حكام العار
عندما أطلق بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده المشئوم باقامه وطن قومي لليهود عام 1917 وبدأت بريطانيا الاجراءات العملية لتنفيذ هذا الوعد أدركت مصر خطورة إقامة هذا الكيان على الأمن القومي المصري والعربي وقرر الملك فاروق دخول الجيش المصري والعربي وقرر الملك فاروق دخول الجيش المصري حرب فلسطين بالمشاركة مع الجيوش العربية ولولا التأمر الغربي وخيانة بعض الأنظمة العربية وعلى راسهم الملك عبدالله ملك الأردن وجد الملك الحالي وتسليمه بلدتي اللد والرملة لأنتصر الجيش المصري وانتهى الأمر بهزيمة الجيوش العربية وإقامة دولة إسرائيل التي ظلت منذ قيامها شوكة في الجسم العربي وقاعدة المؤامرات ضد المنطقة العربية وعقب قيام ثورة يوليو بقيادة عبد الناصر رفع ناصر شعار القومية العربية وتصدت مصر المؤامرات الصهيونية وخاضت الحروب تلو الحروب دفاعا عن قضية فلسطين والأمة العربية ولم تتخلى مصر عن هذا الواجب المقدس حتى بعد هزيمة عام 1967 وأعلن عبد الناصر شعاره الشهير لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل كما أعلن موقفه الثابت المقدس قبل سيناء والجولان قبل سيناء إدراكا منه أن الجسم العربي واحد وأن ما يصيب أي جسم عربي يصيب في النهاية الجسم المصري وكانت الرسالة الأخيرة قبل رحيله تحقيق المصالحة بين النظام الأردني والمقاومة الفلسطينية حقنا لدماء الفلسطينيين ورحل عبد الناصر وبكته الأمة العربية ليس لعقد شخص لأن الموت علينا حق ولكن لإدراكهم مدى الفراغ الذي سيتركه عبد الناصر في الدفاع عن قضايا وطنه وأمته ويبدوا أن الجماهير العربية كانت على حق فلقد بدأ الرئيس الراحل أنور السادات مؤامرة لهدم منجزات عبد الناصر من خلال بيع القطاع العام وتسليم اقتصاد مصر لطبقة من رجال الأعمال الذين نهبوا ثروة مصر ورغم الانجاز العظيم الذي حققته القوات المسلحة في حرب السادس من اكتوبر إلا أنه أضاع عظمة هذا الإنجاز عندما ابلغ هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي بأن مصر لن تتجاوز خط بارليف وهو ما أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لتحويل كل جهدها إلى الجبهة السورية وهو ما دفع السادات لسحب قوات من الجبهة الغربية إلى الجبهة الشرقية وانتهزت إسرائيل الفرصة واحدثت الثغرة ورغم أن الموقف عندما تم وقف إطلاق النار لم يكن سيئا بعد وصول الدعم العربي من الجزائر وغيرها من الأقطار العربية وقيام دول الخليج بقطع البترول عن الدول الداعمة لإسرائيل إلا أنه اقدم على عقد اتفاقية كامب ديفيد والتي جعلت غالبية سيناء خاصة في المنطقة الحدودية منطقة منزوعة السلاح وانهى حالة الحرب مع العدو الصهيوني وهو ما أعطى له فرصة للاستفراد بكل دولة على حدة فكانت العراق وتلتها لبنان في الوقت الذي استمر في مؤامراته على مصر باعتبارها المستهدف الاول لمؤامراته وللأسف فإن انعكاسات أخطاء السادات انعكست على أنظمة الحكم المتتالية فاستمر مبارك مكبلا باتفاقية العار مع إسرائيل التي عربدت في المنطقة واضاف مبارك في السنوات الأخيرة من عمره خطيئة أخرى بعد أن ترك المجال لإبنه جمال مبارك وحاشيته من رجال الأعمال وعلى رأسهم احمد عز بالسيطرة التامة على الاقتصاد وحققت تلك المجموعة ثروات طائلة على حساب الشعب الكادح أما الرئيس السابق محمد مرسي فكانت خطيئته أنه لم يكن الرئيس الحقيقي لمصر بل ترك الأمر لصقور جماعة الإخوان وعلى رأسها خيرت الشاطر بالسيطرة على الحكم لتحقيق مصالح الجماعة على كساب مصالح الدولة ولم يستمر الأمر طويلا حيث قاد الرئيس السيسي الحكم وتولى مقاليد السلطة وتجدد الأمل لدى الشعب في عصر جديد يعمل على تحقيق مبادئ ثورة يناير التي نادت بها جموع الشعب من عيس وحرية وكرامة إجتماعية الا أن تلك الآمال ذهبت إدراج الرياح وسرت طبقة من المنتفعين على اقتصاد مصر حتى وصلت ديون مصر الخارجية إلى أكثر من 170 مليار دولار بعد أن أنفق النظام القروض التي استدانها في مشاريع لا تفيد الا الطبقة الثرية وأصبحت مصر مقسمة بين طبقة غنية تمام ثروات طائلة وطبقة تعيش تحت خط الصفر لا تملك شيئا وكان طبيعيا أن تنعكس تلك الأزمة الطاحنة والديون المتراكمة على سياسة مصر الخارجية الذي تراجع دورها بعد أن أصبحت مكبلة بالديون وهو الأمر الذي نراه الآن في تعامل مصر مع أزمة سد النهضة الذي لم يتخذ فيها موقف قوي يحفظ حقوق مصر المائية وكذلك قضية فلسطين رغم أن تلك القضايا تشكل جزءا أساسيا من الأمن القومي المصري وإذا كانت مصر تمر بهذا الوضع المتردي الذي لا يتناسب مع دورها ومكانتها في المنطقة والعالم فإن الوضع لم يكن احسن حالا في بقية الأقطار العربية وعلى سبيل المثال الدور المخزي الذي يلعبه الان حاكم الامارات التي اصبحت في عهده راس حربة لتحقيق المصالح الإسرائيلية في المنطقة وحاكم السعودية الذي حول الاماكن المقدسه إلى أماكن الفسق والفجور رغم نكانو السعودية الدينية فضلا عن السودان التي يتصارع قادتها على تحقيق أجندات خاصة على حساب مصالح الشعب السوداني ولا يختلف الأمر كثيرا عن ليبيا فضلت عن النظام السوري الذي فشل في الحفاظ على وحدة أراضي سوريا التي تم تقسيمها عمليا بين الولايات المتحدة وتركيا وإيران وروسيا فضلا عن فشله في التصدي الغارات الإسرائيلية المتواصلة التي استباحت المجال الجوي السوري دون أي رد ولقد لخص الكاتب والمفكر د. مصطفى الفقي الحالة التي وصلت إليها مصر عندما قال إن مصر لن يحكمها عقب كامب ديفيد الا رئيس ترضى عنه امريكا واسرائيل ولعل هذا الوضع المخزي الذي تمر به مصر ينطبق أيضا على العالم العربي الذي وصل حكامها إلى السلطة بمباركة من الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة وبالتالي فهم مدينون لها وليس لشعوبهم الذي لم يكن لهم دورا في وصولهم للحكم ولكن على هؤلاء الحكام الذي يمكن أن نطلق عليهم حكام العار أن يعودوا لدروس التاريخ بأن الأمن الحقيقي للحاكم ياتي من رضى شعبه ولتكن لهم عبرة في الخليفة العادل عمر بن الخطاب الذي جاءه رسول كسري فوجده نائما تحت شجرة فقال كلمته الشهيرة حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر فهذا هو الأمن الحقيقي لكل حاكم ولكل أمة .
مصطفى عماره
إرسال التعليق