مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988 تذكيرٌ بتجاهل النظام الإيراني المطلق لقدسية وأهمية حياة الإنسان

مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988 تذكيرٌ بتجاهل النظام الإيراني المطلق لقدسية وأهمية حياة الإنسان

كتب مصطفى عماره

قبل 35 سنة وفي الأيام الأولى من شهر مرداد الإيراني أي ما يوافق 23 من شهر يوليو الميلادي كانت لجان الموت في سجون جميع أنحاء إيران استناداً إلى حُكمٍ من خميني تقوم بصمت وسرية ولكن بشكل بارتكاب مجزرة وإبادة بشرية جماعية من أجل القضاء على كل من “متمسكين بمواقفهم”.

بالتزامن مع مجزرة الإبادة الجماعية للسجناء في سجني إيفين وكوهردشت، لم يبقى في سجون المدن من سجناء مجاهدي خلق أكثر من تعداد قليل، كما لم ينج حتى شخص واحد في بعض العنابر.

إن مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988 والتي سُجِلت كأكبر جريمة ضد الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية تذكرنا بتجاهل النظام الإيراني المطلق لقدسية وكرامة حياة الإنسان، وإنه لتذكير واضح بالمساعي الدؤوبة التي يبذلها هذا النظام الفاسد والقمعي من أجل إمتلاك القوة والبقاء في السلطة بأي ثمن.

تذكر هذه الأيام بالإحترام لضحايا مجزرة الإبادة الجماعية هذه وتقوية صدى أصواتهم حتى تعود الحرية والعدالة إلى إيران، ولا ننسى أن صدى أصواتهم قد تم إطفائه بشكل ظالم مأساوي من قبل نظام الملالي في تلك السنوات وبوحشية لا حد لها.

قال السيد ستانسلاف باولوفسكي في خطابه في القمة العالمية لإيران الحرة 2023: “إن مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988 والتي سلبت أرواح عشرات الآلاف من الأشخاص كانت واقعة مؤلمة لم تصدم المجتمع الإيراني فحسب بل صدمت العالم المتحضر بأسره، ولكن قد حان وقت العدالة الآن، ووفقاً للمبادئ الإنسانية ينبغي أن يكون لمثل هذه الأحداث المأساوية مكانٌ في عالم اليوم؛ في عالم تكون فيه الحياة والكرامة الإنسانية قيمةً مطلقة تتم حمايتها من قبل جميع السلطات. »[1]
تأمل في مجزرة الإبادة الجماعية لـ 30 ألف شخص
إن مجرد التفكير في طريقة إعدام 30 حالة شنق لأمر تقشعر له أبدان كل ذي ضمير حي سليم على، ولأول وهل وهلة تدفع إلى الإمعان والتأمل والتساؤل! واقعا لماذا ضحوا بحياتهم؟

قال البروفيسور ”أناند غروفر“ للقمة العالمية لإيران الحرة في يوم 3 يوليو 2023 : “هؤلاءِ أُناسٌ لديهم إيمان إنساني عالٍ، أناس يؤمنون بكل هذه البساطة، أنا لا أتفق معك ومستعد للموت في سبيل ذلك؛ بضع لحظات من التفكير في هذا الواقعة الصادمة تجعل المرء يقدر معتقداتهم ومروءتهم وشجاعتهم. »[2]

وكانت منيرة رجوي الطالبة بجامعة نيوكاسل وشقيقة مسعود رجوي قائد المقاومة الإيرانية واحدة من بين النساء المجاهدات اللواتي استشهدن في مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988، كانت هذه المرأة الشجاعة أم لطفلتين صغيرتين وقت إعدامها لكنها بقيت صامدة، وقد كتبت تقول في حينها: “إنهم يريدون تدمير هويتنا البشرية، إن علينا أن نقاتل.”
الإبادة الجماعية التي وقعت بصمت إعلامي مُطبق
بقيت مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988 والتي تعد ضمن جرائم الإبادة الجماعية في إطار صمت خبري مُطبق في تلك السنة وحتى السنوات التالية، ولأول مرة في أوائل عام 2000 كتب عنها منتظري خليفة خميني في مذكراته وفضح أشياء كثيرة.

لقد فضح منتظري كيف قرر خميني التخلص بأي طريقة من خطر المعارضين، وفي إحدى الرسائل التي أعطاها خميني لابنه (أحمد خميني)، وعندما سأل إبنه عما يجب فعله بشأن هؤلاء السجناء، أجاب: “اقتلوهم جميعاً، لا تضيعوا الوقت في المسائل الإجرائية، اقتلوهم وحسب!”

وقال السفير زوريكا ماريك جورجيفيتش في القمة العالمية لإيران حرة: “النظام الإيراني لم يعترف قط بحقائق تورطه في مجزرة سنة 1988 أو أي من أعمال القتل الوحشي والإعدامات الوحشية المستمرة، واليوم لا يزال العديد من المجرمين باقين في مناصب عليا في السلطة ولم تُقام أية محاكمة في إيران، ولم يتم وضع بعض هؤلاء الأشخاص تحت المساءلة بشأن هذه الجرائم فحسب بل تم تكريمهم كأبطال قوميين تحت مسمى أنهم حاربوا الإرهاب.»[3]

وفي هذا الشأن لا يمكن إنكار الدور المباشر وبدون وسيط لـ إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية نظام الملالي إنه مهندس مجزرة الإبادة الجماعية للسجناء السياسيين ويجب تقديمه إلى يد العدالة.

إن تاريخ إجرام المجرمين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُنسى أو يُصفح عنه.

ضحايا سجن إيلام. من اليسار: جسومه حيدري ، نسرين رجبي ، حكيمه رضوندي ، مرزيه رحمتي ، وفرح إسلامي
دفع النساء ثمنا باهظا في مجزرة الإبادة الجماعية
شرعت آلة القتل ومجزرة جميع السجناء السياسيين بالعمل على مستوى البلاد في الـ 19 من يوليو لكن التركيز وأكثر إحصاءات للقتلى كانت بين 27 يوليو و 16 أغسطس، استمر هذا القتل حتى الخريف، واستمر في بعض الأماكن حتى العام التالي.

ولا يزال هناك العديد من القصص والمشاهد والذكريات التي لم تُذكر من شهود هذه الكارثة الإنسانية المرعبة، والعديد من الأمهات لا علم لهن بمكان دفن أحبائهن.
دفعت النساء ثمنا باهظا في مجزرة الإبادة هذه، وتفيد التقارير بأن 80٪ من النساء المجاهدات كن مسجونات في عنبر النساء رقم 3 في إيفين حتى تم إعدامهن في سبتمبر 1988.

وتوضح ملاحظة حول السجينات في سجن إيلام: ” أن الحرس أخرج في يوم 20 يوليو 1988 كل من: فرح إسلامي، وحكيمه ريزوندي، ومرضية رحمتي، ونسرين رجبي وجسومة حيدري من السجن بحجة انعدام الأمن بسجن إيلام ونقلوهن إلى مكان آمن، وظننا في ذلك اليوم أنهن نُقِلن إلى سجن كرمانشاه أو طهران، ولكن فهمنا بعد ذلك في اليوم التالي أنه تم نُقل السجناء إلى تل في أطراف (ضواحي) صالح آباد وأطلقوا النيران عليهم”.

وأوضح المدعي العام لمحكمة ستوكهولم حول مجزرة الإبادة الجماعية للمجاهدات أن “النساء تم إعدامهن في الموجة الأولى، ولم نتمكن من إيجاد أي إمرأة قد نجت بحياتها من الإعدام في بحثنا»[4]

ذكريات لن تُمحى من الذاكرة أبداً
وقال عمدة باريس السابق في القمة العالمية لإيران حرة: “بعد مُضي 35 سنة على هذا الواقعة المروعة لم تتلاشى ذكرياتها، كما أن مشاعر الشعب الإيراني والمجتمع الدولي لم تفتر، وعندما ننظر إلى وجوه كل من هؤلاء الشهداء فرداً فرداً نشعر بسماع أصواتهم وصرخاتهم، مصير كل منهم فريد، ولهذا السبب جريمة كانت إبادة جماعية، وهذا السبب هو ما يجعلها جريمة غير قابلة للوصف، وهذا السبب ما يجعلها واجبة التذكر على الدوام، كذلك يجب على الهيئات الدولية المطالبة بمحاكمة هذا النظام القمعي والدموي بسبب ارتكاب هذه الجريمة ضد الإنسانية. »[5]

في أعقاب المساءلة: دعوة المقرر الخاص للأمم المتحدة للتقاضي من أجل مجزرة 1988
في جلسة بحضور أعضاء البرلمان البريطاني والتي عُقِدت في يوم 18 يوليو 2023 في مبنى البرلمان بلندن تناول البروفيسور جاويد رحمن مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران تناول قضية عدم المساءلة وثقافة الحصانة السائدة في إيران، وطالب بإجراء مساءلة (للقادة الآمرين والجناة) ورفع دعوى قضائية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن بينهم ضحايا مجزرة الإبادة الجماعية التي وقعت في إيران سنة 1988.

وقال البوفيسور رحمن في هذا الاجتماع: “تم إعدام آلاف السجناء خارج نطاق القضاء في عموم سجون الدولة سنة 1988 إثر فتوى أُصدِرت من جانب (خميني)، وبموجب قوانين حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي هناك مخاوف جدية بشأن هذه الجرائم المرعبة التي حدثت سنة 1988.
عقب الإعدامات الجماعية سنة 1988 رفضت السلطات الحكومية الاعتراف علناً بالمجزرة وتحديد مصير القتلى ومكان دفن رفاتهم لعائلات الضحايا، واستُهدِفت العائلات بالتهديدات والمضايقات والترهيب والاعتداءات.

وعلى هذا النحو فإن الحكومة الإيرانية عازمة على إخفاء مجازر الإبادة الجماعية هذه عن طريق الروايات والتصريحات الكاذبة، وتشويه المعلومات التاريخية، والأذية الفعلية للناجين وأفراد عائلات الضحايا، ومن بين ذلك محاولتها إخفاء الأدلة من خلال تدمير شواهد المقابر الجماعية.

إن الإخفاء المنهجي لمصير الضحايا وعدم تقديم معلومات حول مكان (دفن) رفاتهم أو إبلاغ أفراد الأسرة عن سبب وفاتهم أمر مزعج للغاية، وبرأيي فإن هذا الإخفاء هو مثال على الاختفاء القسري وجريمة ضد الإنسانية.

مذكرة مكتوبة بخط اليد من الخميني
تتمثل إحدى طرق ضمان المساءلة في استخدام القضاء الدولي لمحاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم خطيرة بما فيها الجرائم ضد الإنسانية وغيرها من حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وهناك طريقة أخرى تتمثل في إنشاء محكمة أو آلية تحقيق دولية للتمكن من محاسبة أولئك الذين ارتكبوا جرائم مروعة ضد الشعب الإيراني.”

لقد حان الوقت لتشكيل لجنة دولية مستقلة وعلى هيئة بعثة مهام دولية من أجل التحقيق في مصير ومكان المفقودين وحالات الاختفاء القسري في مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988 في إيران، وجميع المختفين خلال أحداث استمرار هذا القتل الوحشي والتعذيب الظالم في هذه الأيام.
تذييل ————————————————————————–
1. استانسلاف پاولوفسکی، محامي وقاضی سابق لدى محكمة حقوق الإنسان في أوروبا (۲۰۰۱- ۲۰۰۸) ووزیر عدل مولدافيا.
2. البروفيسور أناند غروفر مقرر الأمم المتحدة الخاص بشأن ملل الحق الصحي (2008 – 2014)،وهو محامي كبير و عضو اللجنة العالمية لسياسة المواد المخدرة.
3. السفیر زوریکا ماریک جورجيفتش الممثل الخاص لـ مونتي نيغرو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. حقوق بشر ملل متحد (2015- 2013)
4. تصريحات مدعي عام محكمة استوکهلم، 11 أغسطس 2021
5. جان فرانسوا لوغاره رئيس مؤسسة أبحاث الشرق الأوسط و رئيس البلدية السابق للمنطقة الأولى في باريس.

إرسال التعليق