الأسرة في الإسلام صمام أمان المجتمعات

الأسرة في الإسلام صمام أمان المجتمعات

 

 

 

العلامة السيد محمد علي الحسيني

تواجه مجتمعاتنا ظاهرة التفكك الأسري إلى درجة أصبحنا فيها نسمع عن نسب مخيفة، ناهيك عن تراجع دور الأسرة في تربية أبنائها، الأمر الذي دفعنا إلى التنبيه من خطورة الوضع وانعكاساته السلبية على الأفراد والمجتمعات، ونظراً إلى مكانتها فقد أولى الإسلام اهتماماً كبيراً بدور الأسرة، ودعا إلى ضرورة تحقيق الاستقرار الأسري باعتباره مقصداً من مقاصد البناء، فهو القائل تعالى:” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا”، كما أن غياب دور الأسرة ساهم في انتشار الجريمة والانحراف والتشرد وتعاطي المخدرات، وهذا ما أكدته مختلف الدراسات الاجتماعية والمهتمة بالجريمة التي كشفت أن عدم الاستقرار الأسري هو أحد العوامل الجوهرية والأساسية التي ساهمت في انتشار الجريمة، التي باتت تشكل أكبر تهديد للأمن المجتمعي الذي يستنزف خزينة الدولة، ويعرقل تطورها وتقدمها.

الأسرة في المنظور الإسلامي

إن بناء الأسرة في الإسلام له مكانة مقدسة، فشجع على الزواج وجعله ميثاقاً غليظاً “وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا”، فبه تصان العفة وبه يحفظ المرء طهارته من الوقوع في الرذائل والفواحش والمحافظة على النسل، وقد دعا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار إلى الزواج وشجع عليه: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج”، كما اعتبر الإسلام أن الأسرة مؤسسة اجتماعية لها أركانها ومقوماتها، فوضع الحقوق والواجبات للزوجين “وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَاجا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡواجكم بَنِینَ وَحَفَدَةࣰ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَـٰطِلِ یُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ یَكۡفُرُونَ” كما وضع تعاليم خاصة بتربية الأطفال وتنشئتهم تنشئة صالحة، محدداً مسؤولية الوالدين تجاه إعداد أبنائهم قبل الزواج لهذه المسؤولية العظيمة، حيث قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار: “ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ إلا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ”.

دور الأسرة في تحقيق الأمن المجتمعي

إن للأسرة دوراً اجتماعياً مهماً ولا بد أن نجدد التذكير بضرورة إحيائها وحمايتها بكافة الوسائل والطرق، لذلك ينبغي أن يدرك المقبلون على الزواج أهمية هذه المؤسسة التي تحافظ على التوازن المجتمعي وتحافظ على أمنه وازدهاره ورقيه، ومن المهم أن يتشبع الذين يرغبون في الزواج بالوعي وبالمفاهيم الإسلامية حول المسؤولية التي تناط بهم، والتي تتطلب جهوداً كبيرة لإنجاحها، ولا شك أن للآباء دوراً كبيراً في غرس القيم والمبادئ السامية في نفوس أبنائهم وبناتهم من خلال مجموع الأخلاق والسلوكات التي يجسدونها والمعاملات اليومية، وترسيخ مبادئ الحوار التي من شأنها أن ترفع منسوب الثقة بين أفراد العائلة، كما ينبغي التأكيد على ضرورة اختيار الشريك الصالح الذي يعين على مدلهمات الزمان وتحديات الحياة، وأن يتحلى الطرفان بالرضا والقناعة التي لم نعد نرى ولا نسمع لها وجوداً في هذا الزمن الذي طغت عليه الشكليات والماديات وغابت فيه القيم والأخلاق، ولا شك أن الأسرة الصالحة ستبقى الجناح الذي يشعرنا بالطمأنينة والسكينة والمحافظة عليها هي صمام أمان للأفراد والمجتمعات.

إرسال التعليق