فقه الرؤيا والمنام
#السيد_محمد_علي_الحسيني
في الفقه الإسلامي تعتبر الرؤيا من الأحلام الرمزية التي تتضمن إشارات وعلامات تحمل معاني معينة، ولا تعامل الرؤية في الفقه الإسلامي على أنها حجة أو دليل شرعي يعتمد عليها ويستند لها ويترتب عليها الأثر، بل تعتبر مصدرا للإرشاد والتوجيه والتنبيه.
وقد ذكرت في القرآن الكريم في سبع مواضع؛ حيث كان لها دلالاتها المهمة باعتبارها إشارات من الله تعالى لأنبيائه وعباده، كقوله تعالى: ﴿إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليمٌ بذات الصدور﴾.
ورؤيا المسلم قد تكون رؤيا صادقة بقدر صدق الإنسان؛ كما جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا».
والمنامات مقسمة إلى عدة فئات، بما في ذلك المنام الصالح والمنام المكذوب، فالمنام الصالح هو الذي يعتبر مناما حقيقيا يحمل في طياته معنى أو رسالة إلهية، وقد يكون له تأثير على حياة الشخص.
أما المنام المكذوب فيحمل رموزا مضللة وغير صحيحة، ولا ينبغي الاعتماد عليه في اتخاذ القرارات أو التعاملات اليومية.
التمييز بين الرؤيا الصادقة وغيرها من المنامات
أن الرؤيا في الإسلام لها الكثير من المعاني والتفسيرات وقد ألف فيها الباحثون كتبا يفسرونها بناء على القرآن والسنة واستنادا إلى أقوال أهل البيت والصحابة والصالحين من الذين أوتوا العلم. وصحيح أن هناك من لا يتذكر مناماته، ولكن هناك من يستيقظ فزعا أو مبتهجا من رؤيا رآها، فيهرول للبحث عن تفسيرها. وقد تكون الرؤيا صادقة أو أضغاث أحلام.
1 – الرؤيا: وهي من الله تعالى، وتتحقق لأنها (صادقة) و(صالحة) و(من الله)، وهي بشارة أو تنبيه من غفلة.
فصح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي ولكن المبشرات.
قالوا: يا رسول الله وما المبشرات قال: رؤيا المسلم وهى جزء من أجزاء النبوة».
2 – الحلم: وهو من الشيطان ووسوساته، كي يحزن ويكدر على صاحب المنام حياته، فيصور للإنسان في منامه ما يفزعه من شيء في نفسه أو ماله أو أهله ومجتمعه؛ لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين كما قال الله تعالى: ﴿إنما النجوىٰ من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾، فعلينا الحذر منه سواء في اليقظة أو في المنام؛ قال الله تعالى: ﴿إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدوا﴾.
3 – حديث النفس: ما يعرف بـ ﴿بل قالوا أضغاث أحلام﴾، وهو عبارة عن أحداث ومخاوف في الذاكرة والعقل الباطن.
رؤى الأنبياء والصالحين
يعتبر منام الأنبياء أو الرسل من المنامات التي يرسلها الله للمبعوثين، وتكون لهذه المنامات رمزية قوية وتأثير كبير على صاحب الرؤيا وعلى المجتمع بأكمله، ودليل ذلك رؤيا الملك في عصر سيدنا يوسف عليه السلام عندما قال: ﴿وقال الملك إني أرىٰ سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجافٌ وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾، وقد فسرها النبي يوسف بسنوات الرخاء والجفاف، ولولا الخطة التي اعتمدها الملك بادخار القمح في سنوات الرخاء لهلكوا في سنوات القحط. وأول رؤيا لسيدنا يوسف قصها على أبيه ذكرها القرآن الكريم في سورة يوسف: ﴿إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين﴾. وقد رسخت هذه الرؤيا نبوة سيدنا يوسف (عليه السلام). وقد وهبه تعالى علم تفسير المنامات، ففسر رؤيا صاحبي السجن: ﴿ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين﴾، فكان تفسير الرؤيا: ﴿يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان﴾.
من المنامات المعبرة في القرآن الكريم والتي ترسخ معاني الصبر والطاعة رؤيا نبينا إبراهيم الذي قال: ﴿فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرىٰ في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترىٰ قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين﴾. أما رؤيا رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) التي قال فيها الله (عز وجل): ﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذٰلك فتحا قريبا﴾، وهي رؤيا مبشرة من الله تعالى لرسوله بفتح مكة ودخول المسجد الحرام بعد سنوات من التهجير والظلم، وقد تحققت الرؤيا وكان وعد الله حقا.
خلاصة فقه الرؤيا.. يتعين علينا أن نتذكر أن الرؤيا والمنام هي نعمة من الله وقد تكون محذرة ومنبهة أو مبشرة ودالة، وعلينا أن نحترمها ونعاملها بجدية وتأن.
وينبغي أن نسعى لفهم دلالات وتفسير المنامات عند أهل الاختصاص بطريقة صحيحة بما يتوافق مع قواعد الشرع ولا يتعارض مع الأحكام الشرعية، ولا يترتب عليها الأثر الشرعي؛ فإنها لا تعد حجة ولا دليلا شرعيا يعتمد عليه لإثبات أو نفي حكم أو مسألة شرعية.
إرسال التعليق