ليس بالمسلسلات وحدها يتحقق الاستقرار
كتب مصطفى عماره
تتعمد أجهزة الاستخبارات في العديد من دول العالم إلى اختراع فزاعة لإرهاب الشعوب لتنفيذ مخططاتها في الداخل والخارج وحدث هذا في أحداث برج التجارة العالمي والتي نسجتها أجهزة المخابرات الأمريكية لتبرير غزو أفغانستان وتكرر هذا السيناريو في العراق ولم يكن هذا السيناريو بعيدا عن دول المنطقة ومن بينها مصر التي شهدت خلال السنوات الماضية ثورة 25 يناير والتي تمخضت عن وصول جماعة الإخوان إلى حكم مصر لأول مرة ولم يستمر ذلك أكثر من عام حتى حدثت ثورة 30 يونيو والتي أطاحت بحكم الإخوان وأعادت المؤسسة العسكرية بقيادة السيسي إلى السلطة ورغم حالة الاحتقان التي سادت مصر في السنوات الأخيرة التي سبقت ثورة يناير والتي انعكست على احتجاجات فئوية زادت مع مرور الوقت حتى انطلقت الشرارة في 25 يناير وكان يمكن للجيش المصري أن يجهض تلك المظاهرات منذ بدايتها إلا أن المؤسسة العسكرية أرادت أن تتفاعل تلك الأحداث وتتحول إلى ثورة لإجهاض مخطط التوريث الذي كان يعد لإيصال جمال مبارك إلى حكم مصر ولأن المؤسسة العسكرية لم تكن راغبة في وجود حكم مدني في مصر خاصة أنها سيطرت على الحكم منذ عام 1952 فلقد عملت تلك المؤسسة إلى إجهاض تجربة الإخوان في الحكم مستغلة في ذلك الأخطاء التي ارتكبها الإخوان وعدم خبرتهم في الحكم وهو الأمر الذي لاقى ترحيبا من قطاعات واسعة من الشعب أملا في عهد جديد من الرخاء والحرية والكرامة وهي الشعارات التي رفعها الشعب في ثورة يناير إلا أن هذه الآمال تبخرت رويدا رويدا مع تفاقم الأزمة الإقتصادية وسيطرة الفساد على مؤسسات الدولة وغياب الحرية وتزايد حالات الإعتقال السياسي حتى فقد الرئيس السيسي كثير من شعبيته التي اكتسبها عقب 30 يونيو وللأسف فإن زباينة النفاق في الإعلام حاولوا تغييب الحقائق إلا أن معاناة الشعب ونقمته من بعض الأوضاع على الصعيد الاجتماعي والديني فرضت نفسها في النهاية وربما شعر الرئيس السيسي وزبانيته النفاق مؤخرا أن الأوضاع يمكن أن تنفجر في أي لحظة وإننا مقبلون على ثورة جياع وبدلا من مواجهة تلك الأوضاع وإيجاد حلول ناجحة لها لجأت وسائل الإعلام والأجهزة المسئولة إلى استخدام فزاعة الاخوان مرة أخرى عبر عرض مسلسلات وعلى رأسها مسلسل الاختيار لعرض خطايا الإخوان أثناء فترة حكمهم والذي ترافق مع قيام أحد الأشخاص بطعن قس قبطي كل هذا لافزاع الشعب من المصير المؤلم الذي يمكن أن ينتظرهم في حالة عودة الإخوان إلى السلطة رغم أن الإخوان حاليا لم يعد لهم وجود على الساحة بحكم الاعتقال او الهروب إلى الخارج وحتى قبل تلك الأحداث فإن الإخوان لم يكن لهم شعبية في الشارع لأن الشعب المصري بطبيعته متدين ولكنه يرفض التخريب أو الانضمام لجماعة حتى عندما انتخب الإخوان فإن ذلك كان نكاية في الحكم ولا يعكس شعبيتهم في الشارع لذا فإن تلك المسلسلات لم تحقق الغرض منها لأن معالجة الاحتقان السائد حاليا ليس من خلال أثارة فزاعة الإخوان ولكن معالجة أسبابه الحقيقية والمتمثلة في معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الارتفاع المبالغ فيه في الأسعار وغياب الرقابة والعدالة بين الأغنياء والفقراء فضلا عن السماح لعدد من رموز الإعلام وعلى رأسهم الكاتب إبراهيم عيسى بالتجرأ على الثوابت الدينية دون محاسبة وهو ما أعطى انطباع بأنه تلقى الضوء الأخضر من الأجهزة المسئولة بذلك وبدون معالجة الأسباب الحقيقية فإن الاحتقان سوف يزداد يوما ما بعد يوم حتى ينفجر البركان في ثورة جياع سوف تأكل الأخضر واليابس سوف نخرج منها كلنا خاسرون فهل نتدارك تلك الأوضاع قبل فوات الأوان .
الكاتب الصحفي د/ مصطفى عمارة مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن
إرسال التعليق