الموقف المصري المتخاذل من حرب غزة وعودة السيطرة الأجنبية
عندما أبرمت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع الجانب الإسرائيلي عقب حرب اكتوبر 1973 أرادت مصر من تلك الاتفاقية التقاط الأنفاس للتفرغ لعلاج الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها بينما أرادت إسرائيل منها اخراج مصر من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي للاستفراد بكل دولة عربية على حدة في غياب مصر بعد أن أدركت إسرائيل أنه من الصعب إن لم يكن الاستحالة لن تحقق إسرائيل أهدافها في المنطقة في ظل وجود مصر والتي تعتبر خط الدفاع الأول للدفاع عن القضايا العربية وفي غياب مصر احتلت العراق وتم غزو لبنان ونفذت الولايات المتحدة الداعم الأكبر لإسرائيل مخططها في تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة لتفتيت العالم العربي حتى وصلت ذروة المؤامرة بغزوها لغزة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تنفيذ مخطط الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وفرض الحصار عليه ومنذ بداية الأزمة أعلنت مصر صراحة موقفها برفض تهجير الشعب الفلسطيني وهو موقف نتفق عليه جميعا إلا أن هذا الموقف لم يكن يكفي في ظل رفض إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية للمحاصرين في غزة وخاصة في رفح التي تجمع فيها مليون ونصف مليون فلسطيني يعلنون من القتل والتجويع وكان يجب على مصر في ظل هذا الحصار الخانق وحرب الإبادة أن تفرض على إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية في حماية القوات المصرية وأعتقد أن إسرائيل لم تكن تجرؤ على التعرض لها لتجنب مواجهة عسكرية مع مصر إلا أن مصر لم تفعل ذلك وتركت أهل غزة فريسة للقوات الإسرائيلية فأما مواجهة مصير القتل أو الموت جوعاً كما أنها رفضت دخول الفلسطينيين سيناء للنجاه من هذا الحصار ولعل هذا يحقق الهدف الإسرائيلي من إبادة الشعب الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية واكتفت مصر بعبارات الاستنكار والادانة وتحميل الجانب الإسرائيلي المسئولية دون اتخاذ خطوة عملية لإنقاذ الشعب الفلسطيني واعطت الفرصة للجانب الإسرائيلي بتحميل مصر المسئولية كاملة عن عدم إدخال المساعدات للفلسطينيين المحاصرين في غزة وكان يجب على مصر اتخاذ موقف عملي باحراج الجانب الإسرائيلي وإدخال المساعدات حتى تتحمل مسؤوليتها أمام العالم بل لم تتخذ خطوة عملية على المستوى الدبلوماسي بسحب السفير أو تجميد اتفاقية كامب ديفيد وهو ما يضع علامات استفهام على الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية والتي تعد جزء من الأمن القومي المصري راجع في المقام الأول إلى تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر منذ سنوات عديدة والراجعة في المقام الأول إلى الفساد الاقتصادي والسياسي وسوء استخدام الموارد الاقتصادية رغم تلقي مصر معونات اقتصادية من دول الخليج وصلت إلى 97 مليار دولار وهو ما أدى إلى تراجع دول الخليج عن منح مصر أية معونات إضافية وهو ما دفع مصر إلى الاقتراض سواء من صندوق النقد الدولي أو الدول الأوروبية أو دول خليجية وعلى رأسها الإمارات التي أصبحت رأس حربة لتنفيذ المخططات الإسرائيلية في المنطقة ولاشك أن سياسة الاقتراض هذه افقدت مصر استقلالها السياسي حتى أصبحت إرادة مصر في يد تلك القوى التي منحتها تلك القروض والمرتبطة بالصهيونية العالمية وهو ما أعاد إلى الأذهان تلك السنوات التي سبقت احتلال مصر بفعل الديون وسياسة الاقتراض من الخارج وانعكست تلك السياسة ليس فقط على استغلال مصر في سياستها الخارجية بل أيضا على سياستها الداخلية التي أصبحت في المقام الأول على سياسة الجباية لمواجهة الديون الخارجية التي وصلت إلى 170 مليار دولار فضلا عن الديون الداخلية التي تجاوزت 3 مليار جنيه بدلا من إقامة مشروعات إنتاجية تسهم في القضاء على البطالة وعلى زيادة الناتج المحلي وكان طبيعيا في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية واللجوء إلى تلك السياسة أن يظهر تحالف جديد من رجال الأعمال والعسكريين يسيطر على الثروة ويرسم سياسات الوطن الداخلية والخارجية وكان من نتاج ذلك كله فشل هذا التحالف الذي تحكمه المصالح الذاتية في إيجاد حلول لمشاكل الوطن الحيوية في مجال الصحة والتعليم والاقتصاد والمياه وهو ما أدى إلى تلك الكوارث التي نواجهها اليوم وعلى رأسها ملف سد النهضة والفشل مواجهة التحديات التي نواجهها على مختلف الجبهات الشرقية والغربية والجنوبية والتي تهدد أمن الوطن ومستقبله ومن هذا المنطلق فإنني أوجه رسالة إلى الرئيس السيسي باعتباره مسئول مسئولية مباشرة عن إدارة الدولة وقائد المؤسسة العسكرية التي كانت ولا زالت امل مصر في أن يعيد تقييم تلك السياسات الخاطئة التي أضاعت الوطن ووضعته أمام كارثة حقيقية ورسم سياسات جديدة يديرها مجموعة من الخبراء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يضيع كل شيئ وعندئذ لن ينفع الندم ولن تجدي الدموع .
مصطفى عماره
إرسال التعليق