ذكرى الإنفصال وحلم العودة

ذكرى الإنفصال وحلم العودة

كتب-مصطفي عمارة

حفل شهر سبتمبر بالعديد من الذكريات الحزينة تراوحت ما بين رحيل أشخاص تركوا في نفسي ذكرى لا تنسى أو أحداث مؤلمة لا تزال آثارها ممتدة حتى يومنا هذا ولعل أبرز تلك الذكريات ذكرى انفصال سوريا عن مصر وذكرى مطبحة أيلول الاسود والتي شهدت نهاية الوجود الفلسطيني في الأردن وذكرى رحيل الزعيم الخالد عبد الناصر وغيرها من الأحداث الأخرى التي يصعب حصرها ، وعلى الرغم من الذكريات الأليمة التي حملها هذا الشهر إلا أن ذكرى انفصال مصر عن سوريا وذكرى رحيل عبد الناصر هي أكثر الأحداث تأثيرا على نفسي والتي لا تزال ذكراها مؤثرة على نفسي حتى يومنا هذا وعلى الرغم من أن الذكرى الأولى تمثل انفصال سوريا عن مصر والحادثة الثانية تمثل رحيل زعيم عربي يندر أن يجود الزمان بمثله إلا أن الحدثان مرتبطان إلى حد كبير لأن حلم الوحدة العربية بصفة عامة وحلم الوحدة مع سوريا بصفة خاصة كانا أكثر الأحداث التي ميزت حكم الزعيم الراحل عبد الناصر والذي كرس حياته من أجل تحقيق هذا الحلم ، ولا أبالغ إن قلت أن نهاية عبد الناصر بدأت مع انفصال سوريا عن مصر حيث شكل الإنفصال جرحا لم يندمل حتى رحيله ولم يكن قرار عبد الناصر بالوحدة مع سوريا قرارا انفعاليا صنعته العاطفة بل كان قرارا حتميا صنعه التاريخ المشترك ووحدة التاريخ واللغة والدم فما كان يحدث في دمشق تنعكس آثاره على القاهرة والعكس صحيح بل لا نبالغ إن قلنا أن القوى الاستعمارية التي أرادت الاستيلاء على سوريا كان عليها أن تستولى على مصر والعكس صحيح واستطاعت المنطقة باتحاد سوريا ومصر أن تصد جحافل التتار والصليبيين بل أن سوريا خاضت مع مصر معركة 1956 بنفس القوة التي خاضتها مصر وشاركت سوريا ومصر في حرب 1967 و 1973 ومن منطلق المصير المشترك الذي ربط بين الدولتين والشعبين أنطلق الشعب السوري في مظاهرات عارمة للمطالبة بالوحدة مع مصر بعد أن شعر السوريين أن إنقاذ بلدهم من خطر الانقلابات الداخلية وصراعات الأحزاب والتهديدات الخارجية لم يتحقق إلا بالوحدة مع مصر وهو ما ترجمته مصر عندما قرر عبد الناصر إرسال وحدات من الجيش المصري لتقف بجانب إخوانهم في الجيش السوري لحماية سوريا من التهديدات التركية والإسرائيلية لها وهو ما ألهب مشاعر السوريين وأجبر عبد الناصر على قبول الوحدة رغم تردده لأنه كان يرى أن الوحدة يجب أن تتحقق خلال خمس سنوات يتم خلال ربط مؤسسات الدولتين إلا أن نداء الشعب السوري كان أقوى من أي حسابات وكما حدثت الوحدة سريعا فلقد إنتهت سريعا صحيح أن هناك أخطاء واكبت تلك التجربة إلا أنه مما لا شك فيه أن المؤامرة الاستعمارية لفصل سوريا عن مصر كان له الدور الأكبر في حدوث هذا الانفصال والذي لا زالت آثاره ممتدة حتى اليوم فلو لم يحدث الإنفصال لما احتلت العراق أو تفككت ليبيا واليمن وبالقطع ما كان يحدث ما حدث الآن في سوريا ، وعلى الرغم من تجربة الإنفصال القاسية التي لا تزال آثارها تطل حتى اليوم في سوريا إلا أن أمل الوحدة لا زال قائما لأن باطن الأمر لا يشير إلى ظاهرة فمثلما وقفت مصر مع سوريا عندما تعرضت لخطر الصراعات الداخلية والتهديدات الخارجية فلقد كانت مصر هي الحضن الدافئ للسوريين الذين فروا من بلادهم هربا من نيران الحرب في الوقت الذي سدت بعض الدول الشقيقة أبوابها في وجه السوريين كما أقامت دول أخرى مخيمات للاجئيين السوريين زاد من إحساسهم بالغربة أما في مصر فلقد أستقبل المصريين إخوانهم السوريين كأنهم يعيشون في بلدهم وبدأ انصهار الشعبيين سواء في الأعمال المشتركة بينهم أو عبر تجارب الزواج والتي شكلت بنيانا اجتماعيا جديدا يعكس مشاعر الحب التي تجمع سوريا بمصر وكان لي الشرف أن خضت تلك التجربة عبر زواجي من إعلامية سورية جمعني بها مشاعر واحدة وفكر مشترك وأعتقد أن تلك التجربة التي جمعت السوريين والمصريين هي إستفتاء شعبي أن مصر وسوريا لا يزالان يعيشان تجربة الوحدة وعندما تزول تلك الظروف القاسية التي ألمت بسوريا وعندما تتعافى مصر من الظروف الصعبة التي ألمت بها فإن الوحدة بينهما ستعود أقوى مما كانت لأن ما وصله الله لا يمكن أن ينقطع وسوف تظل مصر وسوريا دولة واحدة شاء من شاء وأبى من أبى .

 

Previous post

حكم محكمة القضاء الإداري حول الخطبة الموحدة يجدد الصراع بين وزير الأوقاف وشيخ الأزهر ومصدر بمشيخة الأزهر يكشف عن صراع بين المؤسسات الدينية حول تجديد الخطاب الديني

Next post

وفاة المشير طنطاوي بعد رحلة صراع مع المرض وكاتم أسراره يكشف عن أسرار خطيرة عن دوره في ثورتي 25 يناير و30 يونية

إرسال التعليق