عودة الاحتلال الأجنبي إلى مصر
كتب مصطفى عماره
عندما أنهت مصر مشروع قناة السويس والذي دفعت من أجله آلاف العاملين ماتوا بالسخرة في حفر قناة السويس واستدانت مصر من أجله ملايين الجنيهات وهو ما أتاح للدول الكبرى وعلى رأسها انجلترا وفرنسا التدخل في الشئون المصرية أقام الخديوي إسماعيل حفل أسطوري في إفتتاح القناة حضره ملوك ورؤساء الدول الأوروبية وعلى رأسهم الملكة أوجيني ملكة فرنسا واضطرت مصر إلى بيع حصتها في القناة وشكلت لجنة من الدول الأوروبية لمراقبة الاقتصاد المصري لضمان سداد الديون وتطورت الأوضاع حتى أنتهى بمصر إلى الإحتلال الإنجليزي لمصر والذي استمر قرابة السبعين عاما تخلل هذه الفترة ثورات من جانب الشعب المصري ضد الإحتلال قادها زعماء أمثال مصطفى كامل وسعد زغلول ومحمد فريد وهي الثورات التي ايقظت المشاعر الوطنية في نفوس الشعب المصري ودفعتهم إلى مزيد من المقاومة للاحتلال وإن تنوعت أساليبه فلم يقتصر الأمر على العمليات الفدائية التي يقوم بها الشباب المصري بل امتدت إلى محاولة تحرير اقتصاد البلاد من الهيمنة الأجنبية بعد أن أدرك الشعب أن الاستقلال السياسي لا ينفصل عن تحرير الاقتصاد من الهيمنة الأجنبية وكان من أبرز من قاد هذا النضال الاقتصادي المصري طلعت حرب والذي قام بتمصير الاقتصاد المصري من خلال شراء البنوك والشركات التي تشكل عصب الاقتصاد كالبنك الأهلي وبنك مصر ومهدت تلك الخطوة لثورة يوليو عام 1952 والتي قادها الزعيم الراحل عبد الناصر والذي استكمل ما قام به طلعت حرب حيث أمم الشركات والبنوك الأجنبية وعلى رأسها شركة قناة السويس كما أقام صناعة وطنية كمصنع الحديد والصلب ومصانع الغزل والنسيج والكوك والأسمدة والصناعات الحربية ورفض عبد الناصر المحاولات الاستعمارية من الدول الغربية واداته المتمثلة في صندوق النقد الدولي لمنح مصر قروض لتمويل السد العالي مقابل تنازل عن إرادتها السياسية وكانت وفاة الزعيم الراحل عبد الناصر بمثابة صدمة قاسية للشعب المصري والعربي لأنه كان يمثل بالنسبة لهم رمز للإرادة والتحرر الوطني من كافة أشكال الذل والاستعباد والسيطرة الأجنبية وعندما نشرت صورة أبناء الشعب وهم يبكون على نعش الرئيس أدركت الآن أن هذا البكاء ليس على شخص قد مات فكلنا زائلون ولكنه كان يبكون من إحساس داخلي بأنه لن يستطيع رئيس أن يعوض رحيل هذا القائد الوطني الذي لا زالت تعتبره الشعوب العربية رمزا لا يموت ويبدوا أن الجماهير العربية كانت محقة في هذا الإحساس إذ قام خلفه الرئيس الراحل أنور السادات بوضع اللبنة الأولى في خصخصة القطاع العام لينهي بذلك المكتسبات التي حصل عليها الشعب في عهد عبد الناصر ولم يكن ذلك غريبا لأن توقيع السادات لمعاهدة كامب ديفيد كامت بداية للهيمنة السياسية والاقتصادية واستمرت تلك السياسة في عهد مبارك مما أدى إلى سيطرة مجموعة من رجال الأعمال الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية ورغم الأوضاع الصعبة التي عاشتها مصر عقب ثورة يناير إلا أن الشعب بدأ ينظر بعين الأمل في المستقبل عقب استقرار الأوضاع بعد سيطرة القوات المسلحة على الوضع وتولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم وتدفق الاستثمارات الخليجية على مصر إلا أن هذه الآمال تبخرت بفعل القرارات الإقتصادية والسياسية الخاطئة فبدلا من إقامة مشروعات صناعية تستوعب الطاقة العاطلة وتزيد من الدخل القومي انفقت المليارات على مشروعات تفيد الطبقة الثرية على حساب الطبقة الفقيرة كالعاصمة الإدارية والقصور الرئاسية وغيرها وعلى المستوى السياسي تقاعست مصر في حماية أمنها المائي مما مكن أثيوبيا من استكمال بناء وملئ سد النهضة ومع تراكم الديون اضطرت مصر إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي حتى تراكمت الديون الخارجية حتى وصلت أكثر من 150 مليار دولار وبشروط قاسية ترهق كاهل المواطن البسيط وعندما لم تكفي القروض لسداد الديون وفوائدها لجأت مصر إلى بيع الأصول والأراضي لدول أخرى وشمل البيع تملك الأراضي في مناطق حدودية تمس الأمن القومي وبيع شركات ومصانع لدول خليجية وعلى رأسها الإمارات وقطر ورغم ترحيبنا بالاستثمارات العربية التي تشكل دعما للاقتصاد المصري إلا أننا ننظر بعين من الريبة إلى صلات تلك الدول بالعدو الصهيوني الذي يمكنه السيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري بطريقة غير مباشرة وعودة الاحتلال الأجنبي لمصر وتمرير أجندات سياسية واقتصادية واجتماعية تهدد البنيان الاجتماعي للمجتمع ولعل الجرائم التي نراها الآن لهي خير شاهد على ذلك .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق