سحرة فرعون
كتب مصطفى عماره
لعل من أبرز الظواهر التي ابتليت بها مصر منذ عهد الفراعنة هي ظاهرة سحرة أو كهنة فرعون الذين الهوا الحاكم وقدسوه حتى أصبح يضيق بالرأي الآخر ويتخلص ممن عارضوه وقد وصفهم الله في كتابه الكريم عندما قال فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ، وقد دفع المصريين ثمنا غاليا لتألية الحاكم منذ عهد فرعون وحتى عصرنا هذا فلقد سخر فرعون آلاف المصريين لبناء الأهرام كسخرة وسخر الملك سعيد آلاف المصريين في حفر القناة كسخرة وتعامل معظم حكام مصر مع شعبها كعبيد يتم سياقهم بالكرابيج لتحقيق أهداف حكامهم وحتى الحكام الذين جاءوا إلى مصر وأرادوا الإصلاح في بداية حكمهم فسدوا بسبب نفاق سحرة فرعون فلقد أثبت التاريخ أن الملك فاروق ملك مصر بدأ عهده بالتقرب من الفقراء والبسطاء ومجالسة العلماء إلا أن بطانة السوء أفسدوا وبعد أن كان فاروق مشروع حاكم صالح انقلب في نهاية حكمه كحاكم عربيد يعشق النساء والقمار وينفق الأموال على ملذاته حتى قامت ثورة يوليو بقيادة الزعيم الراحل عبد الناصر ورغم قرب عبد الناصر من الفقراء بحكم نشأته ووطنيته وزعامته التي لا جدال فيها إلا أن بطانة السوء والافاقين جعلوه يتغافل عن أخطائه باعتباره الزعيم الملهم والقائد الذي لن ينجب مثله التاريخ وكان من نتاج هذا أن تغافل عبد الناصر عن اخطائه ودخل في صراع على السلطة مع رفيق عمره عبد الحكيم عامر وأصبح الاختيار على أساس أهل الثقة وليس أهل الخبرة وكان من نتاج هذا وقوع كارثتين قضت على أحلام عبد الناصر وهما الإنفصال عن سوريا ثم هزيمة عام 67 ولقد أحس عبد الناصر بخطأه ولكن بهد فوات الأوان وللأسف فإن اللذين صفقوا لعبد الناصر عندما اختار الإشتراكية طريقا لمصر هم أول من انقلبوا على الخط الإشتراكي وتكرر نفس السيناريو مع السادات خاصة بعد حرب اكتوبر وأصبح السادات لا يطيق النقد بعد أن اوهمه سحرة فرعون أن كل من يعترض عليه متأمر وكانت النتيجة اغتياله في الاحتفال بذكرى 6 أكتوبر وتكرر المشهد في عصر مبارك والذي بدأ السنوات العشر الأولى من حكمه بصورة مثالية إلا أن زبانية فرعون احاطوا به وافسدوا حكمه حتى تحكم في مصر الفاسد والمرتشي أمثال أحمد عز ورشيد محمد رشيد وجمال مبارك وغيرهم كما تم تزوير الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب والتي كانت نذيرا باندلاع ثورة يناير والتي أطاحت بحكمه ، وكان يمكن أن تكون ثورة يناير درسا لنا جميعا بأن الظلم مهما طال أمده لن يدوم وأن العدالة وحدها تحقق أمن الوطن والمواطن إلا أننا اليوم نعيد أخطاء الماضي بصورة أكبر فرغم الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمر بها مصر والتي يعاني منها معظم الناس ورغم الفساد الذي استشرى وبلغ مداه لدى النخبة الحاكمة إلا أن سحرة فرعون لا يزالون يمارسون دورهم المشئوم في تملق الحاكم وتصوير الأوضاع الحالية بأنها إنجازات لن تتكرر وأعتقد أن تلك الفئة الفاسدة لن تتوقف عن نفاقها وتملقها إلا عندما نصحوا جميعا على انفجار يأكل معه الأخضر واليابس ، إنني من منطلق حبي لهذا البلد وحرصي عليه وعلى مؤسساته وعلى رأسها القوات المسلحة التي خاضت الحروب تلو الحروب دفاعا عن تراب الوطن لم أنادي يوما بخروج الجماهير للتظاهر أو الإطاحة بالنظام القائم لأن المناخ الذي أفرزته السنوات الماضية لم تترك البديل المناسب وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حمام من الدم سوف نخرج منها جميعا خاسرون وأولهم بلدنا العزيز الذي كان ولا يزال مطمعا لأعدائه ولكن أنادي فقط بوجود حوار ديمقراطي يتم فيه تثمين الإيجابيات والبناء عليها وأن يكون هناك نقد موضوع يطرح البدائل بعيدا عن الإسفاف والبذاءات وبهذا فقط يتحقق أمن الوطن والمواطن وستعود مصر سيدة الأمم كما كانت .
إرسال التعليق