يامني (كأن ربي حين خلقك كان يعلم بعلمه القديم بأنّك ستكون من الولدان المخلّدين)

يامني (كأن ربي حين خلقك كان يعلم بعلمه القديم بأنّك ستكون من الولدان المخلّدين)

يامني
(كأن ربي حين خلقك كان يعلم بعلمه القديم بأنّك ستكون من الولدان المخلّدين)
في كثير من الأحيان أشعر بأن الله عز وجل قد وضع قلبي لينبض في صدرك، تُشبهني وجدانيا كثيرا وفيك طيبة ولطف الى أبعد حدّ، حنون إلى حد أنك توقفني في منتصف الشارع وبين الأرصفة وفي زوايا الطرقات وعند واجهات المحلات لتقطف وردة وتقول لي: هذه هدية لكِ، أنا بحبك، وإذا حضنتني يختلط علي الأمر لشدة حضنكَ لي فلا أعلم هل أحضنك أنا أم تحضنني أنت !
وأحب نداءاتك المتكررة السريعة ماما ماما ماما، حتى أن صديقتي هبة كانت تخبرني حين أتعجل أمرا ما وصبري ينفذ نعم الآن أنت تُشبهين يامن حين يبدأ بتكرار ماما ماما، فأنتبه أنها تقول لي اهدئي يا لحوحة
لكنها حلوة من يامن، الولد المطيع الحلو الطيّب والذكيّ جدّاً
يحب الرياضيات ويستطيع اجراء العمليات الحسابية بسرعة، أنا التي تصيبني الأرقام بالدوار منذ صغري، هذه المادة التي لم أكن أحبها كان يهواها صغيري
ودائماً يضحك علي بصوت عالٍ وهو ينظر إلى شتاتي الكبير أمام الأرقام ويقول ماما احسبي صح، ويصوّب لي، فأضحك معه وأقول له لا بأس انت أشطر مني
فيدور حول نفسه مبتهجا أنا أشطر من ماما !
إنه طفل صالح، أتلمس صلاحه وإحسانه كثيراً مع أخوته وأصدقائه، وحين أجلب له شيئاً يقول لي وأيضاً كنان، لا أريده أن يزعل
يتفقد حزني وعيوني من الدموع ويسألني كثيراً هل بكيتِ ؟ فأقول له لا ثم يحدق بعينيه الجميلتين فيَّ قائلاً: ماما هنالك دمعة في عينيك أنا أراها !
لقد كنت تراني حقيقة، وكانت روحي تتكشف لروحك التي تتجلى في سماوات صفائها العلية، كيف لن أراني عبرك وقد كنت مرآتي !
لا أرفض لك أي طلب، وأحزن كثيرا إذا حزنت أو أحزنك أي أحدّ، لأنّ حزنك حقيقي وصادق لا يشبه حزن الأطفال
إنك تحزن كرجل!
وأنا امرأة لا تحب أن ترى رجلا تحبه مقهوراً
أنتظرك أحيانا على الباب حتى تفتحه وتخرج لي برأس منحن فأرفع رأسك ونتعانق طويلا ليس كأم وابنها بل كحبيبين، أثق بك وأحبك على صغر سنك وأعرف بأنك تدافع عني كأنك جيش بأكمله
لأول مرة لن أسألك إلى أين تذهب يا ماما ؟ لأن الذين يذهبون إلى الجنة لا يستأذنون أمهاتهم، وألمي ذاك هو ندبةٌ عظيمة في جذور النباتات وفي أجنحة النوارس وفي نشيج الحمام وفي ابتهالات المتصوفين وفي جروح ذاكرتي العميقة، لن أحظى بسماع ضحكتك الحلوة مرة أخرى ولا بتأملك الطويل للمنيو في مطعمك المفضل ولا ابتكارك لساندويش عجيب من ذوقك الفني ولا شكواك لي عن مضايقة احد اصدقائك لك ولا دموعك المقهورة حين لا تحصل على ما تحب ولا رقصك الجميل قبل ان تمسك قطعة البيتزا الساخنة ولا بكلمة بحبك يا ماما التي تأتيني منك في كل وقت حين نصحو وقبل أن ننام وفي منتصف كلامنا وانا اعد الطعام وانا أضع الشامبو على شعرك بينما أرشق الماء على وجهك الجميل وانا افتح لك الباب وانا اغلقه وراءك ونحن ننتقي الحاجيات من المتجر وانا أدعوك لتناول الآيسكريم وأنا أشتري لك لعبتك المفضلة وأنا أمسّد شعرك الذهبي وهو ينسدل في حجري بينما تنام

لن احظى بأي شيء من ذلك مجددا معك لكنني أيها الوسيم الجميل الحبيب سأظل محظوظة بشيء عظيم هو أنني أنجبتك من رحمي

يا كل قلبي ويا كل روحي ويا كل جسدي ويا كل كلي
إلى اللقاء

#آلاء_القطراوي #غزة
*في الصورة طفلي يامن ٨ سنوات حاصره الا ح ت لال مع اخوته ورفض خروجهم من المنزل ثم قصف عليهم المنزل في منتصف ديسمبر الماضي وقبل يومين اخرجوا جثمانه بعد ٤ شهور تحت الركام
د.آلاء القطراوي

إرسال التعليق