غزّة
…
هي المدينة التي أُبيد مغرموها ودارت الأرض بالناجين منهم.
مدينة لا تذكُر إسمها إلا ونهشك الخجل وذكّرك بأنك مُتخاذلٌ بصوتك الضعيف بعيداً عن جبهاتها المشتعلة وبمأمنٍ من مخيماتها المهدّدة وطوابير انتظار المؤونة وقعقعة الملاعق على الصحون الفارغة، بعيداً حيث تتفرّج فقط ولا يمكنك تحريكُ عرش ظالم أو عربةِ خضار ولا حتى غُصن شجرة، ولاشيء .. لاشيء سوى الاستماع لقرارات الأمم في بوق الإنسانية الأجوف.
هي مدينة مُنتزعةٌ خارطتها ومُستلبةٌ هويتها ولا تأشيرة مرورٍ لها .. لا تملك ترف دعوتكَ إلى مناطقها المهدّمة ولايمكنك أرشفة ذكرياتك حولها إلا عبر مقاطع التهجير والتجويع والقتل والتدمير.
غزّة .. مدينة مترفّعة عن معاتبتك، تُمزّق برقيات التعازي وكل تعاطفٍ مُفبرك ، غسلت كفّيها بدماء أبناءها، منتبذةً أقاصي الخيبة .. لتترككَ تتذكّرها وتتوارى فزِعاً ومُستَلب الإرادة والشجاعة.
غزّة .. المدينة الوحيدة التي تؤدّب جشعنا نحن المُفرِطون في التشكّي والاستياء بسببٍ او بدونه وتتركنا معلقين في غرامٍ يصعب علينا مناله.
زينب الكناني
إرسال التعليق