حكومة السوبر ماركت
عندما قامت ثورة يوليو المجيدة بقيادة الزعيم الراحل عبد الناصر وضعت الثورة مبادئ ستة حددت فيها أهدافها وتوجهاتها في المرحلة المقبلة والتي تركزت في إحدى مبادئها على تحقيق العدالة الاجتماعية بما يحقق رفع المعاناة عن الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين والطبقة المتوسطة التي عانت من الظلم والاضطهاد قبل قيام الثورة ومن هذا المنطلق وزعت الثورة الأراضي على الفلاحين وحددت الملكية وكرست مفهوم التعليم المجاني ليس فقط بالمساواة في التعليم بين الطبقة الغنية والفقيرة بل بضمان توظيف خريجي الجامعات والتعليم المتوسط عقب اتخرج كما سعت لتوفير السكن بسعر مناسب للمقبلين على الزواج ومنعت استغلال القطاع الخاص للساعين للحصول على وحدة سكنية بمنع خلو الرجل ، كما أقامت المستشفيات لتوفير العلاج للطبقات الفقيرة فضلا عن إنشاء النوادي والساحات الشعبية لإتاحة الفرصة للشباب للحفاظ على الصحة العامة وكان من ضمن أهداف الثورة تحول مصر من دولة زراعية إلى دولة صناعية نظرا لمحدودية الأرض الزراعية فبنت عشرات المصانع الحيوية وعلى رأسها مصنع الحديد والصلب والمصانع الحربية إلا أنه بعد وفاة عبد الناصر وتوقيع مصر معاهدة كامب ديفيد وتولي السادات مقاليد الحكم سعت مصر إلى تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي والتي كانت بداية انقلاب في توجهات الدولة على الصعيدين الداخلي والخارجي فعلى الصعيد الخارجي وطبقا لمعاهدة كامب ديفيد بدأت مصر رويدا رويدا في الانسلاخ عن محيطها العربي والتطبيع مع الكيان الصهيوني ودعم علاقتها مع الدول الخليجية طمعا في الحصول على الأموال الخليجية لدعم الاقتصاد المصري والتحول من سيطرة القطاع العام إلى القطاع الخاص وعلى الصعيد الداخلي سعت الدولة إلى خصخصة القطاع العام والذي مكن رجال الأعمال من السيطرة على مفاصل الاقتصاد القومي ومع مرور الوقت تعمقت تلك السياسة في عهد مبارك ورغم الآثار السلبية لتلك السياسة على الطبقات المتوسطة والفقيرة إلا أن الدولة المصرية ظلت إلى حد ما مسيطرة على الوضع الاقتصادى لحماية الطبقات الفقيرة من انفلات الأسعار بصورة تؤدي إلى إنهيار ما تبقى من حياة كريمة لتلك الطبقات كما لم تفلح ضغوط صندوق النقد الدولي في إجبار الدولة المصرية على الانصياع لشروطه والتي كانت ستؤدي في النهاية إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار ، ومع انهيار حكم الإخوان وتولي المؤسسة العسكرية بقيادة الرئيس السيسي مقاليد السلطة تفاؤل غالبية المصريين بحياة جديدة يتم خلالها تجاوز سلبيات المراحل الماضية خاصة مع وعود الرئيس السيسي بتوفير حياة كريمة للمواطنين خلال أعوام قليلة إلا أن تلك الآمال تبخرت رويدا رويدا حيث تفاقمت الأوضاع على الصعيد الخارجي والداخلي فعلى الصعيد الخارجي تفاقمت أزمة سد النهضة بعد أن تهاونت مصر في إتخاذ موقف حاسم تجاه مماطلات أثيوبيا في ملف سد النهضة والذي مكنها من ملئ السد عدة مرات معرضة أمن مصر المائي لافدح الأخطار وعلى الصعيد الداخلي أنفقت الدولة مليارات الجنيهات على مشاريع إنشائية لن يستفيد منها سوى الطبقات الثرية بدلا من إقامة مشروعات إنتاجية توظف الشباب العاطلين وتدعم قدرة الدخل القومي على مواجهة الأزمات بل عمل النظام على خصخصة المصانع وبيعها مضحيا بثروة مصر القومية ومع تفاقم الأزمة الإقتصادية لجأ النظام إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي لمواجهة عجز الموازنة ومن المعروف أن صندوق النقد الدولي مؤسسة سياسية قبل أن تكون مؤسسة اقتصادية تسيطر عليها الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والتي تهدف في المقام الأول إلى السيطرة على سياسة الدول المدينة وبالفعل وضع البنك شروط قاسية على مصر تمس سيداتها واستقلالها الوطني أدت في النهاية إلى إنهيار قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار وارتفاع الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل ، وبدلا من أن يراجع النظام سياسته الخاطئة التي أدت إلى تلك الكارثة لجأ إلى بيع أصول الدولة الإستراتيجية وتحميل الطبقات الفقيرة أعباء إضافية حتى أصبحت الحكومة مثل محلات السوبر ماركت التي تسعى إلى تحصيل اعبائها من الشعب والتجارة في اقواتهم حتى أصبحنا على مشارف ثورة جياع تأكل في طريقها الأخضر واليابس فهل تراجع الحكومة أخطائها قبل أن تحدث كارثة سنخرج منها جميعا خاسرون .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق