فقه التأني العلامة السيد محمد علي الحسيني

فقه التأني العلامة السيد محمد علي الحسيني

 

إن من أكثر السلوكيات التي لا يقيم لها كثيرون أي اعتبار ويقللون من خطورتها وتداعياتها وتتسبب في نتائج وخيمة هي العجلة والتسرع، سواء في إطلاق الأحكام أو اتخاذ القرارات الخاطئة، أو كتابة تغريدات طائشة قد يتسبب كل ذلك في أمور خطيرة سواء على مستوى الأفراد أو حتى المجتمعات، فالتسرع على سبيل المثال في نشر أخبار كاذبة قد يتسبب في إثارة الفتن والنعرات الطائفية وزعزعة أمن الدول واستقرارها، ونظرا لحساسية المسألة فإن الشريعة الإسلامية حذرت من ذلك «ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا» ونبهت من العجلة السلبية فقد قال نبينا الأكرم (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار): «التأني من الله والعجلة من الشيطان»، ولا ريب أن عجلة الإنسان راجعة إلى عدم الوعي ونقص المعرفة وقلة الإدراك «خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون»، لذلك فإن السبيل لكبحها يكون بالصبر والتأني، لذلك قال نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) «من حرم الرفق حرم الخير كله».

أهمية الأناة في المنظور الإسلامي

لقد علمنا الله جل في علاه أن نتحلى بالحكمة والصبر في حياتنا وألا شيء يأتي دون دراسة ودراية وحساب، فقبل أن نخطو خطوة في أفعالنا أو أقوالنا علينا أن نتنبأ بنتائجها، وإن الله تعالى علمنا أن كل شيء في الحياة يتطلب التأني وهو الذي خلق السموات في ستة أيام ليلفت نظر عباده أن كل شيء خلقه بروية «هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش»، إن التروي لاشك يقي العبد من الوقوع في الخطأ وتجنب ظلم الآخرين، فما أكثر ما يهلك الإنسان ويوقعه في حسرة الندم وقد نبه المولى من ذلك في قوله «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».حتى على مستوى نقل الأخبار وإذاعتها بين الناس ينبغي التحقق من صحتها قبل نشرها، لما قد يشكل ذلك من تداعيات خطيرة على أمن الأفراد والمجتمعات خصوصا في زمن فبركة الصورة والفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ولقد رأينا ذلك في السنوات الأخيرة؛ لذلك ينبغي الحذر وإدراك مخاطر ذلك.لذا تقع المسؤولية الفردية والجماعية لوضع حد لذلك وعدم المساهمة في الفساد ونشر الأكاذيب والإشاعات دون تريث، لذلك كما رأينا في الحديث أعلاه أن العجلة من الشيطان، في المقابل فإن التأني خصلة يحبها الله ومن الإيمان أن يتحلى العبد بالصفات التي أمر الله بها فقد جاء عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) أنه قال لأشج بن قيس: «فيك خصلتان يحبهما الله الحلم والأناة»، كما أن هذه الصفة تجعلنا نتخذ القرارات الصائبة التي تعكس رجاحة العقل ونضوجه.

عواقب العجلة وكيفية معالجتها

  1. لم ينه الإسلام عن شيء إلا لما فيه من مضرة للإنسان وما دعا لشيء إلا لمصلحته، فالتسرع طيش لا يليق بالمسلم الذي عليه أن يتحمل مسؤولية قراراته المتهورة ونتائجها، ومن المهم إدراك أننا لسنا بحاجة إلى محتوى يتسرع ناشره إلى نشره دون رؤية أو فائدة مرجوة، لذلك ينبغي علينا جميعا أن نتساءل قبل أن نقدم على الأمور التي تودي إلى المهالك، كما أننا في زمن الفضاء الافتراضي علينا أن نكون أكثر وعيا وبصيرة بما يحدث من فتن وأن نحرص كمؤمنين أن نكون مصابيح الدجى وألا نسهم في تضليل المجتمع بمحتوى فارغ.علينا أن نمسك لجام تصرفاتنا وسلوكياتنا، ونسهم في صناعة محتوى عميق والذي لاشك يتطلب الدراسة والتمعن والتأمل قبل نشره لأجل كشف الحقيقة وإبطال الباطل والدفاع عن الوطن والمساهمة في حماية أمنه واستقراره، وبحسن الروية نعتلي القمم ونبني مجتمعا متماسكا بعيدا عن كل الارتجاجات والخزعبلات.

إرسال التعليق