مع استمرار ثورة الشعب الإيراني ضد نظام الملالي د/ شريف عبد الحميد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية في حوار خاص للزمان
- اندلاع ثورة الشعب الإيراني في هذا التوقيت ناتج من يأس الشعب الإيراني من احتمالية حدوث أي تغيير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية وليس نتاج مؤامرة خارجية كما يدعي هذا النظام .
- قضية الأحواز تعاني من التهميش في العالم العربي على المستوى الرسمي والشعبي رغم أهميتها في الضغط على عصابة الملالي التي تحكم طهران .
- هناك علاقات سرية بين إيران وإسرائيل منذ عقد الثمانينات من القرن العشرين رغم أن الظاهر على السطح هو وجود عداء صارخ .
على الرغم من استخدام نظام ملالي في إيران لأقصى درجات القمع لإخماد ثورة الشعب الإيراني إلا أن تلك الثورة استمرت وتصاعدت في ظل الإحباط الذي يعاني منه الشعب الإيراني من إحداث تغيير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وفي ظل تلك الأوضاع المتردية التي تشهدها إيران أدلى د. شريف عبد الحميد رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية ورئيس تحرير مجلة شؤون إيرانية والذي صدرت له مؤخرا كتاب العمائم السوداء مؤامرات ملالي إيراني على العالم العربي بحوار خاص تناول فيه وجهة نظره عن مجمل الأوضاع في إيران وتداعياتها في المستقبل وفيما يلي نص الحوار :-
1- ما هو تحليلك لأسباب تفجر الاحتجاجات في هذا التوقيت؟ وهل تقف ورائها أيادي خارجية كما تدعي إيران؟
في تقديري أن الاحتجاجات تفجرت في هذا التوقيت، لأن الشعب الإيراني أصبح يائسا من احتمالية حدوث أي تغيير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، خصوصا بعد وصول مفاوضات البرنامج النووي الإيراني مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى إلى طريق مسدود، وضياع أمل إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ما يعني استمرار هذه الأوضاع التي تُثقل كاهل المواطنين، والتي تتفاقم يوما بعد يوم.
صحيح أن وفاة الشابة الكردية مها أميني كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الاحتجاجات، أي أنها انطلقت من سبب اجتماعي محض، وهو الرغبة في تغيير أوضاع الإيرانية التي تعاني التمييز ضدها على أيدي نظام الملالي، غير أن “انتفاضة المرأة” هذه سرعان ما تحولت إلى احتجاجات سياسية، ليس للمطالبة بتحسن أوضاع النساء فقط، ولكن للمطالبة بوضع حد لحكم الملالي الذي يحكم البلاد منذ نحو 43 عاما بالحديد والنار.
أما عن الزعم بأن هناك “أياد خارجية” تقف وراء الأعمال الاحتجاجية، كما يدعي النظام، فهو ادعاء لا أساس له من الصحة، ويُراد به صرف الأنظار عن الواقع المؤلم الذي يعيشه المواطنون، فهناك أسباب داخلية للانتفاضة الأخيرة، أهمها – كما أسلفنا- هو تريد الأوضاع المعيشية في البلاد، بعد أن شارف سعر الدولار على 37 ألف تومان. وقد بات واضحا للجميع أن الأزمة الاقتصادية الحالية هي الأسوأ منذ قيام نظام ما يعرف بـ “الجمهورية الإسلامية”.
2- هل تتوقعون أن تنجح تلك الاحتجاجات في الإطاحة بالنظام الإيراني الحالي؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لتلك الأحداث؟
من المعلوم أن موجة الاحتجاجات المتصاعدة التي تهز إيران منذ 16 سبتمبر الماضي، حتى الآن، ليست هي المرة الأولى التي يواجه فيها النظام اضطرابات جماعية، فقد انتفض الشعب الإيراني في وجه الملالي مرارا، وكان أخطر هذه الانتفاضات هو “الحركة الخضراء” عام 2009، غير أن الملالي نجحوا في السيطرة على معظم الاحتجاجات، لأن كانت احتجاجات متفرقة مكانيا وزمانيا، ولم يُكتب لها الاستمرارية حتى سقوط النظام.
ولذلك، لا أتفق مع آراء بعض الخبراء الذين يرون أن الاحتجاجات الواسعة التي وصلت لنحو 140 مدينة وقرية إيرانية، ربما تؤدي في النهاية إلى سقوط نظام حكم رجال الدين، الذي يسيطر على السلطة منذ عام 1979، لأن هناك جماعات مصالح كبرى مرتبطة بهذا النظام، على رأسها “حرس الثورة”، ليس من مصلحتها نهاية حكم رجال الدين، ومن البديهي أن 43 عاما في سدة الحكم تعني رسوخ أقدام الملالي في السلطة، واكتسابهم خبرات واسعة في التعاطي مع أعمال الاحتجاج المتوالية.
وأما عن السيناريوهات المستقبلية المحتملة للأحداث، فأرى أنها تتوقف على عدة عوامل، أو أسئلة إن شئنا الدقة، منها: هل هذه الاحتجاجات في منطقها العام تطالب بالإصلاح من داخل النظام، أم هي تطالب بتغيير النظام ذاته؟ ثم إذا كان الإصلاح المستهدف بهذه الاحتجاجات هو تغيير النظام ذاته ابتداء؛ فما هي حدود هذا التغيير؟ هل هو تغيير الأشخاص المتنفذين القائمين عليه؟ وفي حال تغييرهم؛ هل يجري استبدالهم بغيرهم من الأيديولوجيا ذاتها أم من غيرها. ومثل هذه الأسئلة لا يستطيع الإجابة عنها سوى الشعب الإيراني وحده.
3- على الرغم من أن الأضواء مسلطة على ما يجري حاليا في إيران إلا أن قضية الأحواز تعاني من التجاهل والتهميش حتى من جانب العالم العربي.. فما هي أسباب ذلك ؟
الحقيقة أن قضية الأحواز تعاني منذ زمن طويل من التجاهل، وتتسم مواقف العالم العربي في الأغلب الأعم بالسلبية، باستثناء موقف الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي طلب من جامعة الدول العربية في ديسمبر 1964 تشكيل لجنة تقوم بإدارة وبحث أوضاع الخليج العربي، ومن ضمنه إقليم الأحواز، وقامت هذه اللجنة بتغيير اسم الإقليم من “خوزستان” إلى عربستان “الأحواز”، وركزت اللجنة على ضم عربستان إلى العالم العربي، لكنها لم تفلح في تنفيذ هذا المسعى القومي.
كما تلقى المناضلون الأحوازيون من أجل الاستقلال، دعما من العراق خلال “حرب الثماني سنوات” مع إيران، لكن هذا الدعم سرعان ما تبخر بعد انتهاء هذه الحرب بوقف إطلاق النار عام 1988، بمعنى أن القضية الأحوازية كان تُستخدم كورقة ضغط على النظام الإيراني، وليس عن قناعة أصيلة لدى الجانب العراقي بكونها قضية قومية، مستمرة منذ احتلال الإقليم عام 1925، أي قبل قضية فلسطين ذاتها.
ومنذ احتلال الأحواز حتى اليوم، لاتزال قضية الأحواز العربية مغيّبة تماما عن خريطة الاهتمامات العربية، لأسباب كثيرة، تارة بسبب الطمس الثقافي والقومي الذي تُمارسه إيران ضد هذا الإقليم وضد سكانه العرب، وتارة أخرى للتجاهل الإعلامي العربي والدولي لهذا الإقليم العربي، وتارة للظروف الإقليمية والعربية التي كانت منشغلة في قضايا أخرى على حساب هذه القضية المهمة في إطار النظام الإقليمي العربي، وذلك رغم أن عرب الأحواز يشاركون أشقاءهم العرب في كل همومهم ومشكلاتهم وأحزانهم، ويتظاهرون مع كل هبوب أزمة عربية هنا أو هناك، مقابل تناسي وإغفال عربي رسمي وشعبي لقضيتهم العادلة.
4- هل ترى أن العالم العربي يمكنه استخدام قضية الأحواز كخط دفاع أول أمام الأطماع الإيرانية في المنطقة؟
بالطبع، يمكن استخدام قضية الأحواز كخط دفاع أول أمام الأطماع الإيرانية، ويمكن من خلالها الضغط على عصابة الملالي التي تحكم طهران، بحيث تكون هي القشة والعصا التي تؤثر على مسيرة الحكم في طهران، فهي من الناحية الجغرافية تعتبر الجبهة الوحيدة المطلة على الخليج العربي والأرض الحاملة للموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة، بالإضافة إلى أنها تسهم بنصف الناتج القومي الإيراني.
ومن المؤسف أن العرب لم يحسنوا استخدام ورقة الأحواز من أجل ممارسة ضغوط على إيران، التي تلعب بكل ما لديها من أوراق ضدهم. وأعتقد أن هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها، لاستخدام قضية الأحواز كخط دفاع ضد الأطماع الإيرانية في المنطقة، تبدأ بمد سُبل التواصل مع الإقليم العربي، سواء اجتماعيا، أو ثقافيا، أو سياسيا من أجل تحفيزه على الصمود والتمسك بهويته، والتعريف بهذه القضية في المناهج الدراسية بالبلاد العربية المختلفة، وإثارة القضية الأحوازية في المحافل الدولية، حتى يعلم الجميع أن العرب يقفون خلف المناضلين الأحوازيين بكل ما لديهم من إمكانيات وموارد.
5- ترددت أنباء عن مخطط إيراني لغزو السعودية بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، فما هي حقيقة ذلك؟
هذا كلام لا أساس له من الصحة، يتردد بين الحين والآخر، روجت له صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في أكتوبر الماضي، مشيرة إلى وجود “معلومات استخبارية” بشأن هجوم إيراني وشيك على أهداف في السعودية، وهو الأمر الذي ثبت عدم صحته، أن هجوما من هذا القبيل سيكون تصرفا غير عقلاني بالرمة من قادة إيران الذين يسعون إلى تحسين علاقاتهم مع دول الإقليم بشكل عام.
وهذا الكلام ليس بجديد، ففي عام 2015 زعم رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر، أن النظام الإيراني يخطط لتحريك ميليشيات عراقية باتجاه الحدود العراقية مع السعودية والكويت، ردا على «عاصفة الحزم» ضد جماعة الحوثي في اليمن.
وفي تقديري أن إيران التي تعاني حاليا من أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة، ومن عزلة دولية خانقة، لا تمتلك أي إمكانيات عسكرية أو لوجستية لغزو أي دولة في المنطقة، فما بالنا بدولة إقليمية كبرى مثل السعودية؟!
6- لماذا الإصرار الإيراني على تطبيع علاقاتها مع مصر؟
لا شك أن النظام الإيراني يرغب بشدة في تطبيع علاقاته مع مصر، لكونها حلقة وازنة بين كبريات الدول الإسلامية، ونظرا إلى موقعها الجغرافي والسياسي، فضلا عن نفوذ مصر الكبير في الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
ويرى نظام الملالي أن تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع مصر، كفيل بقطع الطريق على الأطراف التي تراهن على وضع القاهرة في “المعسكر المعادي” لإيران، وفق رؤية الملالي.
وسبق أن أعربت طهران عن رغبتها بإقامة علاقات طبيعية مع القاهرة عقب وفاة الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981، حيث أوفد المرشد الأعلى علي خامنئي عددا من كبار المسؤولين الإيرانيين إلى القاهرة، خلال حقبتي حسني مبارك ومحمد مرسي لإعادة العلاقات الدبلوماسية، إلا أن الجانب المصري لم يبد رغبة مماثلة لتجاوز الخلافات بين البلدين، نظرا لعلاقات مصر الوطيدة مع دول الخليج العربي التي تضررت بشدة من أطماع إيران، وعلى رأسها السعودية، وذلك في ظل القلق الخليجي من تمدد النفوذ الإيراني بالمنطقة، خاصة في اليمن والعراق وسوريا.
7- في ظل التهديدات المتبادلة والأعمال العدائية بين إسرائيل وإيران ، فما هي طبيعة العلاقات بينهما خاصة في ظل الأنباء التي أشارت إلى تعاون سري بين البلدين؟
يعلم القاصي والداني أن هناك علاقات سرية ممتدة منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين بين طهران وتل أبيب، وذلك رغم أن الظاهر على السطح هو وجود “عداء صارخ” بينهما. وثمة اجتماعات سرية كثيرة عُقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية، اقترح خلالها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين، من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة، كان منها اجتماع “مؤتمر أثينا” في عام 2003 والذي بدأ مؤتمرا أكاديميا، وتحول فيما بعد إلى منبر للتفاوض بين الجانبين.
وعلى عكس التفكير السائد، فإن إيران وإسرائيل ليستا في حالة “صراع أيديولوجي”، بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل. وهناك اتفاق غير مكتوب بين إيران من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، يسمح لإيران بالتمدد واستعداء العرب للتخفيف من العداء العربي لإسرائيل. وبدلا من أن تظل إسرائيل هي العدو الوحيد للعرب في المنطقة، تتقاسم العداء مع إيران، بحيث يخف الضغط على إسرائيل.
والعلاقة بين إيران وإسرائيل علاقة معقدة، يصعب تصنيفها في “التعاون الخفي” فحسب، فهي علاقة أنداد يلعب فيها كل طرف على تناقضات السياسة الإقليمية والدولية، فيستفيد كل منهما من الآخر وقت الحاجة، ويناور أحدهما الآخر أحيانا ليصبح قوة إقليمية ودولية كبيرة.
8- ماذا عن العلاقات الروسية الإيرانية خاصة في الملف السوري والتعاون بين البلدين في الحرب الأوكرانية ؟
جأرى أن العلاقات الروسية- الإيرانية علاقات معقدة، وأنها كانت مدفوعة خلال الأعوام الأخيرة بتداخل المصالح، التي دفعتهما إلى التعاون أحيانا، كما حدث في الملف السوري، والتنافس أحيانا أخرى، مع العلم أن العلاقة بين الجانبين بدأت تتعزز في عهد الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي.
ومن جهة، لدى نظام الملالي مخاوف بشأن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان، وهو ما يدفعهم إلى التعاون مع موسكو. ومن جهة ثانية، تعاملت روسيا مع إيران باعتبارها جزءاً من مشروعها الاستراتيجي الهادف إلى تحدي سيادة الولايات المتحدة، إلى جانب تعزيز مكانتها الإقليمية، والاعتراف بها كقوة عظمى.
كما يلعب البرنامج النووي الإيراني دورا بارزا في سياسة روسيا الخارجية تجاه الولايات المتحدة، فرغم امتثال روسيا إلى حد بعيد للعقوبات الدولية على إيران، فإنها تتخوّف من حدوث تقارب في العلاقات بين إيران من جهة، والولايات المتحدة ودول أوروبا من جهة أخرى.
ويقوم التعاون بين البلدين في الحرب الأوكرانية، على اعتقاد جازم لدى عدد من القادة الإيرانيين، بأن اجتياح روسيا لأوكرانيا يمكن أن يهز بنية النظام الدولي، بطريقة تصب في مصلحة إيران في نهاية المطاف.
حاوره/ مصطفى عمارة
إرسال التعليق