بمناسبة ذكرى تأسيس منظمة مجاهدي خلق عام اخر من المواجهة
كتب مصطفى عماره
جاء ظهور “مجاهدي خلق” في مثل هذا اليوم 6 سبتمبر منتصف ستينات القرن الماضي استجابة لحاجة ايران والايرانيين لمتغيرات جذرية وعميقة في المعادلات السياسية تضع حدا لدوامة اضطهاد وتجويع الشعب الايراني.
استوقف المؤسسون الثلاثة محمد حنيف نجاد، سعيد محسن، وأصغر بديع زادكان، الذين بلوروا الفكرة حالة العقم السياسي التي تعيد انتاج الاستبداد، وتؤجل حسم التناقضات الجوهرية بين حكم النظام الشاهنشاهي ورغبة الايرانيين في الحصول على الحد الادنى من الحاجات الاساسية، المتمثلة بالحرية والعيش الكريم.
انتهوا بعد دراسة عميقة لتاريخ الاستبداد، عوامل بقائه، سبل تجاوزه، والافق السياسي الذي تتحرك فيه القوى الموجودة في ذلك الوقت الى غياب جدوى العمل السياسي والبرلماني المعرض للقمع، مما يملي البحث عن طرق عمل من خارج الصندوق الذي اغلقه الشاه ووضع مفاتيحه في جيبه.
تمخض عن عملية العصف الفكري التي قاموا بها مدرسة جديدة في العمل على التغيير تمثلت في تشكيل منظمة وطنية ديمقراطية لا تستبعد الكفاح المسلح وسيلة للنضال ضد دكتاتورية الشاه.
واظهرت حملة الاعتقالات التي جرت في مطلع السبعينات ادراك الشاه واجهزته القمعية لخطورة التوجه الذي بلوره المهندسون الثلاثة والحضور الذي يحققه في الشارع الايراني.
تمثل ذلك الادراك في اعتقال معظم التنظيم الذي شكل بداية جديدة ومختلفة في مواجهة الدكتاتورية والقمع، واصدار احكام الاعدام بحق قادته ومؤسسيه الذي ساروا الى مصائرهم بخطى ثابتة وايمان بالفكرة التي بذروها وقدرة الافكار على التغيير حين تلبي حاجات الناس وتفتح افقا لخلاصهم.
عبرت دفاعات القادة الثلاثة امام القضاء عن رسوخ قناعاتهم، ثباتهم على مواقفهم، رؤيتهم الواضحة للخلاص، ليتسع حضور فكرتهم بين مختلف فئات المجتمع، لا سيما الطلبة الجامعيين والاوساط الدينية، التي وجدت في طرحهم جديدا، وجاء اداء مسعود رجوي ليؤكد صحة نبوءة المؤسسين، يبقي على الفكرة نابضة بحلم الايرانيين في الخلاص، يحول دون انزلاقها الى العبث السياسي، يواجه محاولات النيل منها، ويزيل العقبات التي تعترضها.
واصل مسعود سيره على طريق معلميه، بحيوية الشباب، اتقاد الذهن، بعد خفض الحكم باعدامه نتيجة نشاطات شقيقه الدكتور كاظم رجوي الشهيد على الساحة الدولية، خاض معركته من السجن، ليظهر قدرات هائلة على الاستمرار في التأثير على الشارع، التمدد التنظيمي، ومواصلة المواجهة مع جلادي الشعب الايراني.
كان النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي بمثابة الانطلاقة الثانية لمنظمة “مجاهدي خلق” حيث غادر الشاه البلاد مرغما بفعل نضالات الايرانيين وخرج مسعود رجوي من سجنه ليواجه تحديات تختلف في مظاهرها وتتفق من حيث الجوهر عما كان يمثله نظام الشاه من عقبات تعترض خروج الايرانيين من عتمة القمع والتخلف الى فضاءات الحرية.
تمثل ابرز التحديات المستجدة في استغلال ظروف اعدام مؤسسي مجاهدي خلق، ووجود الجيل الثاني من قادتهم في السجون، لجر البلاد الى القرون الوسطى، حيث عمل الملا خميني على سرقة ثورة الايرانيين، سعى لبسط سيطرته على الاوضاع في البلاد، وفرض هيمنته على الشعب الايراني باحلال ولاية الفقيه، لتكون بديلا ظلاميا لحكم الشاه.
رفض رجوي المساومة على الفكرة رغم المغريات التي قدمها خميني في ذلك الحين، ونظمت “حركة المجاهدين الوطنية” الحشود في جميع انحاء البلاد لتسحب البساط من تحت اقدام الملالي.
رد خميني باغلاق الجامعات على امل الحد من انتشار الافكار التي يطرحها رجوي في محاضراته التي تابعها ملايين الايرانيين سواء من خلال الحضور او قراءتها في صحيفة مجاهد.
لم تجد اجراءات القمع في منع الشباب الايرانيين من الالتفاف حول المنظمة وطروحاتها، الامر الذي ظهر واضحا في اتخاذ خميني خطوات لاحقة، تمثلت في ابعاد رجوي عن الانتخابات الرئاسية بدعوى عدم تصويته على دستور الولي الفقيه، واطلاقه ما عرف بـ “الثورة الثقافية” لمنع الافكار المناوئة لذهنية العصور الوسطى من الانتشار.
لجأ نظام الملالي الى ما هو ابشع من ذلك بكثير عام 1988 بارتكابه مجزرة السجناء السياسيين التي راح ضحيتها اكثر 30 الف سجين في مختلف انحاء البلاد معظمهم من اعضاء منظمة مجاهدي خلق ليفتح رجوي جبهة المقاضاة التي تكشف عن بشاعة تلك الجريمة وتحاصر مجرمي العصر.
شكل ظهور مريم رجوي الرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة اضافة نوعية لعمل المنظمة، بدء من تنظيمها لجيش الحرية، ومرورا بتعريتها نظرة الملالي للمرأة، وطرحها خطة ايران المستقبل ذات النقاط العشر.
استطاعت المنظمة خلال تاريخ من التضحيات والرؤى الصائبة ان تكشف استحالة التعايش العالمي مع نظام الملالي الذي احترف اشعال الحروب، التسلح، وقهر الايرانيين ونهبهم للبقاء في السلطة، وظلت البديل الديمقراطي لحكم الولي الفقيه، قادرة من خلال وضوح رؤيتها على مواصلة الصراع، يفشل خصومها في استبعادها من المشهد، او طمس النموذج الذي تقدمه.
تخوض منظمة مجاهدي خلق حربها ضد الملالي بثبات المؤسسين، همة اجيال متعاقبة من الايرانيين المتعطشين للحرية، ومراس طويل من المواجهة، افرز وحدات المقاومة في الداخل .
تضع المنظمة المجتمع الدولي امام مسؤولياته تجاه الشعب الايراني المقموع وكلها ثقة بنصر قريب، تصر على جره بعيدا عن سياسة الاسترضاء التي ضيعت الكثير من فرص التغيير، وابقت المنطقة والعالم رهائن لدى ملالي العصور الوسطى.
إرسال التعليق