حرب أكتوبر وإعادة الوعي القومي

حرب أكتوبر وإعادة الوعي القومي

رغم المفاجأت وخطط الخداع الاستراتيجي التي انتهجتها العسكرية المصرية قبيل وأثناء حرب أكتوبر إلا أن المفاجأة الحقيقية فى تلك الحرب هى الجندي المصري والذي سطر بأحرف من ذهب أروع البطولات ببراعته فى استخدام أسلحته رغم التفوق النوعي والتكنولوجي للعدو الاسرائيلي وبعقيدته وإيمانه الذي صنع مستحيلات هى أشبه بالخيال ولم تكن مفاجأة أو محض صدفة أن يظهر الجندي المصري بهذه الصورة المبهرة فى تلك الحرب بل سبهها حسن إعداد الإنسان المصري بصفة عامة والجندي المصري بصفة خاصة بدءا من بعد هزيمة يونيو 67 مباشرة والذي لم يقتصر على الإعداد العلمي للمقاتل فى كيفية استخدام الأسلحة المتطورة بل كان الأهم من ذلك كله الإعداد العقائدي والديني وزرع الإنتماء من خلال إحساس المواطن بأدميته بعد أن تعرض فى الفترة التي سبقت نكسة 67 الى كافة أنواع التعذيب والإمتهان لكرامته وسلب الحريات والقدرة على التعبير والتي جعلت هذا المواطن يشعر أنه غريب عن بلده غير منتمي لها وكان من الممكن استثمار تلك الروح التي تولدت فى الانسان المصري قبيل وأثناء حرب أكتوبر فى صنع إنسان مصري جديد قادر على خوض معكرة التنمية والبناء حتى تتقلد مصر المكانة التى تستحقها بين الأمم إلا أننا وللأسف لم نستغل تلك النتائج بالشكل المرجو منها بينما استفاد العدو الصهيوني من دروس الهزيمة التي تعرض لها بعد أن أدرك أن الانتصار على الجيش المصري أمر أقرب الى الخيال وأنه لابد من تغيير أسلوب الحرب من حرب عسكرية لا طائل منها الى غزو ثقافي وفكري للنيل من أخلاقيات وقيم الشعب المصري وعقيدته وكان الإنترنت وما تلاه من وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أحد السبل التى استخدمها العدو الصهيوني للترويج للدعاره والجنس والإلحاد بين الشباب وللأسف فإن وسائل الإعلام المصرية ساهمت بقصد أو بدون قصد فى تنفيذ هذا المخطط من خلال الترويج للقيم الفاسدة والفن الهابط ورغم أن هناك دول فى المنطقة من أمثال تركيا وقطر وإيران تمارس مخططات هدامة ضد دول عربية وإسلامية على رأسها مصر من خلال استخدام عملاء لهم فى الداخل والخارج إلا أن ذلك يجب ألا ينسينا أبدا أن العدو الرئيسي والمحرك لكل هؤلاء والذي كان ولا يزال يحرك كافة الخيوط والدول والجماعات ضد مصر هو العدو الصهيوني الاسرائيلي ورغم الدور الظاهر أو الخفي الذي تلعبه اسرائيل ضد أمن مصر فى الداخل والخارج وعلى رأسه ملف سد النهضة إلا أن وسائل الإعلام لم تلقي الضوء مطلقا على ممارسات اسرائيل فى المنطقة وكأن إسرائيل العدو اللدود على مر الأزمنة أصبحت بين ليلة وضحاها الصديق والرفيق ولعل أبرز تلك الصور المشينة ما خرج به علينا المدعو توفيق عكاشة والذي روج من قبل ببيع مياه النيل لإسرائيل وتفاخر بصداقته للإسرائيليين فى أحد البرامج بمناسبة حرب أكتوبر ليقول أن إسرائيل لم تعد تمثل تهديد لمصر وإذا كانت وسائل الإعلام تتحمل جزء كبير من مسئولية هدم قيم الإنسان المصري فإن النظام المصري يتحمل أيضا جزء من المسئولية بعد أن زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتفاقمت الأزمات الاقتصادية بصورة أفقدت المواطن المصري إنتمائه وأشعرته أنه مواطن من الدرجة الثانية واليوم ونحن نواجه شبح الإرهاب وخطر المؤامرات الداخلية والخارجية التي تحاك ضدنا فإننا أحوج ما نكون الى إعادة بناء الإنسان المصري على أساس من القيم الدينية والأخلاقية وأن نسعى الى تحقيق العدالة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء ورفع سقف الحريات حتى يمكن أن يستعيد المواطن المصري روح أكتوبر ليصنع من جديد نصرا اقتصاديا مثلما حقق النصر العسكري من قبل .

مصطفى عماره

إرسال التعليق