رحيل عبد الناصر والانفصال عن سوريا
على الرغم من رحيل عبد الناصر منذ 54 عاما اثر أزمة قلبية فاجأته عند وداعه امير الكويت إلا أن الرحيل الحقيقي لعبد الناصر بدأ بالرحيل النفسي عندما انفصلت سوريا عن مصر اثر انقلاب قادته زمرة متأمرة عميلة للاستعمار والصهيونية في 28 سبتمبر عام 1961 وهو نفس اليوم الذي رحل فيه عبد الناصر لقد اكتسبت سوريا مكانة خاصة في قلب عبد الناصر نظرا للروابط التاريخية التي ربطتها مع مصر والتي عززتها المواقف فلقد وقفت سوريا مع مصر في مواجهة جحافل الغزو الاستعماري على المنطقة وتمكن الدولتين من صد الغزو الصليبي والتتاري على المشرق العربي وقفت سوريا بجانب مصر إبان العدوان الثلاثي على مصر وقامت بقطع خطوط النفط عن سفن العدوان واختلط الدم السوري بالدم المصري في معركة البرلس وعبر الإعلامي عبد الهادي بكار عن هذا التضامن عندما أعلن من راديو دمشق هنا القاهرة وزادت تلك المواقف قناعة لدى عبد الناصر بأنه لا مستقبل لمصر بدون سوريا ولا مستقبل لسوريا بدون مصر وعبر عبد الناصر عن ذلك عندما أرسل فرقة من الجيش المصري للوقوف بجانب إخوانهم السوريين في مواجهة القوات التركية التي احتشدت في مواجهة الجيش السوري واشعل هذا الموقف مشاعر الشعب السوري التي خرجت في كل أنحاء سوريا تطالب بالوحدة واتجه وفد من مجلس الشعب السوري إلى مصر واتجه إلى مجلس الأمة المصري لمطالبة عبد الناصر بالوحدة الفورية واشتعلت المشاعر بين البلدين وأعلن عبد الناصر أنه مؤمن بالوحدة ولكن الأمر يتطلب الإعداد الجيد لها حتى تقف على أسس راسخة إلا أن مشاعر الشعب السوري لم يكن لشخص أن يجمحها وأمام الضغط الشعبي أتجه قادة الجيش السوري إلى مصر وقابل عبد الناصر وأعلن عن عزمه على عدم العودة إلى مصر إلا بعد قبول عبد الناصر للوحدة الفورية وأمام الضغوط الرسمية والشعبية أعلن عبد الناصر قبوله للوحدة واجريت الانتخابات وفاز عبد الناصر برئاسة الدولة الجديدة التي سميت بالجمهورية العربية المتحدة ووجدت إسرائيل نفسها لأول مرة بين فكي كماشة وكان طبيعيا أن تتحرك قوى الاستعمار والرجعية لإجهاض تلك التجربة مستغلة في ذلك الأخطاء التي شابت تلك التجربة والتي أعتقد أن من أهمها قرارات التأميم التي لم تكن تناسب المجتمع السوري فضلا عن سوء إدارة الضباط المصريين الذين اداروا سوريا للأوضاع في سوريا والصراعات التي اندلعت بين القادة والعسكريين برئاسة عبد الحكيم عامر والقادة العسكريين السوريين وفي ليلة ظلماء من مساء 28 سبتمبر عام 1961 تحركت وحدات من الجيش السوري واستولت على إذاعة دمشق واعلنت نبأ الانفصال والذي كان صدمة كبرى لعبد الناصر والذي كان بمثابة انتكاسة لمشروعه القومي والذي كانت نواته الجمهورية العربية المتحدة ونظرا للحب الجارف الذي لمسه عبد الناصر من الشعب السوري والذي قاموا بحمل سيارته عند وصوله إلى دمشق فلقد انعكست تلك الصدمة على الحالة الصحية والنفسية لعبد الناصر حيث تفاقم مرض السكري عليه وتسبب الانفصال في اشتعال صراع السلطة بين عبد الحكيم عامر وعبد الناصر والذي انتهى بنكسة عام 1967 وعقب رحيل عبد الناصر وانسلاخ مصر عن حالة الصراع العربي الإسرائيلي استطاعت إسرائيل غزو العراق ولبنان واستفردت إسرائيل بكل دولة على حدة حتى وصلنا الى الوضع المزري الذي وصلنا له اليوم إلا أن تلك الأحداث أكدت حقيقة مؤكدة أنه لا مستقبل للأمة العربية إلا بالوحدة والتي يجب أن تكون سوريا ومصر الركيزة لها ولعل هذا يتطلب من النظام المصري تكريس تلك الروابط بين الشعبين من خلال وضع شروط ميسرة لإقامة السوريين والسودانيين في مصر لأن المادة ليست كل شيئ في الحياة كما أطالب من الإخوة السوريين عدم الانسياق وراء الشائعات التي يبثها أعداء العروبة والإسلام والتي تهدف إلى إحداث فرقة بين المصريين والسوريين وبهذا فقط يمكن أن يتحقق حلم الوحدة بين مصر وسوريا من جديد على أسس جديدة قائمة على تحقيق المصالح المشتركة لا يمكن لأعداء العرب والإسلام أن يهدموا هذا الحلم والذي بدونه لن تقام لأمتنا دولة قوية تعيد احلام الماضي وتبني امال المستقبل .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق