أحمد عبد الصبور : المسرح المصري تربع على عرش المسارح في الوطن العربي

أحمد عبد الصبور : المسرح المصري تربع على عرش المسارح في الوطن العربي

سماح محمد

 

إستضافت مقدمة ومعدة البرامج الإذاعية ” نارمن الطاهر ” المؤرخ والناقد الفني ” أحمد عبد الصبور ” في برنامجها الشهير ” وشوش مضيئة ” على إذاعة الشباب والرياضة FM 108 ، وذلك في حلقة خاصة عن تاريخ المسرح ومراحل تطور المسرح المصري من الفراعنة حتى العصر الحديث .

 

وقد تحدث المؤرخ والناقد الفني ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

 

تربع المسرح المصري على عرش المسارح في الوطن العربي ، وكانت له مكانة كبيرة حتى بجوار المسارح العالمية ، وما لا يعرفه الكثيرون أن المسرح المصري لم يبدأ في القرن الماضي ، بل مر بتاريخ طويل من التطور المستمر ، والذي إمتدت لعصور طويلة بدأت من العصر الفرعوني مروراً بالإغريق والمماليك بالإضافة إلى الحملة الفرنسية وعصر الخديوي ” إسماعيل ” .

 

وهذا التاريخ الطويل ساهم بشكل كبير في إزدهار فكرة المسرح المصري ، لتتلائم مع التطور الحضاري والتكنولوجي الذي حدث بعد ذلك في العصر الحديث .

 

 

وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

 

لذلك سوف نستعرض في تلك الحلقة ، تاريخ المسرح المصري منذ نشأته وتطوره ووصلاً لمكانته في العصر الحديث :

 

 

العصر الفرعوني :

في هذا العصر القديم ، كانت المشاهد الفنية مرتبطة بالشعائر الدينية ، وتعرض فقط أمام الملوك والأمراء ، حيث كان كهنة أمون يقدمون المسرحيات الشعرية في مناسبات معينة … ولعل أشهر قصة أدبية تم عرضها على المسرح الفرعوني ، هي قصة ” إيزيس و أوزوريس ” ، والتي تم العثور عليها في برديات تحتوي على نصوص مسرحية من 40 مشهد ، تمزج بين الشعر والموسيقى .

 

 

 

العصر اليوناني الروماني :

استغل ملوك هذا العصر حجر الأساس الذي وضعه القدماء المصريين للمسرح ، في إنشاء أول مسرح إغريقي في مدينة الإسكندرية ، والذي بدأ في قصور الملوك والأمراء ، وكان يتم فيه تقديم مسرحيات من الثقافة الإغريقية … ثم بعد ذلك تم بناء مسرح بشكله التقليدي المعروف ، في الساحات التجارية الشعبية ، وكان من أهم تلك المسارح الأثر العظيم للمسرح الروماني بالإسكندرية ، الذي تم إكتشافه في عام 1964 م .

 

ولكن مع دخول الدين المسيحي للإمبراطورية الرومانية ، حرص المسيحيون على القضاء على تلك المسارح ، بسبب التحريم الكنسي لهذا الفن ، خاصة وأنها كانت تقدم عروض مسرحية وثنية ، مما جعل فن المسرح يندثر في مصر لفترة طويلة .

 

 

العرب والعصر المملوكي :

كذلك لم يعرف العرب المسرح في بداية الحضارة العربية الإسلامية ، رغم إختلاط العرب بحضارت كثيرة ومتنوعة ، وإنفتاحهم على مختلف الفنون التي قدمتها تلك الحضارات ، إلا أن المسرح  لم يكن ضمن الثقافة العربية التي إهتمت أكثر بالشعر والأدب .

 

ومع دخول المماليك لمصر في القرن الـ 13 الميلادي ، إنتشر مسرح خيال الظل ، وهو نوع من الفنون يعتمد على شاشة بيضاء يقوم أحد الأشخاص بتحريك الشخصيات خلفها ليظهر ظلها للناس ، مقدماً قصة قصيرة هادفة بإستخدام الموسيقى والشعر ، وهو الفن الذي تطور بعد ذلك للعرائس المتحركة والأراجوز … وكان أشهر الروايات التي قدمت في مسرح الظل ، رواية ” طيف الخيال ” ، للمؤلف ” ابن دانيال الكحال ” .

 

 

الحملة الفرنسية :

مع دخول الحملة الفرنسة لمصر عام 1798 م ، أنشأ ” نابليون بونابرت ” فرقة مسرحية كوميدية بإسم  ” الكوميدي فرانسيز ” ، بهدف تسلية جنوده ، الذين كانوا يجتمعون كل 10 أيام في المسرح الذي بناه ” نابليون ” في منطقة الأزبكية ، لحضور عرض مسرحي كوميدي يستمر لمدة 4 ساعات متواصلة .

 

إلا أن فن المسرح الكوميدي إندثر من جديد بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1801 م ، ولم يظهر مجدداً إلا بعد سنوات طويلة .

 

 

عصر الخديوي إسماعيل :

في عام 1869 م ، أنشأ الخديوي ” إسماعيل ” دار الأوبرا بميدان العتبة ، بهدف تقديم عروض أوبرالية  للملوك والأمراء الذين جاءوا لحضور حفل إفتتاح قناة السويس ، والذين أراد الخديوي إبهارهم بأوبرا مصرية لأول مرة ، حيث لم يكن هذا الفن معروفاً وقتها في مصر .

 

فطلب الخديوي من الموسيقار الإيطالي ” فيردي ” تأليف أوبرا من التاريخ المصري ، فقام بتأليف ” أوبرا عايدة ” ، التي لم يكتمل تأليفها في الوقت المناسب ، فإضطر الخديوي لتقديم ” أوبرا ريجوليتو ” ، وتم عرض ” أوبرا عايدة ” بعد ذلك .

 

ونظراً لأن عروض الأوبرا كانت تقدم في هذا الوقت باللغة الإيطالية التي لم تكن منتشرة في مصر ، تم إغلاق دار الأوبرا لفترة طويلة جداً حتى تم ترجمة ” أوبرا عايدة ” للغة العربية وتقديمها للمصرين .

 

وأنشأ الخديوي في تلك الفترة مسرح آخر في حديقة الأزبكية ، والذي يعد أول مسرح وطني ، وقدمت فيه مسرحيات فرقة ” أبو خليل القباني ” عام 1885 م ، وفرقة الشيخ ” سلامة حجازي ” عام 1905 م .

 

 

يعقوب صنوع :

عرفت مصر المسرح بشكله العصري عام 1876 م ، ويعود الفضل في ذلك للفنان ” يعقوب صنوع ” ، الذي ترجم الكثير من الأدب العالمي ، وأنشأ أول مسرح عربي في مصر ، وقدم على خشبته خلال عامين 160 عرضاً مسرحياً ، مستعيناً بفرقة ” سليم النقاش ” و ” مارون النقاش ” المسرحية .

 

وقدم ” يعقوب صنوع ” العديد من المسرحيات أمام الخديوي ” إسماعيل ” في قصر النيل ، منها : البنت العصرية ، غندورة مصر ، والضرتين ، والتي نالت إعجابه ، لذلك أطلق الخديوي لقب ” موليير مصر ” على ” يعقوب صنوع ” ، نظراً لتشابه أعمال مع ما قدمه الكاتب المسرحي الفرنسي ” مولير ” .

 

وكان لـ ” يعقوب صنوع ” رغبة في إصلاح الوضع السياسي في مصر ، فقدم مسرحيات جريئة تسخر من الأمراء والنبلاء ، وتنتقد الحكومة والخديوي ” إسماعيل ” ، وكان أشهر تلك المسرحيات مسرحية ” الوطن والحرية ” ، التي أثارت غضب الطبقة الحاكمة ، فأمر الخديوي بإغلاق المسرح .

 

 

أبو خليل القباني :

شهد المسرح المصري تطور كبير في نهاية القرن الـ 19 وتحديداً عام 1888 م ، على يد ” أحمد أبو خليل القباني ” ، الذي يعتبر رائد المسرح العربي والمسرح الغنائي ، حيث ترك فكرة الترجمة والإقتباس من الروايات العالمية ، وبدأ في تأليف الروايات المسرحية باللغة العربية .

 

وقدم مع فرقته العديد من المسرحيات الهامة التي أثرت تاريخ المسرح المصري ، مثل : عنترة بن شداد ، هارون الرشيد ، والأمير محمود نجل شاه العجم ، وغيرهم .

 

 

 

 

القرن العشرين :

عرفت مصر نوع جديد من الفن المسرحي  في بداية القرن الـ 20 ، وهو المسرح الغنائي ، أو ما يسمى ” الأوبريت ” ، والذي إعتمد على العروض الموسيقية الراقصة ، التي إشتهر بها ” سلامة حجازي ” ، و ” سيد درويش ” .

 

وفي هذا الوقت ظهر على الساحة رائد جديد من رواد المسرح وهو الفنان الكبير ” يوسف وهبي ” ، الذي إهتم بالمسرح الدرامي الذي أسسه الفنان ” جورج أبيض ” ، وقدم العديد من المسرحيات الناجحة في مصر والدول العربية .

 

وزادت المنافسة بعد ظهور المسرح الكوميدي ورواده من أمثال : ” نجيب الريحاني ” و ” علي الكسار ” ، والذين حرصوا على تقديم كوميديا راقية وهادفة تمس المواطن المصري ، مما زاد من المطالبات بإنشاء مسرح وطني مصري بعيداً عن الأدب العالمي والمسرحيات المترجمة ، فكانت بداية المسرح الوطني عام 1921 م .

 

ومع الوقت أخذ المسرح الشعري يفرض نفسه على الساحة ، بعدما إتجه الأدباء والشعراء مثل ” أحمد شوقي ” ، للتأليف المسرحي ، فقدم مسرحيات هامة مثل : مجنون ليلى ، ومصرع كليوباتر وغيرهم … وأيضاً الأديب ” توفيق الحكيم ” بمسرحيات مثل : أهل الكهف ، وإيزيس .

 

ومع دخول منتصف القرن العشرين وتحديداً في فترة الستينيات ، بدأت الدولة تهتم بالفن ونشأ المسرح القومي ، فظهرت العديد من الفرق المسرحية الكبيرة مثل : فرقة المسرح القومي ، وفرقة المسرح المصري الحديث ، وشهدت مصر وقتها ظهور مجموعة كبيرة من المؤلفين العظماء أمثال : يوسف إدريس ، سعد الدين وهبة ، صلاح عبد الصبور ، وعلي سالم ، وغيرهم … وكذلك من المخرجين : جلال الشرقاوي ، سمير العصفوري ، و كرم مطاوع .

 

 

القرن الحادي والعشرين :

شهدت فترة تسعينات القرن الـ 20 وبدايات القرن الـ 21 ، سيطرة القطاع الخاص على المسرح ، وإهتم المنتجين بالمكسب المادي بدلاً من الإهتمام بتقديم فن راقي وهادف ، فظهر نوع من العروض المسرحية المسماة ” كوميديا الفارس ” ، والتي تعتمد على كوميديا الموقف ، وشعارها الضحك للضحك فقط ، وهو ما كان مقبولاً في البداية كنوع مختلف من المسرح .

 

ولكن مع زيادة سيطرة المنتجين ورجال الأعمال على المسرح الخاص ، الذي إستهدف طبقات معينة من الشعب ذات دخل إقتصادي مرتفع ،  وإندثار المسارح الحكومية ، أو مسارح عامة الشعب كما أصبح يطلق عليها ، زادت التوقعات بقرب إندثار فن المسرح من مصر نهائياً ، خاصة مع التطور التكنولوجي السريع ، وظهور منصات إلكترونية إستحوذت على إهتمام المصريين أكثر من المسرح وربما السينما أيضاً .

المؤرخ والناقد الفني أحمد عبد الصبور

المؤرخ والناقد الفني أحمد عبد الصبور

إرسال التعليق