أحمد عبد الصبور : فيلم ” إنتبهوا أيها السادة ” صرخة تحذير ضاعت هباءً لم ينتبه لها أي سيدات أوسادة

أحمد عبد الصبور : فيلم ” إنتبهوا أيها السادة ” صرخة تحذير ضاعت هباءً لم ينتبه لها أي سيدات أوسادة

حسام صلاح

 

إستضافت قناة النيل الثقافية في برنامج ” فكرة “ الناقد والمؤرخ الفني ” أحمد عبد الصبور ” في حلقة بعنوان ” صورة المثقف في الشاشة المصرية ” .

 

برنامج ” فكرة “ من تقديم الإعلامية ” حليمة خطاب ” ، ومن إعداد ” دعاء عبد الرحمن ” ، ومن إخراج ” محمد الشويني ” .

 

وقد تحدث ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

بتتبـع مصطلـح المثقـف بـدءاً مـن نشـأته وتطـوره عبـر السـنين ، نجـد أن تعريـف المثقـف يختلـف بإختـلاف تطـور الفكـر الإجتماعـي الـذي يشـهده العالـم ؛ ظهـر المصطلـح Intellectual بالتحديـد فـي فرنسـا فـي النصـف الثاني من القرن  التاسـع عشـر وكان المقصود بالمصطلح المشـتغلين بمجالي الفكر والأدب ، الذين إتخذوا موقفاً من الشـأن العـام فـي فرنسـا آنـذاك ، ثـم تطـور المصطلـح وأصبـح يسـتخدم لتوصيـف “ إيميـل زولا ”  وآخريـن ، وبـدأ المصطلـح ينتشـر فـي روسـيا وبقيـة أوروبـا ، وأصبـح المقصـود بـه رافضـي الأوضـاع القائمـة ونقـاد السـلطة ، وبمـرور الوقـت أصبـح مصطلـح المثقـف يُشـكِّل فئـة معينـة ، ويختلـف فـي معنـاه عـن المفكـر ، والمبـدع ، والخبيـر ، والمتعلـم ، أمـا عـن المصطلـح فـي العربيـة ، فهـو مجـرد تعريـب للمصطلـح الأجنبـي وأصلـه فـي اللغـة العربيـة ( ثقيـف ) ، وتغيـر معنـى المصطلـح وإنتقـل إلـى دلالاتـه الحاليـة دون أن يتطـور كمـا حـدث فـي المصطلـح الأجنبـي ، وفـي معجـم محيـط المحيـط للبسـتاني نجـد أن ( مُثقَّـف ) مـن ثقـف ، ويُقصـد بهـا رجـلاً متعلماً لـه معرفـة وصاحب ثقافة ، وإرتبط المصطلح في العربية بالصورة الشائعة عن المثقف بأنه شخصٌ متعلم ذو معرفة .

نسـتطيع القـول إن مفهـوم المثقـف مـا يزال غائماً وغامضاً ، فلـم يسـتقر الكتـاب والنقـاد بالإضافـة إلـى المثقفيـن علـى تعريـف واحـد ومحـدد يؤطـر لهويـة المثقـف ووظيفتـه وطبيعـة دوره فـي المجتمـع ، لكـن جـاء ” أنطونيـو جارمشـي ” فـي بدايـات القـرن العشـرين ليضـع إطاراً جديـداً لحـدود الفـرد فـي المجتمـع ليعـرف علـى ضوئها من هو المثقف وما دوره .

إن علاقـة الفـرد بمحيطـه البشـري ليسـت علاقـة تجـاور فحسـب ، بـل هـي علاقـة عضويـة ، وعليـه فـإن دور الفـرد فـي المجتمـع يقتضـي بـألا ينفصـل عنـه ، بـل أن يكـون جـزءاً مـن منظومـة إجتماعيـة يتشـكل دوره فيهـا مـن خـلال إتحـاده مـع الآخريـن مِـنَ الذيـن يأملـون فـي التغييـر ، وبقـدر تشـارك الفـرد مـع غيـره مـن أفـراد المجتمـع يكـون إنتمـاؤه إلـى الجنـس البشـري ومجتمعـه وبيئتـه المحيطـة ، وإنفصالـه عنهـم هـو خيانـة لطبيعـة دوره كفـرد فاعـل ، ويرى ” أنطونيو جارمشي ” أن الطبيعة البشرية مُرَّكَّب من العلاقات الإجتماعية ؛ لتَضَمُّنِها فكرة الصيرورة .

وبحسـب “ أنطونيو جارمشـي ” فـإن كل إنسـانٍ مثقـفٌ بالضـرورة ، ويـرى أن المثقفيـن ينقسـمون إلـى فئتيـن : المثقـف التقليـدي ، وهـي الفئـة التـي تسـعى السـلطة لإسـتقطابها لمعيتهـا مثـل العلمـاء والفلاسـفة المنتفعيـن مـن القـرب مـن السـلطة والتحـرك وفـق أيديولوجيتهـا .

أمـا الفئـة الثانيـة فهـي فئـة المثقـف العضـوي ، وهـو لا ينتمـي إلـى وظيفة بعينها في المجتمع بقدر ما تكون وظيفته هي توجيه أفكار الطبقة التي ينتمي إليها سعياً لسيادتها .

 

عالجت شاشة السينما والدراما المصرية شخصية المثقف على مر تاريخها بأشكال مختلفة كان لها دورها في صناعة صورة تقترب من النمطية في أغلب الأحيان ، وفي أحيانٍ قليلة قدمت المثقف بشكل درامي حيوي له منطلقاته وأهدافه المحددة .

 

وإستطرد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

نستطيع القول بثقة وفخر أن أكتاف السينما المصرية من خير الأدب والآدباء منذ بدايتها وربما حتى نهاية السبعينيات وأقل القليل في حقب الثمانينيات والتسعينيات وحتى العقد الثاني من الألفية .

 

بدأت السينما في مصر في بداية القرن العشرين بتقليد المسرح المصري وقتها والذي صار في تمصير المسرح خاصة الإنجليزي والفرنسي منهم ، ووجدت السينما صلب تكوين موضوعاتها في الأدب العالمي وحكايات ألف ليلة وليلة ، ثم في تطور بدأت السينما خاصة في الأربعينيات والخمسينيات بالإعتماد على المنتج الأدبي لكبار آدباء هذا العصر أمثال : طه حسين ، نجيب محفوظ ، توفيق الحكيم ، إحسان عبد القدوس ، محمد عبد الحليم عبد الله ، يحيى حقي ، وغيرهم …

 

فكانت السينما تتلقف أعمال الكاتب الكبير ” إحسان عبد القدوس ” فور خروجها من المطبعة وأحياناً قبل وصولها إلى المطبعة … فكانت أفلام : لا أنام ، لا تطفىء الشمس ، أنا حرة ، الوسادة الخالية ، الطريق المسدود ، في بيتنا رجل ، النظارة السوداء ،،، وغيرها الكثير …

 

وكذلك الكاتب الكبير ” محمد عبد الحليم عبد الله ” الذي كان نجم الروايات التي تأخذها السينما ومنها : غصن الزيتون ، شجرة اللبلاب ، لقيطة ، عاشت للحب ، وغيرها …

 

وبالطبع “ توفيق الحكيم ” وقد قدم لموسيقار الأجيال “ محمد عبد الوهاب ” قصة فيلم ” رصاصة في القلب ” عام 1944 م ثم تبعها بقصة لفيلم ” طريد الفردوس ” ، الأيدي الناعمة ، الرباط المقدس ، عصفور من الشرق .

 

ولم يتخلف عن مواكبة هذة النخبة من كبار الآدباء العملاق الراسين دكتور ” طه حسين ” فجاء الفيلم الشهير ” دعاء الكروان ” عن رواية له بذات العنوان .

 

وبالطبع إذا كان ما تقدمه السينما يكتبه عظماء الأدب في أكثر العصور الثقافية إزدهاراً في مصر ، فبالتأكيد ستكون الصورة التي يقدمونها عن المثقف والثقافة والفنون بديعة وراقية تعلي من قيمة المثقف والكاتب والأديب والصحفي ، فوجدت شخصية الكاتب الذي يدافع ويحافظ على وعي المجتمع … صورة باهرة على الشاشة من خلال فيلم :

الرباط المقدس الذي عرض عام 1960 م ، وفيلم عدو المرأة عام 1966 م ، بالإضافة إلى كم كبير من الأفلام التي كان بطلها أديب أو كاتب أو صحفي أو مثقف ما منح صورة شديدة التقدير والإحترام لشخصية الكاتب والمثقف .

 

ومع إهتمام السينما بقضايا الإنفتاح الإقتصادي والفساد الذي ترتب عليه زاد تهميش شخصية المثقف الذي أصبح في الواقع يلهث أيضاً وراء لقمة العيش فلم ينتبه إلى أن السينما بدأت تحوله إلى صورة هزلية تسخر منه .

 

ثم مع بداية الثمانينيات والتسعينيات وظهور نجم طبقة الصنايعية والحرفيين التي إحتفت بها السينما المصرية وقدمتهم على أنهم قيمة هذا العصر بداية من فيلم ” إنتبهوا أيها السادة ” والذي رصد علو قيمة الزبال أو جامع القمامة أمام عجز ونزول قيمة أستاذ الجامعة .

 

ربما فيلم ” إنتبهوا أيها السادة ” صرخة تحذير ضاعت هباءً لم ينتبه لها أي سيدات أوسادة … !!!

 

لكن ما حدث بعد ذلك كان الأصعب والذي من بعده فقد المثقف والجمهور معرفة المعنى الحقيقي للثقافة والمعرفة والعلم ، وظهرت أفلام تمجد : الهلفوت ، والمتسول ، والمشبوه … بالإضافة إلى أفلام المقاولات … فلم يعد للمثقف وجود على الشاشة .

 

ماذا فعلت الصورة المشوهة عن المثقف في قضية الثقافة والإبداع ؟؟؟ سؤال محزن وصعب الإجابة عليه !!!

 

فلم يعد هناك إهتمام بتصحيح هذة الصورة ، رغم أن مصر تتباهى بمبدعيها وكتابها ومثقفيها حتى أن الثقافة العربية بأكملها تعتبر أن الثقافة والمثقفين المصريين هم عامود هام في الحركة الثقافية العربية ، وكانت هناك مقولة تسري في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بأن ” القاهرة تكتب ولبنان تنشر والعراق تقرأ ” ، فهل مازالت المقولة سائدة ؟؟؟!!!  

 

وأكد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

إن بدايات السينما المصرية كانت بطبيعة الحال متأثرةً بالظرف التاريخي الذي نشأت فيه ، حيث كانت صناعة أجنبية يقدمها أجانب ، ولا نستطيع أن نجزم أن صناع السينما قبل ” طلعت حرب ” قصدوا إلي ترويج صورة معينة للمثقف ... ولكن مع طموح ” طلعت حرب ” وتصديه لتوطين السينما ، كان حرياً به أن يحمل إنتاجه مضامين وطنية ثقافية … فقد أنشأ ” شركة مصر للتمثيل والسينما ” التي تسمى إختصاراً بـ ” إستوديو مصر ” عام 1935 م .

 

وربما لم تنزع أفلام ما قبل ثورة يوليو 1952 م إلى إستدعاء صورة المثقف كعنصر فاعل في توجيه المجتمع ، ولكن تم ذلك بعد ثورة يوليو بسبب الحاجة إلى صياغة مشروع قومي تلتف حوله الأمة .

 

ثم أضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

” المثقف على يسار السلطة ” ، لقد تم ترويج هذه المقولة للتعبير عن نموذج مثالي للمثقف ، وهنا يجب أن نقف ونتسآل :

– كيف حققت سينما ثورة يوليو 1952م هذه الفرضية على الرغم من خضوع السينما للمؤسسة الحاكمة بشكل يقترب من التحكم المطلق ؟

– ولماذا سادت صورة كوميدية للمثقف في كثير من الأعمال الفنية ، وما الآثار التي ترتبت على ذلك ؟

 

لقد ساندت الأعمال الفنية نمط المثقف الحالم الغارق في أفكاره والبعيد عن الواقع ، وإنتقدته لصالح حيوية دور المثقف … !!! وأظهرت هذه الحالة في السينما والدراما المصرية صورة المثقف المأزوم بين تصوراته المثالية وبين معضلات الواقع …

 

والحقيقة هي أن المثقف يرتبط بشكل عام بفعل التغيير ، والمثقف الحقيقي تجده دوماً على يسار السلطة حتى لو كان يؤيدها … لأنه يتطلع دائماً للأفضل … وتغلب عليه العقلية النقدية التي تناقض السمع والطاعة … لذلك يجب أن تقوم السينما والدراما التليفزيونية بوصفها لوناً ثقافياً بمعالجة هذه الفكرة ، وتغيير صورة المثقف في أعمال المرحلة الراهنة والقادمة ... حيث من الضرورة إعادة النظر في طرح شخصية المثقف سينمائياً وتليفزيونياً في ضوء التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية .

 

لمشاهدة الحلقة أضغط على اللينك التالي :

 

 

إرسال التعليق