كارثة زلزال سوريا وذكريات الوحدة بين مصر وسوريا

كارثة زلزال سوريا وذكريات الوحدة بين مصر وسوريا

 

أعادت كارثة زلزال سوريا والتي راح ضحيتها آلاف السوريين ذكريات الوحدة بين مصر وسوريا تمتد قرابة الخمسة وستين عاما تعرضت سوريا لمخاطر الغزو التركي والتي حشدت قواتها على الحدود السورية التركية وهددت باحتلالها في الوقت الذي كانت سوريا تعيش حالة من الاستقرار السياسي بفعل الانقلابات المتتالية التي نفذها عسكريين موالين لقوى سياسية لتحقيق أجندات خاصة على حساب مصالح الوطن ولم يجد الشعب السوري أمام المخاطر الداخلية والخارجية سوى مصر والتي يزعمها وقتئذ الزعيم الخالد عبد الناصر والذي أصبح زعيم القومية العربية بلا منازع بعد أن خرج منتصرا في حرب السويس ولم يكن هذا الانتصار انتصار لمصر فقط بل كان انتصار لقوى التحرر ضد هيمنة الاستعمار وأعوانه ولم تخيب مصر آمال الشعب السوري فأرسل عبد الناصر وحدة من قوات المظلات المصرية التي اتخذت مواقعها جنبا إلى جنب بجانب إخوانهم في الجيش السوري لإحباط أي محاولات لغزو سوريا من جانب تركيا او إسرائيل والهب هذا الموقف الذي يعبر عن وحدة المصريين مصر وسوريا مشاعر الشعب السوري الذي انطلق في مظاهرات عارمة مطالبين بالوحدة بين مصر وسوريا وعبر نواب مجلس الشعب السوري عن إرادة الشعب فأرسل وفدا إلى مجلس الأمة المصري للمطالبة بالوحدة وبمجرد دخوله قاعة المجلس التهبت المشاعر واصيب بعض النواب ومن بينهم رئيس المجلس وقتئذ انور السادات وارسل المجتمعون رسالة إلى عبد الناصر مطالبين فيها بالوحدة الفورية بين مصر وسوريا ومع استمرار المظاهرات اليومية الشعبية المطالبة بالوحدة وصل إلى مصر بصورة مفاجئة وفد يمثل قادة أفرع الجيش السوري واجتمع بعبد الناصر لمطالبته بوحدة فورية ورغم تردد عبد الناصر في إتمام تلك الوحدة والتي كان يرى أن تتم على خمس سنوات تندمج خلالها مصالح الشعبين لحمايتها من أي انقلابات إلا أنه تحت ضغط قادة الجيش وتاكيدهم لعبد الناصر أن سوريا مهددة بالضياع إذا لم يوافق على تلك الوحدة وافق عبد الناصر وجاء وفد سوري رسمي إلى مصر لإتمام إجراءات الوحدة في دولة واحدة أسمها الجمهورية العربية المتحدة والتي وافق عليها الشعبين بنسبة 99% وفي أول زيارة لعبد الناصر للعاصمة دمشق خرجت سوريا عن بكرة أبيها لاستقباله وكما حدثت الوحدة سريعا انتهت أيضا سريعا رغم وحدة المصير والتاريخ المشترك للشعبين في ظل وجود أخطاء في الحكم بفعل عدم الإعداد الجيد لتلك الوحدة والتي استغلتها الرجعية العربية وقوى الاستعمار الخارجي وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل للتأمر عليها وتدبير مؤامرة الإنفصال التي قادها مجموعة من الخونة في الجيش السوري يمثلون مصالح تلك القوى والتي كانت ترى أن الوحدة تشكل خطر داهم على اطماع إسرائيل وحلفائها في المنطقة ولان الإنفصال لم يكن يمثل مصالح الشعب السوري او تطلعاته لإقامة دولة قوية فلقد تكالبت على سوريا المشاكل والأزمات من نظام ديكتاتوري ازل الشعب السوري وأدخل البلاد في أزمات انتهت بثورة الشعب السوري ضد هذا النظام مطالبين بالحرية ورغم المطالب المشروعة للشعب السوري في الحرية والكرامة إلا أن قوى خارجية وداخلية استغلت تلك المطالب المشروعة كما حدث في مصر ودخلت سوريا في أتون حرب أهلية أدت بها إلى تفتيتها بين عدة دول كإيران وتركيا والولايات المتحدة بالإضافة إلى التواجد الروسي على أرضها وللأسف فإن العالم العربي أخطأ باتخاذه قرار بقطع العلاقات مع سوريا تاركة إياها فريسة لتلك الدول مما أدى إلى تفاقم الأزمة حتى جاءت كارثة الزلزال الأخيرة والتي اظهرت تضامن الشعوب العربية وعلى رأسها مصر مع كارثة الزلزال حيث عبر الرئيس السيسي في تصريحاته عن نبض الشعب المصري بدعوته العالم العربي وعلى رأسها دول الخليج بمساعدة الشعب السوري في محنته كما كانت مصر سباقة بإرسال المساعدات لمتضرري الزلزال وكان آخرها إرسال سفينة حربية مصرية محملة بالمساعدات الإنسانية إلى ميناء اللاذقية وهو نفس المكان الذي رست فيه القوات المصرية منذ 65 عاما لمساعدة سوريا أمام مخاطر الغزو وكم أتمنى أن تعيد محنة الزلزال العالم العربي إلى صوابه ويعيد تقييم سياساته تجاه سوريا بإعادة العلاقات معها والوقوف بجانبها لانقاذها من الأزمة الإقتصادية والسياسية التي تمر بها وإن كان العالم العربي مطالب في تلك المرحلة الدقيقة بالوقوف بجانب سوريا في محنتها فإن مصر مطالبة بصفة خاصة بتلك الخطوة بعد أن أثبتت الأحداث حاجة سوريا إلى مصر وحاجة مصر إلى سوريا لمواجهة كافة التحديات التي تواجه المنطقة بصفة عامة والبلدين بصفة خاصة .

مصطفى عمارة

إرسال التعليق