمينة شكري ، و راوية عطية ” ، ليفتح ذلك التاريخ الباب لإنضمام العشرات من المرأة المصرية بعد ذلك .

 

وفي ختام الحلقة نوه ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

إن مناقشة الدراما لقضايا المرأة يساعد على تغيير أوضاع كثيرة تخصها في المجتمع ؛ لأن أغلب الأعمال تساعد المرأة على تحقيق كيان خاص لها في المجتمع لكي تحصل على حقوقها وتحقق ذاتها .

 

إن أعظم ما تقوم به الدراما أن تكون لمّاحة ترصد قضايا المجتمع وتحاول البحث عن حلول لها ، ونلاحظ أن فيها نفاذَ بصيرة وإجتهاداً شديداً لكتّاب ومخرجين وصُناع الدراما وأمامهم الطريق ممهد لتقديم مزيد من القضايا التي تهم الأسرة والمجتمع ، ونلاحظ أن القضايا الإجتماعية المثارة في المجتمع وتركيز الضوء عليها بشكل قرَّبها من المُشاهد ، فالدراما سلاح قوى جداً لمحاولة إيجاد حلول لمشكلاتنا وقضايانا المختلفة وخاصة القضايا التي تخص المرأة .

إرسال التعليق