ثمن الخيانة

ثمن الخيانة

كتب مصطفى عماره

​لم يكن الإتفاق الذي توصل إليه وزير الخارجية الإسرائيلي مع عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني لتطبيع العلاقات بين البلدين مفاجئا بل جاء نتاج للتنازلات المصرية ألتي بدأها الرئيس الراحل أنور السادات في إتفاقية كامب ديفيد والذي قبل فيها عودة سيناء منزوعة السلاح وانسلاخها عن محيطها العربي بقبولها إنهاء حالة الحرب مع العدو الإسرائيلي مما أتاح له الاستفراد بدول المنطقة الواحدة تلو الأخرى في العراق ولبنان وفلسطين حتى تتمكن من الانفراد بمصر ، ويبدو أن هذه الاتفاقية احتوت أيضا على بنود سرية فيما يتعلق بالتوجه إلى خصخصة طاقة مصر الإنتاجية من خلال بيع المصانع والقطاع العام والتي تملكها مجموعة من رجال الأعمال الذين نهبوا ثروة مصر لتحقيق أجندات خاصة على حساب الطبقة الكادحة من شعب مصر ، ورويدا رويدا بدأت أبعاد هذا المخطط حيث أعلنت إسرائيل اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وقيامها بضرب المفاعل النووي العراقي دون أن تحرك ساكنا لأنها مكبلة باتفاقية كبلت دورها في المنطقة كما تزايدت سيطرة رجال الأعمال على الاقتصاد المصري خاصة بعد أن تقلص دور مبارك في السنوات الأخيرة من عهده وسيطرة جمال مبارك واحمد عز بالتعاون مع مجموعة من رجال الأعمال على الاقتصاد المصري محققين ثروات طائلة بالنهب واستغلال النفوذ ، ورغم تلك الأوضاع المأساوية التي أضرت بمكانة مصر إلا أن الرئيس مبارك أراد أن يحافظ على البقية الباقية من مكانة مصر والحفاظ على مقدراتها من خلال عدد من المواقف على الساحة الداخلية والخارجية فقام بسحب السفير المصري من إسرائيل أثناء حربها على لبنان واستقبل ياسر عرفات على على الأراضي المصرية كما أتخذ موقف حازم تجاه محاولات أثيوبيا بناء سد على النيل كما أتخذ موقفا صلبا في مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي حفاظا على مصالح ومقدرات الطبقة الكادحة إلا أن تزايد نفوذ رجال الأعمال بقيادة جمال مبارك والتي انتهت بتزوير آخر انتخابات لمجلس الشعب المصري عجل بنهاية مبارك وقامت ثورة يناير والتي رفعت شعارات عيش حرية وعدالة اجتماعية إلا أن تسلق بعض القوى وعلى رأسها الإخوان وصراعها مع الجيش أدى إلى انحراف مسار الثورة وانتهى الصراع بين المؤسسة العسكرية والإخوان بسيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة بقيادة الرئيس السيسي وتفائل الشعب المصري خيرا بأن تكون قيادة السيسي بداية لعهد جديد من الاستقرار والرخاء خاصة مع وعوده بتحقيق الرخاء خلال سنوات قليلة خاصة مع تدفق المعونات الخارجية خاصة الخليجية على مصر إلا أن تلك الآمال تبخرت بعد تبديد تلك المعونات في مشاريع لا تخدم سوى الطبقة الثرية كالعاصمة الأدارية بدلا من إقامة مصانع لتشغيل الشباب كما استشرى الفساد بصورة غير مسبوقة ولجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي والذي تديره دول كبرى معادية لمصر وعلى رأسها الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل ، ومع تزايد اعتماد مصر على القروض زادت الأعباء على الاقتصاد المصري والتي انعكست على زيادة الضرائب والاعباء على الطبقات الفقيرة في محاولة لسداد فوائد تلك القروض كما بدأت الدول الخليجية في التخلي عن مصر بعد أن لمست سوء استخدام المعونات التي قدمتها إليها وكان من نتاج ذلك أن واجهت مصر أزمة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية فضلا عن الاتجاه لبيع أصول ومنشآت حيوية لدول أخرى كالامارات التي اصبحت رأس حربة لإسرائيل في المنطقة وهو الأمر الذي يهدد بسيطرة إسرائيل على الاقتصاد القومي وانعكس فقدان مصر لسيطرتها على القرار الاقتصادي فقدانها السيطرة أيضا على قرارها السياسي بعد أن وققت موقفا ساكنا وأثيوبيا تقوم بملئ سد النهضة دون أن تتخذ قرار حازم يردع أثيوبيا التي تهدد ثروة مصر المائية كما وقفت موقف اللامبالاة وهي ترى دول عربية الواحدة تلو الأخرى تطبع مع الكيان الصهيوني وكان آخرهم السودان مما شكل تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري ولاشك أن تلك الأوضاع المزرية التي تمر بها مصر حاليا والتي تهدد بثورة جياع لا يعلم مداها إلا الله تتطلب من الرئيس السيسي إعادة تقييم الأوضاع وإسناد الأمور إلى حكومة من التكنوقراط تكون قادرة على وضع حلول لتلك الأزمة بعد أن أثبتت التجارب عبر التاريخ أن حكم الفرد أدى بنا إلى كوارث والتي كان آخرها هزيمة عام 1967 فهل نستفيد من تجارب الماضي قبل أن يضيع كل شيئ وعندئذ لن ينفع الندم ولن تجدي الدموع .

Previous post

مع بدء فاعليات ورشة الحوار السوداني – السوداني طارق الوكيل وكيل المخابرات المصرية: مصر لا تتدخل في الشأن السوداني والقوى المشاركة في الحوار يؤكدون دور القاهرة في إنجاح هذا الحوار

Next post

بعد حصولها على جائزة لجنة التحكيم في أوسكار المبدعين العرب الشاعرة والأديبة السورية مجد غسان حبيب في حوار خاص

إرسال التعليق