حوار مع د. سنية الحسيني | “الكيانية الفلسطينية” من التشكل إلى الانهيار حتى القيامة المتجددة

حوار مع د. سنية الحسيني | “الكيانية الفلسطينية” من التشكل إلى الانهيار حتى القيامة المتجددة

 

حاورها: سليمان أبو إرشيد
تحرير: طارق طه

ترى د. سنية الحسيني في دراسة لها بعنوان “تشكل الكيانية الفلسطينية” تنشر في مجلة دراسات فلسطينية، أن السياسة البريطانية قد ساهمت في إضعاف الموقف الفلسطيني وخلق حالة من الانقسام سواء بين مكونات القيادة الفلسطينية نفسها، في إطار الصراعات العائلية، أو في إطار الاختلاف بين التوجهات الشعبية الرافضة لسياسات الاحتلال والانتداب البريطاني من ناحية، وبين توجهات القيادة التي وثقت بعهود البريطانيين من الناحية الأُخرى.

كانت فرضيتي الأساسية في الدراسة، التي هي دراسة تحليلية أكثر منها توثيقية، بأن بريطانيا سعت لمنع ظهور كيانية فلسطينية راسخة قادرة على مواجهتها وعملت كل ما بوسعها لتقويض هذه الكيانية بشكل سلمي وطبيعي، وهي بالمقابل عملت على ترسيخ الحضور اليهودي الصهيوني.

رجعت تاريخيا إلى بدايات التشكل المبكرة منذ عام 1917 وانتهاء العهد العثماني وبداية الاستعمار البريطاني لفلسطين، واستفدت في هذا السياق من مقالات جدي حمدي الحسيني الذي كان كاتبا وصحافيا معروفا عاصر هذه المرحلة وكتب عنها، و”الكيان” الذي قصدته هنا هو المؤسسة والقيادة التي تعمل من خلال هذه المؤسسة، والتي بدأت ارهاصاتها في المرحلة الانتقالية تلك.

لاحظت أن ما ميز الكيانية الفلسطينية منذ بداياتها أنها تباينت عن الحركة القومية العربية، بسبب وجود الخطر الصهيونية في فلسطين. وظهر هذا التمايز في وقت مبكر في مقالات نجيب نصار رئيس تحرير مجلة “الكرمل” عام ١٩٠٩ وغيره من الكتاب الفلسطينيين في تلك المرحلة، وتبلور ذلك بشكل ملحوظ بعد صدور وعد بلفور الذي كشف صراحة عن استهداف فلسطين وخصوصيتها بالنسبة لبريطانيا.

فصلت ثورة البراق سياسيا بين المرحلتين، بعد أن دشنت مرحلة مقاومة بريطانيا والصهيونية معًا، بخلاف المرحلة السابقة التي تحاشت خلالها الحركة الوطنية الفلسطينية الاصطدام مع بريطانيا وركزت جل نشاطها ضد الحركة الصهيونية فقط.

أهمية “ثورة البراق” في أنها نقلت الحركة الوطنية الفلسطينية من مرحلة مهادنة بريطانيا إلى مرحلة مقاومتها تماما كما قاومت التمدد الصهيوني منذ بدايته، وتميزت إلى جانب ظهور الانفجارات المسلحة على غرار ثورة القسام عام 1935، وما سبقها في أعقاب الثورة بانتعاش الحياة الحزبية وظهور حزب الاستقلال، الذي اختلف في تركيبته على الأحزاب التقليدية التي سادت في ذلك الوقت، وصبغت بصبغة عائلية.

تشكلت اللجنة العربية العليا مع قيام الثورة العربية الكبرى في العام 1936, وجاءت بمبادرة شعبية في البداية، ثم تبنّتها القيادة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك، حيث تفوقت الحركة الشعبية على قيادتها في مواجهة الاستعمار في تلك الحقبة كما كان ذلك في الحقبة التي سبقتها.

ومع تحول الثورة نحو العسكرة وتحت وطأة تصاعد الأحداث، وتصاعد عنف الجماعات الصهيونية الارهابية وقمع بريطانيا للمقاومة الفلسطينية، ظهر جيش الجهاد المقدس في العام 1936 بقيادة عبد القادر الحسيني. وتطور ذلك التوجه بوصول تعزيزات عسكرية عربية إلى الفلسطينيين، إلا أن دعوات قيادات عربية بالتهدئة أثرت على استمرار الاضراب في النهاية.

الدور العربي في الضغط إلى الفلسطينيين كان واضحًا وسار إلى جانب شراسة قمع الثورة من قبل بريطانيا، وقد ازداد هذا الضغط مع دخول الحرب العالمية الثانية، وازداد تأثيره باضعاف القيادة الفلسطينية وتشتيتها ليتحقق في النهاية الغرض المنشود في إجهاض الثورة.

رغم القصور وقصر النظر الذي لحق بالقيادة الفلسطينية وأدائها في تلك الفترة الحساسة من عمر القضية الفلسطينية، ووقوعها في العديد من الأخطاء التي كان من الممكن تداركها، (استهانت وهادنت السلطات البريطانية، وانشغلت بخلافاتها وصراعاتها العائلية والحزبية، ومساعيها للتهدئة من غضب الشارع والثورات الشعبية الرافضة للممارسات البريطانية خلال العقدين الاولين من سيطرة بريطانيا على فلسطين، ورضخت للضغوطات العربية المتعلقة بوقف ثورة 36) خلصت الدراسة، إلّا إنه من غير المؤكد أن تدارك القيادة لهذه الأخطاء وتشكيلها كيانية أكثر تماسكًا وصلابة آنذاك، كان سيجعلها قادرة على التصدي لمؤامرات بريطانيا العظمى، التي سخرت كل ما استطاعت لترسيخ مشروعها الاستعماري في فلسطين وزرع اليهود فيها.

وفي المحصلة النهائية، وعندما أعلنت إسرائيل إنشاء كيانها في 15 أيار/ مايو 1948، انهار جميع ما تأسس من مقومات ومكونات الكيانية التي سعى الفلسطينيون لتأسيسها في النصف الأول من القرن العشرين، بينما تُوّج الجهد الاستعماري الصهيوني في بناء كيانية متكاملة تجسدت في إعلان قيام دولة إسرائيل.

إلا أن الكيانية الفلسطينية نجحت في القيامة من تحت ركام النكبة وهي تسير نحو تجسيد ذاتها الوطنية على الأرض. الشعب الفلسطيني قادر دائما لينفض الغبار ويخرج كالمارد ويسعى من جديد.

https://www.arab48.com/الأخبار/أخبار-عاجلة/2022/06/25/-الكيانية-الفلسطينية-من-التشكل-إلى-الانهيار-حتى-القيامة-المتجددة

إرسال التعليق