مصر في مفترق الطرق

مصر في مفترق الطرق


​عندما قامت ثورة يوليو المجيدة عام 1952 كان إحدى المبادئ الستة التي رفعتها اقامة حياة ديمقراطية سليمة بعد أن فشلت الأحزاب القائمة في إقامة تلك الحياة بفعل الصراعات التي اندلعت بينها على كرسي الحكم ورغم وطنية عبد الناصر ونزاهته التي لا يختلف عليها أحد إلا أن الثورة فشلت في تحقيق هذا الهدف بفعل الصراعات التي اندلعت بين قادتها وخاصة بين عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر الرجل الثاني بالثورة والتي جعلت اختيار من يتولى المناصب قائم على أساس أهل الثقة وليس أهل الخبرة ونتج عن هذا أن دفعت مصر ثمنه غاليا داخليا وخارجيا وتمثل هذا في إقامة دولة بوليسية زجت بآلاف الأبرياء داخل السجون الذين عبروا عن آرائهم في النظام القائم املأ في الإصلاح كما فشلت الوحدة بين مصر وسوريا بعد أن انتقلت الصراعات بين ضباط الثورة إلى الإقليم الشمالي وبلغت ذروة الفشل في هزيمة عام 1967 والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى الآن ، وعقب تلك الهزيمة أيقن عبد الناصر عظم الأخطاء التي ارتكبها والتي أدت إلى انحراف الثورة عن مسارها وكان بيان 30 مارس هو اعتراف صريح من عبد الناصر بالأخطاء التي ارتكبها والتي أوصلت البلاد إلى تلك النكسة إلا أن انشغال مصر بتصفية آثار العدوان حال دون إتخاذ الاجراءات التصحيحية وحاول السادات استكمال تلك الإجراءات التي بدأها عبد الناصر عقب رحيله والتي أطاحت بما يسمى مراكز القوى وأطلق الحرية لإقامة الأحزاب واحرق الشرائط التي احتوت على تسجيلات للحياة الخاصة للمواطنين وكان من نتاج الإصلاحات التي أدت إلى استعادة جزء من حرية المصريين أن استطاعت مصر أن تحقق انتصار أكتوبر والتي أعادت لمصر حريتها وكرامتها وكان يمكن أن يكون هذا النصر بداية لاستكمال الإصلاحات حتى تتقلد مصر مكانتها التي تستحقها إلا أن غرور النصر الذي حققه السادات أعاد مصر مرة أخرى إلى حكم الفرد وزج السادات بآلاف من الشخصيات السياسية والدينية المرموقة في السجون بعد اعتراضهم على اتفاقية كامب ديفيد ودفع السادات ثمن غروره وتجاهله للرأي الأخير بعد أن اغتاله أحد أفراد القوات المسلحة أثناء احتفالات أكتوبر ورغم استمرار الحياة الحزبية في مصر بعد تولي مبارك الحكم إلا أن قوى الظلام والدولة العميقة التي تكونت في نهاية عصر السادات من رجال الأعمال الذين نهبوا ثروة مصر من خلال الانفتاح الاقتصادي حالوا دون تحقيق حرية حقيقية بعد أن سيطرت تلك القوى على مفاصل الدولة السياسية لتحقيق اجندتها الخاصة خاصة بعد تدهور صحة مبارك وسيطرة ابنه جمال ومجموعة من رجال الأعمال على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية ووصل الأمر لذروته في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي تم تزويرها للاطاحة بأي تواجد للمعارضة في الحياة السياسية وهو ما عجل بقيام ثورة يناير التي رفعت شعارات عيش وحرية وكرامة اجتماعية وكان يمكن أن تحقق تلك الثورة أهدافها لولا الصراعات التي اندلعت بين تياراتها والتي ادخلت البلاد في حالة فوضى أفضت بها إلى قيام انقلاب عسكري أعاد البلاد إلى نقطة البداية ورغم ترحيب الشعب بهذا الانقلاب املأ في إعادة الاستقرار وإنقاذ البلاد من حالة الفوضى التي كان يمكن أن تجر البلاد إلى حرب أهلية إلا أن المؤسسة العسكرية بقيادة الرئيس السيسي والتي تولت إدارة البلاد سعت إلى السيطرة على مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية بدلا من إدارتها بواسطة خبراء كل في مجال اختصاصه وعودة الجيش لأداء مهمته الرئيسية في حماية حدود البلاد وهو الأمر الذي أدخل البلاد في أزمات اقتصادية حيث تراكمت الديون وارتفعت الأسعار بشكل لم يسبق لها مثيل بصورة تفوق إمكانيات المواطن العادي حتى أصبحت البلاد على مشارف ثورة جياع تأكل أمامها الأخضر واليابس ، ومن هذا المنطلق ومن حرصي على حاضر مصر ومستقبلها ومن منطلق حبي وتقديري لقواتنا المسلحة التي دافعت دوما عن حدود مصر فأنني أناشد الرئيس السيسي مراجعة المسار لإنقاذ ما يمكن انقاذه وفتح الباب أمام حرية حقيقية يعبر فيها كل مواطن عن رأيه بلا خوف وإدارة البلاد من خلال الخبراء والمختصين كل في مجاله قبل أن تنفجر الأمور إلى منحدر لا تحمد عقباه لن ينجو منه أحد وعندئذ لن ينفع الندم ولن تجدي الدموع .

​ مصطفى عمارة

إرسال التعليق