بعد فرار 7 فلسطينيين من سجن جلبوع عبد الناصر عوني فروانة عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو لجنة إدارة هيئة شئون الأسرى بقطاع غزة في حوار خاص
– عملية الهروب من سجن جلبوع لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة .
– إدارة السجون الإسرائيلية لم ولن تستوعب فشلها فيما حققه الأسرى من معجزة جلبوع وصعدت وستصعد غضبها أكثر ضد الأسرى المحتجزين مما يهدد بانفجار شامل .
آثار نجاح هروب سبعة من الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع رغم الإجراءات الإسرائيلية المشددة ردود فعل داخلية وخارجية إذ دفعت تلك العملية باقي الأسرى المحتجزين إلى زيادة تمردهم على الأوضاع التي يعيشونها داخل السجون الإسرائيلية كما شكلت تلك العملية دفعة معنوية هائلة للفلسطينيين في مقاومتهم للاحتلال الاسرائيلي للحصول على حريتهم وإقامة دولتهم على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف ، وفي محاولة لإلقاء الضوء على تلك العملية وأبعادها كان لنا هذا الحوار مع عبد الناصر فروانة عضو المجلس الوطني الفلسطيني وفيما يلي نص هذا الحوار :-
– ما هي رؤيتك لنجاح سبعة من الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع من الفرار من السجن وما تأثيرها على بقية السجناء ؟
الهروب يعني الفرار من شيء غير مرغوب فيه، والهروب من السجن هو إحدى الوسائل الشائعة الحدوث في العالم قاطبة لنيل الحرية، ويزخر عالم السجناء بالكثير من قصص الهروب الناجحة والملهمة. والأسرى الفلسطينيون هم جزء من هذا العالم، ومن حقهم اللجوء إلى تلك الوسيلة لكسر قيدهم وانتزاع حريتهم رغماً عن السجّان الإسرائيلي، فمارسوا هذا الحق كثيراً وحاولوا الهروب مراراً وحققوا النجاح مرات عدة، فرادى وجماعات. فالتاريخ الخاص بالحركة الوطنية الأسيرة لا يستطيع إغفال أهميتها، ويَحفظ لأولئك الأبطال حقوقهم في الانتصار على المحتل منذ وطأت أقدامه الأراضي الفلسطينية، وبعد أن زُجّ الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.
إن محاولات هروب الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية تُعد بالعشرات، وقد نُسجت حولها روايات مثيرة وقصص كثيرة، تستحق التوثيق بكل تفاصيلها وتصلح لأن تكون سيناريوهات لأفلام عالمية. وقد اتبع الأسرى الفلسطينيون طرقاً وأشكالاً عدة في محاولاتهم الهرب من السجون الإسرائيلية، شطة ونفحة وعسقلان وغزة والدامون وكفار يونا وبئر السبع والنقب وعوفر وعتليت ومجدو وأنصار2 وجلبوع، منها: نشر قضبان نوافذ الغرف الصغيرة والزنازين الضيقة، أو فتح ثغرات في جدار الأسلاك الشائكة المحيطة بالمعتقلات، أو إحداث فتحة في أرضية الغرفة التي تعلو حمام غرفة الزيارات في الطابق الأول، وأحياناً عبر نفق يتم حفره تحت الأرض، أو من خلال خداع شرطة السجن والحراسات للهروب في السيارات التي تزود السجن بالخبز والمواد الغذائية، بالإضافة إلى استغلال فرص الذهاب إلى المحكمة، أو أثناء التنقل من سجن إلى آخر والهروب من السيارة التي تقلهم.
إن محاولات الهروب من سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي، ازدادت بعد سنة 1967، وسجلت انتصارات أربكت سلطات الاحتلال وأجهزتها الأمنية، وكشفت عمّا يتسلح به الأسرى من إرادة قوية، وعكست ما يدور بداخلهم من إصرار على تحدي السجان وواقع السجن، وإجراءاته الأمنية المشددة، للإفلات من الظلم ومغادرة واقع لا يرغبون في الاستمرار في البقاء فيه، والفرار نحو عالم الحرية.
وبالمقابل دفعت محاولات الهروب المتعددة هذه إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية إلى تشديد إجراءاتها وتكثيف احتياطاتها الأمنية، واتخاذ خطوات أكثر قمعية في تعاملها اليومي مع الأسرى عقب كل محاولة هروب، اعتقاداً منها أن تلك الإجراءات تضمن منع تكرارها، وفي بعض الأحيان اتخذت محاولات الهروب هذه ذريعة لتمرير قوانين وإجراءات جديدة تزيد في التضييق على الأسرى وتشدد الخناق عليهم.
ومع ذلك لا يزال الأسرى يصرون على اختراق الجدران، وكسر حكم المؤبد وتحرير أنفسهم، وانتزاع حقهم في الحرية. هذا حقهم. إذ يمنحهم القانون الدولي- كما تمنحهم الطبيعة الإنسانية- الحق في العيش أحراراً، واللجوء إلى كافة الوسائل الممكنة والمشروعة لانتزاع هذا الحق المشروع.
إن كل محاولة من محاولات الهروب من السجن، حققت – بهذا القدر أو ذاك- انتصاراً على السجان الإسرائيلي، وسُجلت جميعها بأحرف من نور في سجل تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة، لكن ليس كل محاولة من تلك المحاولات تكللت بالنجاح، إذ تم اكتشاف بعضها قبل البدء بعملية الهروب، وفي بعضها الآخر تمت ملاحقة الأسرى وإلقاء القبض عليهم وإعادتهم إلى السجن بعد ساعات من تجاوزهم الجدار وتخطّيهم مسافة بضعة كيلومترات من السجن، بينما هناك مجموعة من محاولات الهروب نسجت قصصاً من النجاح وتُوجت بتحقيق الحرية المنشودة للأسرى”الهاربين” من واقع الأسر والقهر والظلم الإسرائيلي، فحُفرت عميقاً في الذاكرة الجمعية الفلسطينية.
وتُعتبر عملية الهروب التي حدثت فجر الإثنين، السادس من أيلول/سبتمبر 2021، واحدة من تلك العمليات التي تُوجت بالنجاح، بل واحدة من أبرز العمليات التي سجلت نجاحات عدة سيسجلها التاريخ بفخر وعزة، وذلك حين تمكن ستة أسرى فلسطينيين (خمسة من حركة الجهاد الإسلامي وهم: محمود عبد الله عارضة، محمد قاسم عارضة، يعقوب محمود قادري، أيهم نايف كمامجي، مناضل يعقوب انفيعات، بالإضافة إلى زكريا محمد زبيدي من حركة فتح)، من الهروب من الزنزانة رقم 5 في القسم2 من سجن “جلبوع” عبر نفق حفروه على مدار عام كامل بطول 25 متراً – بحسب التحقيقات الإسرائيلية- ونجحوا من خلاله في انتزاع حريتهم رغماً عن المحتل وسجانيه. لتشكّل هذه العملية انتصاراً كبيراً للإرادة والعزيمة الفلسطينية، وضربة موجعة للاحتلال وإدارة السجون، وفشلاً ذريعاً وخطِراً للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، لتعيدنا إلى الوراء أربعة وثلاثين عاماً، وتذكّرنا بتلك العملية البطولية الشهيرة التي نجح خلالها ستة أسرى فلسطينيين بالهروب بطريقة مختلفة من سجن غزة المركزي(السرايا) في 17 أيار/مايو 1987.
ثلاثة من أولئك الأسرى الذين نجحوا في الهروب من سجن جلبوع، كانوا مصنّفين لدى إدارة السجون، بأنهم “احتمالية عالية للهرب”، وكانوا قد شاركوا في عملية حفر نفق في محاولة للهروب من سجن شطة في سنة 2014، بينما يُعتبر سجن جلبوع الواقع في غور بيسان (غور الأردن) شمال فلسطين المحتلة، الأشد حراسة وتحصيناً، وقد استعان مهندسو السجون بخبراء ايرلنديين وبالتكنولوجيا الحديثة في تشييد هذا السجن، الذي افتُتح في نيسان/ابريل 2004، إذ تم إدخال بعض العناصر السرية تحت أرضية السجن، بهدف منع الحفر. كما تعتبره المصادر الإسرائيلية بأنه بمثابة قلعة محصنة لا يمكن الهرب منها. ومع ذلك نجح الأسرى في الهروب وانتصرت الإرادة الفلسطينية .
لقد عبّر قادة الاحتلال عن صدمتهم مما حدث في سجن “جلبوع”، وأقروا بفشلهم في عدم اكتشاف محاولة الهروب و إحباطها في مهدها، وهو ما يدفعهم- كالعادة- إلى الانتقام من مجموع الأسرى القابعين في السجون الإسرائيلية، وبصورة خاصة من أولئك الأسرى القابعين في ذات السجن المذكور وعددهم قرابة 400 أسير. فبدأت حملات القمع والتنكيل والتضييق. بالإضافة إلى دعوة الأجهزة الأمنية والعسكرية لتكثيف عملها وجهودها ونشاطاتها للبحث عن الأسرى المحررين الستة بعقلية يسودها الانتقام والثأر والإجرام، وهو ما يشكل خطراً على حياة المحررين في حال معرفة مكان وجودهم أو الوصول إليهم.
لم تكن هذه أول عملية هروب من السجون الإسرائيلية، ولن تكون العملية الأخيرة حين يواصل الاحتلال إصدار أحكام خيالية بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب، ويُصر على احتجازهم في سجونه لسنوات طوال تتجاوز العقدين والثلاثة عقود، وحين تتضاءل الفرص الأُخرى لإطلاق سراحهم. لذا فإن الفلسطينيين لم ولن يدخروا وسيلة إلا وسينتهجونها لكسر قيد أسراهم. هذا حق مكفول وواجب مفروض. بما في ذلك محاولات الهروب الفردية والجماعية من السجن، والتي لجأ إليها الأسرى منذ الأعوام الأولى للاحتلال الإسرائيلي، وهذه أبرزها:
– بتاريخ 31/7/1958، كان في سجن شطة – الواقع في غور بيسان – 190 أسيراً فلسطينياً وعربياً، سجلوا أكبر عملية هروب جماعية عرفتها السجون الإسرائيلية، عندما تمردوا على إدارة السجن، وسيطروا على عدد من السجانين، فقتلوا اثنين منهم، وجرحوا ثلاثة آخرين. وقد نجحت هذه الحركة في حينه في تسهيل هروب سبعة وسبعين منهم، عُرف من أسمائهم: محمود عيسى البطاط من الخليل، وأحمد خليل من غزة، وأحمد علي عثمان من مصر. والجدير بالذكر أن هذه الأسماء هي مَن خطّط أصحابها للعملية. وفي أثناء الملاحقة قتلت قوات الاحتلال11 أسيراً منهم، بينما وصل الباقون إلى الحرية، وسلموا أنفسهم للجيش الأردني، فوفّر لهم الحماية.
-الأسير حمزة يونس الملقب بـ”الزئبق”، ابن قرية عارة في المثلث (جنوب حيفا) نجح في الهرب من السجون الإسرائيلية 3مرات. كانت الأولى من سجن عسقلان في 17/4/1964، والثانية من المستشفى سنة 1967، والثالثة من سجن الرملة سنة 1971، ووصل إلى لبنان وانضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية هناك.
-في شهر 11/1969، تمكن الأسير محمود عبد الله حمّاد، ابن قرية سلواد شمال شرقي رام الله، من الهروب خلال نقله من سجن رام الله إلى سجن آخر، وظل مطارداً في جبال سلواد مدة 9 أشهر قبل أن ينتقل إلى الأردن ومنها إلى الكويت.
–بتاريخ 27/1/1983، نجح الأسير ناصر عيسى حامد في الهروب من مبنى محكمة الاحتلال في رام الله، لكنه قام بتسليم نفسه بعد أربعة أيام من هروبه في إثر اعتقال قوات الاحتلال لوالدته.
-في سنة 1983 تمكن ثلاثة أسرى، هم: خالد برغوث وفهيم حمامرة من الضفة الغربية، ومخلص برغال من اللد، من الهروب من سجن الدامون الذي كان مخصصاً للأشبال، وذلك بمساعدة الأسير خالد الأزرق وعدد من الأسرى الذين راقبوا المكان وتمكنوا من التحايل على السجانين، ونجح ثلاثتهم في اجتياز جدار السجن وتخطّي الشارع الرئيسي، ووصلوا إلى بداية أحراش الكرمل، ثم اكتُشف أمرهم وتمت ملاحقتهم وإلقاء القبض عليهم وإعادتهم إلى السجن، وهو ما عرّضهم للضرب والعزل في زنازين انفرادية عدة أشهر بسبب تلك المحاولة.
– بتاريخ 17/5/1987، نجح ستة أسرى فلسطينيين، هم: مصباح الصوري، ومحمد الجمل، وسامي الشيخ خليل، وصالح أبو شباب، وعماد الصفطاوي، وخالد صالح، في الهروب من سجن غزة المركزي (السرايا) وسط مدينة غزة، بعد أن تمكنوا من نشر قضبان الغرفة (7) في القسم (ب) الواقع في الطابق الثاني من السجن، والفرار من عالم القيد إلى عالم الحرية. وهي عملية الهروب الأبرز والأكثر شهرة من بين مجموع عمليات الهروب،
وبعد بضعة أشهر من المطاردة والاختفاء والمقاومة نال ثلاثة منهم الشهادة خلال اشتباكات مع قوات الاحتلال في حادثين منفصلين، وهم الشهداء: مصباح الصوري، ومحمد الجمل، وسامي الشيخ خليل.
– بتاريخ 21/9/1987، تمكن ثلاثة أسرى من قطاع غزة، وهم: خليل مسعود الراعي، وشوقي أبو نصيرة، وكمال عبد النبي، من نشر قضبان حديدية وقطع أسلاك شائكة وكهربائية وتجاوز كافة التحصينات والإجراءات المعقدة، والهروب بنجاح من سجن نفحة الصحراوي، الذي يقع في عمق صحراء النقب جنوباً، ويُحاط بتحصينات أمنية مشددة، والذي افتُتح سنة 1980 واعتُبر في حينه منفى للأسرى والسجن الأكثر تحصيناً. وبعد ملاحقة ومطاردة طويلة وواسعة تمكنت قوات الاحتلال من إعادة اعتقالهم بعد 8 أيام من هروبهم حين كانوا في طريقهم إلى الحدود المصرية، حيث كانوا ينوون الانتقال إلى خارج البلاد وفقاً للخطة التي رسموها.
– بتاريخ 27/5/1989، نجح الأسير شادي شوكت درويش، من بيت جالا، في الهروب من الطابق الرابع في سجن الخليل، بعد أن قام بنشر قضبان الغرفة التي يتواجد فيها بواسطة مناشير استطاع تهريبها إلى داخل السجن واستطاع النزول من الطابق الرابع بواسطة البطانيات، وقد استشهد بتاريخ 16/8/1989 خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال في منطقة دورا الخليل بعد ثلاثة أشهر من المطاردة والمقاومة. وقامت سلطات الاحتلال باحتجاز جثمانه في مقبرة الأرقام خمسة أعوام قبل أن يتم تسليم جثمانه بتاريخ 31/8/1994 بعد جهود حقوقية وقانونية.
– بتاريخ 10/3/1990، تمكن 5 أسرى من مخيم جباليا شمال قطاع غزة من الهروب من قسم كيلي شيفع في سجن النقب، وهم: رفيق حمدونة، أنور أبو حبل، أيمن عابد، عمر العرينين، وعماد القطناني، ونجحوا في تجاوز الجدار والأسلاك الشائكة وتخطوا مسافات طويلة، وأن ثلاثة منهم تجاوزوا الحدود باتجاه مصر الشقيقة، ثم إلى تونس، ليعودوا إلى الوطن مع السلطة الوطنية، واثنان تم اعتقالهما على الحدود وإعادتها إلى السجن، وهما: رفيق حمدونة وأنور أبو حبل.
-بتاريخ 14/5/1990، تمكن الأسير محمود جابر يوسف نشبت، من مخيم البريج وسط قطاع غزة، من الهروب من القسم (أ) في سجن النقب الصحراوي، وذلك عبر سيارة الشحن الإسرائيلية التي كانت تُحضر الخضروات للسجن، حيث عمل الأسير في مطبخ السجن قبلها بأسبوع، وخطط لعملية الهروب هذه، ونجح في تحقيق ما أراد وانتزع حريته رغماً عن السجان. وفي الطريق المؤدي من النقب إلى بئر السبع قفز من صندوق السيارة الخلفي، حيث كان يختبئ بين أقفاص الخضروات، واستمر سيراً على الأقدام باتجاه غزة. وبقي حراً إلى أن تم اعتقاله بتاريخ 9/8/1990 على الحدود المصرية في أثناء محاولته الخروج من القطاع باتجاه مصر.
– بتاريخ 21/5/1990، وبعد نحو 4 أعوام من الاعتقال، تم نقل الأسير عمر النايف من مدينة جنين إلى المستشفى في بيت لحم، في إثر تدهور وضعه الصحي بعد إضرابه عن الطعام، ومن هناك تمكن من الهرب والإفلات من قبضة المحتل إلى الأردن، ثم الإقامة ببلغاريا منذ سنة 1994، وهناك تم اغتياله داخل مبنى السفارة الفلسطينية في 26 فبراير/شباط 2016 بعد أن طالبت سلطات الاحتلال السلطات البلغارية بتسليمه.
– في صيف 1990، تمكن الأسيران مصطفى أبو العطا وفيصل مهنا، من غزة، من الهروب من معتقل أنصار 2 غربي مدينة غزة، وتمت إعادة اعتقالهما بعد شهر من عملية الهروب.
-بتاريخ 7/7/1992 نجح الأسير الفلسطيني أسامة محمد علي النجار، من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، في الهروب من السيارة التي كانت تنقله إلى المحكمة، وواصل نشاطه المقاوم واستشهد في اشتباك مع قوات الاحتلال.
-بتاريخ 2/1/1995 تمكن الأسير ياسر محمد صالح، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، من الهروب من قسم كيلي شيفع في سجن النقب، وبعد اكتشاف أمره وملاحقته تمكنت قوات الاحتلال من اعتقاله عند الحدود المصرية الفلسطينية، ليكمل محكوميته ويتحرر من سجون الاحتلال في سنة 2009م.
– بتاريخ 4/8/1996، نجح الأسيران غسان مهداوي من طولكرم وتوفيق الزبن من أريحا في الهروب من سجن “كفار يونا” عبر نفق حفروه بطول 11 متراً. الأول أُعيد اعتقاله بعد عام من الهروب ليكمل فترة حكمه، والثاني بقي حراً لسنوات وأعيد اعتقاله سنة 2000.
– مطلع سنة 1996، تمكن الأسير صالح طحاينة من الهروب من سجن النقب الصحراوي بعد أن تحايل على إدارة السجن وانتحل شخصية أسير آخر كان من المقرر الإفراج عنه، ثم أصبح مطارداً من الاحتلال إلى أن نال الشهادة بتاريخ 4/7/1996.
– بتاريخ 12/7/1996، حاول ستة أسرى، وهم: جهاد أبو غبن، وثائر الكرد، ونهاد جندية، ومحمد حمدية، والأربعة من غزة، وحافظ قندس من يافا، ونضال زلوم من رام الله، الهروب من الغرفة 15 بقسم11 في سجن عسقلان، بعد أن نجحوا في إحداث فتحة في أرضية الغرفة التي تعلو حمام غرفة زيارات الأهل في الطابق الأول، وخلال الزيارات تمكنت الدفعة الأولى المكونة من ثلاثة أسرى من الهبوط والتحرك مع العائلات نحو البوابة الخارجية، وحينها اكتُشف الأمر وأُحبطت المحاولة، بينما كانت الدفعة الثانية تنتظر في الغرفة لحظة اللحاق بهم.
-سنة 1996 حاولت مجموعة من الأسرى الهروب من سجن عسقلان عبر نفق حفروه بطول 17 متراً، لكن انسداد شبكة الصرف الصحي أثارت شكوك إدارة السجن بوجود عملية حفر لنفق، وأجرت تفتيشاً، فاكتُشفت العملية وأُحبطت محاولة الهروب.
-في سنة 1998 حاولت مجموعة من الأسرى، أبرزهم عبد الحكيم حنيني وعباس شبانة وإبراهيم شلش، الهرب عبر حفر نفق أرضي من داخل الزنزانة إلى خارج سجن شطة، ونجحوا في ذلك، لكنهم فوجئوا بعد خروجهم من النفق باكتشاف أمرهم، وهو ما أفشل محاولتهم وأعيد اعتقالهم مجدداً.
– بتاريخ 22/5/2003، نجح ثلاثة أسرى، هم: رياض خليفة وأمجد الديك، وكلاهما من بلدة كفر نعمة في رام الله، وخالد شنايصة من بلدة العبيدية في بيت لحم، من حفر نفق بطول 14 متراً، ونجحوا في الفرار من سجن عوفر. وبعد فترة من المطارة استشهد المحرران رياض خليفة وخالد شنايصة، بينما أعيدَ اعتقال المحرَّر أمجد الديك بعد شهر من عملية الهروب.
-بتاريخ 13/6/2014 أعلنت إدارة السجون الإسرائيلية أنها عثرت على نفق حفره الأسرى داخل حمام إحدى غرف سجن “شطة”، التي يتواجد فيها أسرى يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، بهدف الهروب من السجن، فضلاً عن وجود ملابس لدى الأسرى تم تعديلها لتشبه ملابس حراس القسم للتمويه وتسهيل عملية هروبهم.
-بتاريخ 4/8/2014 أعلنت إدارة السجون الإسرائيلية إحباط محاولة هروب جماعية لأسرى فلسطينيين من سجن جلبوع، بعد قيام الأسرى بأعمال حفر في نفق من مرحاض إحدى الزنازين.
-بتاريخ 10/10/2016 أعلنت إدارة السجون الإسرائيلية أنها أحبطت محاولة هروب أسير فلسطيني من “فتحة تهوية” في سجن “إيشل” في مدينة بئر السبع جنوباً.
هذا بالإضافة إلى عملية الهروب الأخيرة من سجن جلبوع. تلك هي محاولات الهروب التي تمكنا من متابعتها ورصدها، بالإضافة إلى تواصلنا مع عدد من الأسرى الذين شاركوا في بعضها، وهي بالتأكيد ليست كل المحاولات التي شهدتها السجون، فلدينا معلومات كثيرة تفيد بحدوث محاولات أُخرى، لكن لم يتسن لنا التأكد من صحة بعضها، كما لم نتمكن من الحصول على معلومات دقيقة وشاملة عن بعضها الآخر، لذا فضلنا عدم سردها في هذا المقال. لكن من المؤكد أن محاولات الهروب من السجون الإسرائيلية كثيرة، وهي بحاجة إلى عمل متكامل نظراً إلى أهميتها، أو إلى بحث علمي يوثق تفاصيلها ويحفظ أحداثها، وهذه دعوة إلى الباحثين والمؤرخين والطلبة الأكاديميين للمضي قدماً في هذا الاتجاه.
– وكيف تقيمون ردود فعل إدارة السجون الإسرائيلية على عملية الهروب ؟
تمر الحركة الاسيرة في هذه الايام بأصعب مراحلها على الاطلاق. وتشهد السجون الاسرائيلية أخطر مراحل القمع والتنكيل ومصادرة حاجيات الاسرى الاساسية، انتقاما من مجموع الاسرى وعقابا جماعيا لهم وخاصة أسرى الجهاد الاسلامي، عقب “معجزة” جلبوع.
ان الحالة التي تشهدها السجون هذه الايام، لن تتوقف، وبتقديري ستستمر وتتصاعد مع قادم الايام، لطالما بقي المحررين طلقاء، فهي ليست مجرد عمليات قمع او اقتحام في هذا السجن او ذاك القسم، وانما هي حربا اسرائيلية مفتوحة ومسعورة ضد الاسرى وقضيتهم ومكونات وجودهم.
ان ادارة السجون الاسرائيلية، لم ولن تستوعب فشلها فيما حققه الاسرى من “معجزة” جلبوع، وصعدت وستصعد أكثر من صب جام غضبها تجاه من بقوا مكبلين بالسلاسل في سجونها ويقدر عددهم بنحو (4600) أسيرا. مما ينذر بانفجار الاوضاع هناك. وقد تتكرر الاعمال الفردية وتتدحرج الى ثورة ضد السجان.
ان المرحلة الحالية تتطلب الاصطفاف حول الاسرى وحماية المحررين وضمان استمرار بقائهم احرارا.
ان ما تحقق من “معجزة” في جلبوع يشكل انتصارا للكل الفلسطيني، وفيما لو حدث اي مكروه للمحررين، سيدفع الجميع الثمن وقد يكون الثمن باهظا.
– وما هي حقيقة مقابر الأرقام التي دشنتها إسرائيل للشهداء الفلسطينيين ؟
“مقابر الأرقام” اسم ارتبط بسجلات أسماء الشهداء، الفلسطينيين والعرب، المحتجزة جثامينهم لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وهي مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة، ويُمنع الاقتراب منها أو تصويرها، ولا يُسمح لذوي الضحايا أو لممثلي المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام بزيارتها. ومقابر الأرقام هذه عبارة عن مدافن بسيطة، تميزها لوحات أكلها الصدأ، وعليها أرقام، دفنت فيها الجثامين قريبا من سطح الأرض، بل إن بعض هذه القبور قد تلاشى تماما، بفعل السيول ومياه الأمطار، التي جرفت ما بداخلها، فظهرت الأعضاء على سطح الأرض. وسميت بمقابر الأرقام لأن كل قبر عليه رقم، ولكل رقم دلالاته وتفاصيله في ملف شامل لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي ما زالت تخافهم بعد موتهم، ولكن شعبهم لا يزال ينتظرهم حتى يعودوا.
– وما مدى تأثير إضراب الطعام الذي لجأ إليه الأسرى الفلسطينيين للحصول على حريتهم ؟
لم يكن الإضراب عن الطعام يوماً هو الخيار الأول أمام الأسرى، كما لم يكن هو الخيار المفضل لديهم، وليس هو الأسهل والأقل ألماً ووجعاً، وإنما هو الخيار الأخير وغير المفضل، وهو الأشد إيلاماً والأكثر وجعاً، فهم لا يهوون تجويع أنفسهم ولا يرغبون في إيذاء أجسادهم، كما لا يرغبون في أن يسقط منهم شهداء في السجون.
لكنهم يلجؤون لهذا الخيار مضطرين ورغما عنهم، وذلك بعد استنفاد الخيارات الأخرى، وبعدما يتوصل الأسرى الى قناعة بفشل تلك الخيارات التي تُعتبر أقل ألما وقسوة، في ظل تقاعس المجتمع الدولي وعجز مؤسساته الحقوقية والإنسانية عن إلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجونها ومعتقلاتها، وذلك تجسيداً لثقافة المقاومة، باعتبار الإضراب عن الطعام شكلاً من أشكال المقاومة السلمية خلف القضبان، وعلى قاعدة أن الحقوق تُنتزع ولا توهب، وصوناً لكرامتهم المهانة، ودفاعاً عن مكانتهم النضالية والقانونية ومشروعية مقاومتهم للمحتل.
لقد خاض الأسرى منذ عام 1967 عشرات الإضرابات الجماعية عن الطعام، أقدمها كان في سجن الرملة عام 1968، وأطولها في عسقلان عام 1976 واستمر لـ 45 يومًا، وأشهرها في سجن نفحة في تموز1980 واضراب 1992، وأحدثها “الحرية والكرامة” عام 2017، فيما أعلن المعتقلون الإداريون قبل عامين تقريبا إضرابا متدحرجا رفضا للاعتقال الإداري.
وقد شهد سجن عسقلان في الخامس من تموز/ يوليو عام1970، بدء الإضراب الجماعي، الذي يُعتبر أول إضراب منظم عن الطعام يخوضه الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واستشهد فيه الأسير عبد القادر أبو الفحم بعد سبعة أيام من انطلاقه. والحق أن هذا الإضراب المبكر، شكّل حافزاً للحركة الأسيرة، نحو المزيد من الإضرابات الجماعيـة المنظمة والنوعية عن الطعام. فتوالت الإضرابات بعد ذلك، في كافة السجون، وقدم الأسرى خلالها تضحيات جساما، وسقط المزيد من الأسرى شهداء، ويٌعتبر عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد في سجن عسقلان عام1970 هو أول شهداء الاضرابات عن الطعام، ومن ثم تبعه راسم حلاوة وعلى الجعفري عام 1980 واسحق مراغة عام 1983 وحسين عبيدات عام 1992. هذا بالإضافة الى أن الإضرابات عن الطعام تسببت بأمراض كثيرة واعاقات عديدة لعشرات من الأسرى الفلسطينيين جراء التغذية القسرية والاجراءات التعسفية والاهمال الطبي للمضربين.
ومع مرور الوقت أضحت الاضرابات عن الطعام –رغم مرارتها وقسوتها- ثقافة متجذرة لدى الحركة الوطنية الأسيرة، ومن خلالها استطاع الأسرى الذود عن كرامتهم وانتزاع العديد من حقوقهم المسلوبة وتغيير الشروط الحياتية وتحسين ظروف احتجازهم. ومنذ أواخر العام 2011، ولأسباب ودوافع عديدة وظروف ذاتية وموضوعية فرضتها المرحلة، برزت الإضرابات الفردية وخاض مئات الأسرى والمعتقلون اضرابات فردية، حتى غدت ظاهرة آخذة في الاتساع وأرقامها تسير إلى الارتفاع، وأن غالبيتها العظمى كانت رفضا للاعتقال الإداري.
واليوم نقف احتراماً وتقديرا، ونسجل فخراً واعتزازاً أمام صمود المعتقل الفلسطيني الغضنفر أبو عطوان (28عاما) من مدينة دورا جنوب الخليل، المتسلح بالإرادة والعزيمة والإصرار على مواصلة إضرابه عن الطعام والذي بدأه في الخامس من آيار/مايو الماضي، رفضا لاستمرار اعتقاله الاداري، دون تهمة أو محاكمة.
ان اضراب المعتقل الفلسطيني الغضنفر أبو عطوان، ليس اضراباً عاديا، أو مجرد أيام صعبة يقضيها في ظروف غير طبيعية، وقد تجاوزت الشهرين بأربعة أيام، وإنما يشكل ملحمة بطولية وحالة نضالية ومرحلة حملت في طياتها الكثير من المحطات وتستدعي الوقوف أمامها وتسليط الضوء عليها، كما وتستوجب التحرك الجاد والفاعل لنصرة أبو عطوان ووضع حد لمعاناته المتفاقمة، في ظل تدهور حالته الصحية ورفض سلطات الاحتلال نقله الى المشافي الفلسطينية لتلقي العلاج، ومحاولاتها الالتفاف على اضرابه وسعيها لكسر ارادته من خلال ما يُسمى “تجميد” قرار الاعتقال الإداري، والذي لا يعني الالغاء. لذا قرر “ابو عطوان” الاستمرار في معركة الأمعاء الخاوية، برغم الظروف المحيطة وما يُمارس بحقه من إجراءات قمعية واستفزازية، وما يتعرض إليه من ضغوطات نفسية وجسدية، وهو ما يزال مستمرا في إضرابه عن الطعام حتى تحقيق الانتصار وإنهاء اعتقاله التعسفي وانتزاع حريته المشروعة.
ان معركة “الغضنفر أبو عطوان”، هي معركتنا جميعا، ومن الواجب دعمه واسناده بكل الوسائل الممكنة في مواجهة السجان وسياسة الاعتقال الإداري، وتوسيع الحراك النضالي ودائرة الفعل والتضامن المحلي والاقليمي والدولي، وهذا يشكل عاملا اساسيا وملحا لانتصار نضالات الأسرى خلف القضبان.
– وما تقييمكم لعمل المديرة الجديدة للصليب الأحمر في قطاع غزة ؟
توفير آليات للتواصل الانساني ما بين اسرى غزة وذويهم هو الاختبار الحقيقي أمام المديرة الجديدة للصليب الاحمر في قطاع غزة “ميريام ميلر “.
ان استمرار توقف الزيارات وانعدام وسائل التواصل البديلة، يفاقم من معاناة الطرفين ويزيد من قلق كل طرف على الآخر لاسيما قلق الاسرى وخشيتهم على اسرهم وعائلاتهم واحبتهم في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي.
ان اسرى قطاع غزة وعددهم قرابة (240) اسيرا، محرومين من زيارات الاهل وكافة آليات التواصل البديلة منذ انتشار جائحة “كورونا” في المنطقة قبل نحو سنة وثلاثة شهور. مما فاقم من معاناة الاسرى وذويهم.
– وماذا بالنسبة لأعداد ومعاناة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ؟
ان سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتمدت الاعتقالات نهجاً منظماً وممارسة مؤسساتية ووسيلة لقمعهم وإرهابهم وبث الرعب والخوف في نفوسهم، وإلحاق الأذى والضرر بوضعهم الصحي وكبح ارادتهم ومقاومتهم.
فسُجل نحو مليون حالة اعتقال منذ العام 1967، وهي النسبة الأكبر في العالم، وأن تلك الاعتقالات امتدت وشملت كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني من جميع المستويات والطبقات والفئات، ذكوراً وإناثاً، أطفالاً ورجالاً، صغاراً وشيوخاً. حتى أضحت الاعتقالات جزءًا لا يتجزأ من فلسفة الاحتلال وسلوكه اليومي في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين. وباتت جزءًا أساسيًا من منهجية الاحتلال للسيطرة على الشعب الفلسطيني، حتى غدت الاعتقالات الوسيلة الأكثر قمعًا وقهرًا وخرابًا بالفرد والأسرة والمجتمع الفلسطيني. ومع ذلك لم تنجح في دفع الشعب الفلسطيني للتخلي عن حقوقه ووقف مسيرته الكفاحيه ضد المحتل من أجل انتزاع حريته.
وما زال نحو (4500) اسير موزعين على نحو 23 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف، بينهم (140) طفلا و(41) اسيرة، و(440) معتقلا إداريا، دون تهمة أو محاكمة، و(10) نواب سابقين، ومئات من الأكاديميين والكفاءات العلمية والرياضيين والقيادات السياسية والمجتمعة. وعشرات كبار السن وأكبرهم سناً الأسير “فؤاد الشوبكي” الذي يبلغ من العمر (81 عاما).
وتشير المعطيات الإحصائية الى وجود قرابة (550) أسير يعانون من أمراض مختلفة، منهم عشرات ظروفهم صعبة للغاية، حيث يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، كالسرطان والقلب والفشل الكلوي والشلل، وهؤلاء بحاجة الى رعاية طبية مناسبة وتدخل علاجي عاجل لإنقاذ حياتهم. كما وتشير إلى أن نحو ((543 أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد “مدى الحياة” مرة واحدة أو عدة مرات، وأعلاهم حكما الأسير عبد الله البرغوثي، والذي صدر بحقه حكما بالسجن المؤبد (67) مرة.
ولعل المؤلم أكثر وجود (62) أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين سنة على التوالي. بينهم (33) أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من 25سنة، ومنهم (13) أسيرا وقد هَرِموا بعد أن أمضوا ثلاثين سنة وأكثر في سجون الاحتلال وما زالوا وراء القضبان. هذا بالإضافة إلى عشرات آخرين ممن تحرروا في صفقة وفاء الأحرار (شاليط) وقد أعاد الاحتلال اعتقالهم، ولعل أبرزهم “نائل البرغوثي” الذي أمضى ما مجموعه (41) سنة على فترتين. أرقام صادمة تُثير فينا كثير من الألم والوجع.
ان جميع هؤلاء المعتقلين تعرضوا لشكل أو أكثر من اشكال التعذيب الجسدي أو النفسي، والى الكثير من الانتهاكات والجرائم، تتمثل في: أماكن الاعتقال وسوء ظروف الاحتجاز والتهوية وسياسة الاعتقال الإداري والعذيب والعزل الانفرادي والتنكيل والقمع المنظم والإهمال الطبي والأحكام العالية وفرض الغرامات المالية الباهظة والحرمان من التعليم وزيارات الأهل ووضع عراقيل أمام زيارات المحامين وسوء الطعام ..الخ. مما يفاقم من معاناتهم ويضاعف من آلامهم ويسبب لهم كثير من الأمراض وهذا ما أدى الى استشهاد نحو(226) أسيراً داخل سجون الاحتلال منذ العام 1967، بسبب الاهمال الطبي والتعذيب المميت والقتل العمد. هذا بالإضافة الى مئات آخرين –لم يتم احصاءهم- توفوا بعد خروجهم من السجن متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون. وآخرين كُثر كان السجن قد تسبب لهم بإعاقات مستدامة، جسدية وعقلية أو حسية (بصرية وسمعية).
ولم تقتصر الاعتقالات أو الانتهاكات بحق الأحياء فقط، وانما تواصل سلطات الاحتلال احتجاز جثامين أكثر من (250) شهيدا، في مقابر الأرقام أو ثلاجات الموتى، من بينهم (7) جثامين لأسرى فلسطينيين استشهدوا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت جثامينهم محتجزة. وهذه تعتبر من أكبر الجرائم القانونية والانسانية والأخلاقية.
– وكيف تتعامل سلطات الاحتلال مع الأسرى من الأطفال ؟
لقد شكلّت عمليات اعتقال الأطفال الفلسطينيين، سياسة إسرائيلية ثابتة منذ بدايات الاحتلال الإسرائيلي، واستمرت دون توقف حتى يومنا هذا، ويُقدر عدد من اعتقلتهم سلطات الاحتلال منذ العام 1967 ما يزيد عن (50.000) طفل فلسطيني، ذكورا واناثا، دون احترام للقواعد النموذجية الدنيا في معاملة الأطفال المحتجزين، ودون أن تلبي أدنى احتياجاتهم الأساسية والإنسانية. وذلك بهدف تشويه واقعهم وتدمير مستقبلهم والتأثير على توجهاتهم المستقبلية بصورة سلبية وخلق جيل مهزوز ومهزوم، إذ لم تخلُ السجون الإسرائيلية يوما من تمثيلهم.
ويُحتجز هؤلاء الأطفال في ظروف صعبة وشروط حياتية قاسية، ويتعرضون إلى صنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، ويتلقون معاملة لا إنسانية وأحياناً يُعاملوا بقسوة وعنف، وتُنتزع الاعترافات منهم تحت وطأة التعذيب والتهديد، ويُحرموا من أبسط حقوقهم الأساسية، كالحق في التعليم والعلاج والغذاء وزيارات الأهل والمحاكمة العادلة وغيرها.
وخلال السنوات الأخيرة تمادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في امعانها وجرائمها بحق الأطفال الفلسطينيين، وخاصة أطفال القدس، حيث ناقش الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) وأقر عدة قوانين تستهدف واقع ومستقبل الأطفال الفلسطينيين، وبما يسهل اجراءات اعتقالهم ومحاكمتهم وتغليظ العقوبات بحقهم.
ان انتشار جائحة “كورونا” لم يشفع للأطفال الفلسطينيين، إذ واصلت سلطات الاحتلال اعتقالاتها لهم، وسجل العام المنصرم2020 اعتقال نحو 543)) طفلا، فيما اعتقلت منذ مطلع العام الجاري قرابة (250) طفل. ومازالت سلطات الاحتلال تحتجز في سجونها نحو (140) طفلا فلسطينيا، يتواجدون في سجون عوفر ومجدو والدامون.
لقد دفع الأطفال الفلسطينيين ثمناً باهظاً، على مدار سني الاحتلال، ومن يقرأ شهادات الأطفال الذين مرّوا بتجربة الاعتقال يُصاب بالذهول والصدمة، ويكتشف أن غرف التحقيق والتعذيب ومراكز الاحتجاز، ليست سوى مسلخ للطفولة الفلسطينية وافتراس لكل ما هو جميل ورائع فيها، وأن حقوق الطفل ليس لها مكان على أجندة الاحتلال حينما يتعلق الأمر بمعاملة الأطفال الفلسطينيين.
– تحدثت الأنباء عن تفشي وباء كورونا داخل السجون الإسرائيلية ، فما حقيقة ذلك وكيف تعاملت سلطات الاحتلال مع انتشار هذا الوباء ؟
نعم. تحل مناسبة “يوم الأسير” هذا العام في ظل تفشي وباء “كورونا” داخل سجون الاحتلال، ولم يعد هناك فرقاً ما بين “كورونا” والسجان الإسرائيلي، فكلاهما يؤذي الجسد ويعذب الروح ويقتل النفس،. وان اجتمع الاثنان تفاقمت معاناة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
إن الأوضاع منذ انتشار “كورونا”، لم تتغير، فالاعتقالات مستمرة، وسُجل منذ انتشار الجائحة في المنطقة في آذار/ مارس من العام الماضي اعتقال قرابة (5000) فلسطيني/ة، كما وبقيت ظروف الاحتجاز في سجون الاحتلال على حالها، وقواعد المعاملة وظروف التحقيق وأدوات التعذيب دون تغيير، ولم تتخذ ادارة السجون اجراءات السلامة وتدابير الحماية، ولم توفر أدوات الوقاية، كما ولم تُخفض من مستوى اجراءاتها التي تُنفذها يومياً بدواعي (الأمن)، دون مراعاة لخطورة الاحتكاك والمخالطة واحتمالية انتشار العدوى، حتى تفشى الوباء بين صفوف الأسرى وأصاب (368) أسيراً، حتى كتابة هذه السطور، وفقا للرواية الإسرائيلية التي لا نثق بها، لذا يُعتقد أن تكون أرقام المصابين أكبر من ذلك.
ان سلطات الاحتلال لم تكتفِ بعدم تقديم ما هو ضروري وإنساني، وإنما سعت إلى الى توظيف فايروس “كورونا” لمعاقبة الاسرى وذويهم ومفاقمة معاناتهم، وكأن التعذيب النفسي والجسدي والإهمال الطبي وتجويع المحجوزين لم يعد كافياً لإشباع نهمها الانتقامي وتنفيس حقدها، فصادرت الحق في زيارة الأهل ووضعت عراقيل أمام زيارات المحامين وفرضت اجراءات استثنائية بذريعة “كورونا”، والتي يُخشى ان تتحول الى قاعدة يحتاج تغييرها وإعادة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل زمن “كورونا” إلى كثير من التضحيات والخطوات النضالية.
لكنها حاولت في الآونة الأخيرة خداع الرأي العام والتحايل على مطالبات المؤسسات الحقوقية، فاتخذت بعض الخطوات الشكلية، وقدمت اللقاح لغالبية الأسرى، في ظل عياب الإشراف الدولي ورفضها الرقابة الطبية الدولية المحايدة، مما يجعلنا نشكك في نواياها ويُخشى استخدام الأسرى حقول لتجارب اللقاحات.!
– وما هي حقيقة تعرض النساء الفلسطينيات للتعذيب والاغتصاب داخل سجون الاحتلال ؟
يُقدر عدد من اعتقلهن الاحتلال منذ العام 1967 بنحو سبعة عشر ألف مواطنة، شملت أمهات وزوجات، ونساء كبيرات طاعنات في السن، وحوامل ومريضات ومعاقات، وفتيات قاصرات وطالبات في مراحل تعليمية مختلفة، وكفاءات أكاديمية وقيادات مجتمعية ونائبات منتخبات في المجلس التشريعي. وما زالت تحتجز في سجونها نحو (41) اسيرة، بينهن النائب “خالدة جرار”، والعديد من المريضات أبرزهن الأسيرة اسراء الجعابيص.
ولا تختلف الأشكال والأساليب، التي يتبعها الاحتلال عند اعتقاله للمرأة أو الفتاة، عن تلك التي يتبعها عند اعتقال الرجال، كما وتتعرض المعتقلات بالفعل إلى صنوف مختلفة من التعذيب القاسي، الجسدي أو النفسي والمعاملة المهينة، دون مراعاة لجنسها وخصوصيتها، وبعضهن تعرضن بالفعل للتحرش اللفظي أو الجنسي والتعري والتهديد بالاغتصاب، وقلائل منهن من تجرأن وتحدثن بمرارة عما تعرضن لهن من تعذيب وما مورس بحقهن من جرائم ومن بينها الاغتصاب.
إن معاناة وعذابات النساء الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال، تتعدى الوصف، وتصلح لأن تكون سيناريوهات سينمائية. وقد يخيل للبعض أن وصفنا مبالغ فيه، وربما كان سبب ذلكـ اقتصار دلائل الإثبات لدينا على الروايات والشهادات، التي تقدمها الضحايا، في ظل إصرار دولة الاحتلال على أن تُبقي أبواب سجونها مغلقة أمام وسائل الاعلام والمنظمات الدولية وممثلي مؤسسات حقوق الإنسان.
– وما هو موقف المنظمات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان من تلك الانتهاكات ؟
هناك موقف حقوقي وقانوني واضح من قبل المنظمات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان، الفلسطينية والعربية، ازاء ممارسات الاحتلال بحق الأسرى والأسيرات، باعتبارها انتهاكات جسيمة ويرتقي بعضها لمصاف جرائم، وفقا للاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأن جميع تلك المنظمات تدين الاحتلال، ولكن التفاوت يكمن في دور تلك المؤسسات ومتابعتها وقوة فعلها وتأثيرها.
– هل قمتم بتوثيق تلك الجرائم ورفعها إلى المنظمات الدولية والحقوقية للمطالبة بحماية الأسرى وحسن معاملتهم؟ وما هو موقف تلك المنظمات من تلك الانتهاكات ؟
نعم. نقوم المؤسسات المعنية بمتابعة الانتهاكات والجرائم عبر طواقم متعددة، ونعمل على توثيقها، ورفعها الى المنظمات الدولية، ولقد تواصلنا مرارا مع تلك المنظمات الدولية، ونلتقي باستمرار مع مسؤوليها أو ممثلين عنها، وأنا شخصيا زرت مؤسسات دولية كثيرة في العالم والتقيت مسؤولين فيها، وفي كل مرة نطالبهم بضرورة توفير الحماية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال والتدخل لإلزام دولة الاحتلال على احترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعاملها معهم، كما وطالبنا مرارا ومنذ سنوات طويلة بضرورة إرسال وفد طبي دولي محايد الى السجون للاطلاع على طبيعة الأوضاع الصحية الصعبة وتقديم الرعاية الطبية اللازمة للمرضى لإنقاذ حياتهم ووقف مسلسل سقوط الشهداء منهم داخل السجون، وما زلنا ننتظر.! مما يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول دور تلك المنظمات واستقلاليتها وحيادية مواقفها. وهنا لا نضع كافة المنظمات الدولية في سلة واحدة، فهناك تفاوت واختلاف في الآداء والمواقف، فيما نرى عجزا جماعيا في التأثير وإجراء التغيير المأمول أمام عنجهية الاحتلال.
ان مبادئ حقوق الانسان وجوهرها، تُداس وتُنهك من قبل الاحتلال أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، دون أن تُحرك تلك المؤسسات ساكناً، حيث مازالت تلك المبادئ مجرد حبراً على ورق بالنسبة للشعب الفلسطيني، وما زالت حقوق الإنسان الفلسطيني، تنهك على مدار اللحظة وبشكل لم يسبق له مثيل من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن هنا ندعو المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة إلى تحمل مسئولياتهم الأخلاقية والإنسانية، والعمل على حماية القانون الدولي وصون الاتفاقيات الدولية التي تُضرب بعرض الحائط من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تعتبر نفسها فوق القانون، بما يكفل للإنسان الفلسطيني حقوقه الأساسية وكرامته وحقه في الحياة بحرية ، وأن يكفوا عن ممارسات التمييز والتسييس وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين والانتقائية وثنائية المفاهيم …الخ .
– بعد قرار محكمة العدل الدولية بإدراج الجرائم التي نقوم بها إسرائيل في الأراضي المحتلة ، هل يمكن محاكمة المتورطين ي تلك الجرائم ضد الأسرى ؟ وهل تنوون توثيقها ورفعها إلى المحكمة ؟
نعم ممكن محاكمتهم، وهذه مسؤولية الجميع، بل ومن الضروري التحرك الجاد والاقتراب أكثر من المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الاسرائيليين المتورطين في ارتكاب الجرائم بحق الأسرى والأسيرات، ونحن من جانبنا ومعنا كافة المختصين نعمل على توثيقها، ومعنيون برفعها إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولاشك بأن هناك توافقاً فلسطينياً على أن يكون “ملف الأسرى والمعتقلين” على رأس أجندة القيادة الفلسطينية، وعلى رأس الملفات التي ستحال الى المحكمة الجنائية الدولية، كما أن هناك اجماعاً على خطورة ما يتعرضون له داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لهذا رأينا بأن انضمام دولة فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية في الأول من نيسان/ابريل عام2015، بالحدث التاريخي، ومدخلاً مهماً لنصرة الضحايا الفلسطينيين ورفع الحصانة عن المحتل وتشكيل سياسة رادعة، واستحضار “العدالة الدولية الغائبة”.
لذا فمن الأهمية مواصلة الضغط على “المحكمة الجنائية” لفتح تحقيقات بجرائم إسرائيلية ارتكبت بحق الفلسطينيين عامة والأسرى خاصة، وضرورة اللجوء إلى استخدام كل الأدوات القانونية والآليات الدولية الأخرى لتفعيل مبدأ الملاحقة والمحاسبة .
وكلنا على قناعة بان غياب مضمون العدالة الدولية في محاسبة “اسرائيل” على جرائمها بحق الأسرى الفلسطينيين، هو ما جعلها تتصرف على أنها دولة فوق القانون وكأنها محمية من الملاحقة والمحاسبة، وهو ما يدفعها إلى ترسيخ ثقافة “الإفلات من العقاب”، لدى كل الإسرائيليين، وهذا يشجعهم على التمادي في ارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة والجرائم المنظمة بحق الفلسطينيين عامة والأسرى والمعتقلين خاصة.
– تحدثت الأنباء عن صفقة محتملة بين حماس وإسرائيل لتبادل الأسرى ، فهل تتوقع أن تسعى حماس للإفراج عن كافة المعتقلين أم أن هناك فئة منتقاه سوف تسعى للإفراج عنها ؟
لقد أولت الفصائل الفلسطينية أهمية فائقة لتحرير الأسرى، منذ بدايات الثورة الفلسطينية المعاصرة، وبذلت جهودا كبيرة في هذا الصدد، وسجلت انتصارات عديدة عبر ما يُعرف بصفقات تبادل الأسرى، مما أثر إيجابا على الأسرى وعوائلهم، وانعكس ذلك على معنوياتهم وتعزيز صمودهم بعد إتمام كل صفقة تبادل، فيما نرى بأن ما تمتلكه حركة “حماس” اليوم من أوراق قوة في غزة يمكنّها من اتمام صفقة تبادل جديدة، تشمل فئة منتقاه من الأسرى للإفراج عنهم، وهنا لا بد من دعوة “حماس” للاستفادة من التجارب السابقة والعمل على تجاوز ثغرات وأخطاء الصفقة السابقة وتوسيع دائرة التشاور وتعزيز الشراكة الوطنية في اختيار الأسماء وإعداد قوائم الفئة المنتقاة.
مع التأكيد على أن من حق الشعب الفلسطيني اللجوء الى كافة الخيارات للإفراج عن أسراه في ظل تعنت دولة الاحتلال وتعاملها الشاذ مع الأسرى والمعتقلين في سجونها.
– في النهاية ما هي مطالبكم من الدول العربية والجامعة العربية فيما يتعلق بتلك القضية ؟
قضية الأسرى هي ركن أساسي من أركان القضية الفلسطينية العادلة، والتي تعتبر قضية الأمتين العربية والاسلامية، لذا فإننا نتطلع دائما الى مواقف عربية واسلامية متقدمة وأدوار داعمة وجهود مساندة على كافة الصعد والمستويات، بما يكفل تكامل الأدوار ويدعم عدالة القضية ويعزز من مكانة الأسرى القانونية ومشروعية نضالهم، ودائما ثقتنا عالية بالشعوب الحية والمخلصين من أبناء أمتنا العربية والاسلامية.
حاوره
الكاتب الصحفي د/ مصطفى عمارة
إرسال التعليق