دون اعتذار حركة حماس عما فعلت برسالتها الاستبدالية لمنظمة التحرير والتمثيل الوطني الفلسطيني، يجب اعتبار موقفها “منبوذا وطنيا”، وأن يقترن اسمها لاحقا بما كان سابقا باعتبارها حركة إخوانجية”.

دون اعتذار حركة حماس عما فعلت برسالتها الاستبدالية لمنظمة التحرير والتمثيل الوطني الفلسطيني، يجب اعتبار موقفها “منبوذا وطنيا”، وأن يقترن اسمها لاحقا بما كان سابقا باعتبارها حركة إخوانجية”.

جمال زحالقة
دخلت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله مرحلة تصعيد جديدة وخطيرة، بعد تفجير أجهزة الاتصال وعمليات الاغتيال والإعلان عن انطلاق عملية «سهام الشمال» يوم الاثنين الماضي، التي قصف الجيش الإسرائيلي خلالها مئات المواقع في لبنان، ما أسفر عن نتائج فظيعة: مئات الشهداء وآلاف الجرحى وهدم وتدمير وإجلاء جماعي. وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الهدف العيني للهجوم الإسرائيلي الواسع على لبنان، هو تغيير معادلة التوازن السابقة وبناء معادلة جديدة بالمواصفات الإسرائيلية. وقال مسؤولون إسرائيليون أن جيشهم سيواصل الضغط على حزب الله وصولا إلى خلق ظروف جديدة تتيح عودة النازحين الإسرائيليين إلى بيوتهم في المستوطنات الحدودية، مع ضمان أمنهم وشعورهم بالأمان.

وفي الوقت الذي تقع فيه بعض وسائل إعلام كثيرة، ومنها عربية، في مصيدة «الخطر الوجودي» الإسرائيلية، وما يتبعها من تشخيص خاطئ بأن التصعيد الإسرائيلي يستند إلى قرار وجودي وليس إلى قرار سياسي، لا بد من شد الانتباه إلى أن الجذر يكمن في رفض إسرائيل لمسار التسوية الذي يبدأ بهدنة في غزة يلحقها تلقائيا وقف إطلاق النار من قبل حزب الله، ما يفتح المجال أمام حل دبلوماسي ممكن ومعقول. لا أحد يفرض على إسرائيل خيار الحرب الطاحنة، فهي التي تختاره بمحض إرادتها وبكامل وعيها، فكل الجبهات ستهدأ دفعة واحدة لو أن إسرائيل قبلت بصفقة تبادل ووقف لحرب الإبادة في غزة، وهذا ما جرى إعلانه في اليمن والعراق ولبنان وكذلك في إيران.

إسرائيل

ما تسعى إليه إسرائيل هو فك الارتباط بين غزة ولبنان، وهي تتصوّر أنها تستطيع تحقيق هذه الغاية إن هي لجأت إلى البطش الفظيع، وفقا للقاعدة الإسرائيلية التقليدية «ما لا يتحقق بالقوة سوف يتحقق بالمزيد من القوة». هذا بحد ذاته كاف للتقدير بأن المعارك العسكرية ستستمر طويلا، فحزب الله أعلنها بوضوح وبحزم أن لا هدنة على الحدود ولا عودة للمستوطنين، إذا تواصلت الحرب في غزة، ولا يبدو أنه سيتراجع عن هذا الموقف، حتى لو كان الثمن باهظا. ويؤكّد الحزب المرة تلو الأخرى أن مدعاة احتفاظه بجناحه العسكري هي قضية فلسطين، فهذا «سبب الوجود»، ومن دون الالتزام بها تتبخر شرعية كيانه العسكري أمام المطالبة المتكررة له بالاكتفاء مثل غيره بالوجود السياسي. لقد أضافت إسرائيل مؤخرا إلى أهداف الحرب هدف إعادة المستوطنين إلى بيوتهم، التي نزحوا عنها. ويبلغ عدد هؤلاء عمليا أكثر من 100 ألف بين نازح رسمي ونازح طوعي. هذه غاية غير قابلة للتحقيق مهما كانت التطورات لأن نصفهم أعلنوا أنهم لن يعودوا، ويتجهون نحو إيجاد بدائل للسكن والعيش. ومع ذلك فإن المسعى هو لخلق ظروف جديدة تتيح العودة لمن يشاء منهم «بأمان وباطمئنان»، كما يقولون. وتشتق إسرائيل من هذا الهدف مشروع إخلاء حزب الله من جنوب لبنان، ونشر قوات لبنانية وغربية في مناطقه كافة، مع ضمان عدم دخول قوات حزب الله إليها مجددا، وحتى لو حققت إسرائيل كل مآربها، فهي ستبقى مفزوعة من إمكانيات الوجود الخفي لمحاربي حزب الله في الجنوب، وهي تسعى لفرض معادلة جديدة، أعلنها نتنياهو، من دون أن يفصح عن فحواها.

المعادلة التي تسعى إليها إسرائيل فعليا، كما حددها الجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور، أهم ممثلي تيار «اليمين الأمني» في الدولة الصهيونية وهي، أن «يكون بإمكان إسرائيل أن تقوم بعمليات عسكرية في لبنان من دون أن تخشى رد حزب الله»، وهذا يعني تحويل جنوب لبنان إلى منطقة خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية. وتتعالى المطالبة بالقيام باجتياح بري للبنان لتحقيق هذه الرغبة الإسرائيلية الجامحة بالسيطرة على كل ما حولها.

لبنان

تستطيع الحكومة اللبنانية أن تفعل الكثير في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وبجعل مصير بيروت كمصير غزة، وفي التصدّي لعميات التهجير الواسعة واستهداف المدنيين وهدم المباني وتدمير البنى التحتية. وانطلاقا من أن العالم يعارض تدمير لبنان وانهيار الدولة اللبنانية، بإمكان الدولة اللبنانية أن تحوّل ضعفها المعروف إلى قوّة مؤثرة على الأحداث. الجميع يخشى انهيار لبنان، ويشمل هذا الجميع فرنسا والولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى، إضافة إلى الدول العربية ودول أخرى كثيرة في العالم. وعليه من الراجح أن تلقى الدعوة لإنقاذ لبنان من الدمار آذانا صاغية في عواصم كثيرة. الأوضاع في لبنان، وعلى الأصعدة كافة، كانت صعبة جدا قبل الحرب، وبدأت تتحول إلى كارثية تبعا للتصعيد الإسرائيلي الإجرامي، وهنا لا بد من مبادرة دولية وعربية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وعلى لبنان. لقد كان من اللازم والضروري وقف الحرب بسبب ما حدث ويحدث في غزة، والآن يُضاف سبب إضافي من الوزن الثقيل وهو مصير لبنان. على العرب أن يضعوا العالم أمام مسؤولياته في وجه آلة الدمار الإسرائيلية، لإيقافها ومنعها من إنتاج المزيد من الكوارث. إلى جانب الحكمة السياسية المطلوبة لبنانيا، فإن الصمود الأهلي والتماسك المجتمعي والتضامن الوطني، هي عوامل مهمة ومطلوبة لتقليص الأضرار وتفويت الفرصة على إسرائيل، التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية، للضغط على حزب الله. وحتى الذين لا يوافقون الحزب الرأي والطريق، عليهم أن يروا أن الدولة الصهيونية تسعى إلى تحقيق غاياتها عبر دق الأسافين وشق الصفوف، وعليهم أن يصعّبوا عليها المهمّة.

الولايات المتحدة

يستدل مما يقوله ومما لا يقوله المسؤولون الأمريكيون، أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتصعيد حملتها العسكرية على لبنان، ويتضح أنها «يئست» من إمكانية التوصل إلى وقف الحرب في غزة وإلى حل دبلوماسي في لبنان. الإدارة الأمريكية خضعت لنتنياهو، الذي يرفض الهدنة والصفقة في غزة، وبدأت تتعامل مع استمرار الحرب في غزة كمسلّمة مثل مسلمات أقليديس، لا يمكن تغييرها ومنها الانطلاق.

الولايات المتحدة لا تتحرك لوقف التصعيد الإسرائيلي في لبنان. تخيّلوا لو قتل 500 إسرائيلي في يوم واحد، ماذا كانت إدارة بايدن ستفعل، وكيف كان سيكون ردها؟ التواطؤ الأمريكي مع العدوان الإسرائيلي يصل حد الشراكة المباشرة، فهي ملأت المخازن الإسرائيلية بالأسلحة والذخائر ومهدت الطريق للتصعيد، وقامت بنشر 40 ألف جندي أمريكي في المنطقة، إضافة إلى البوارج وحاملات الطائرات، كلها معدة ومستعدة لحماية إسرائيل عند الحاجة، وتستغل لردع إيران حتى لا تتدخل. لقد دفع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ضريبة كلامية، في خطابه الأخير على منصة الأمم المتحدة، وقال إنّ الحل الوحيد هو حل دبلوماسي وبأنه يسعى إلى تحقيق هذا الحل. وتواصل الإدارة الأمريكية في تسويق الوهم بأنها تقوم بجهود وبمساع لوقف الحرب. الولايات المتحدة تريد فعلا وقف الحرب لكن جهودها ضعيفة ومساعيها بائسة، وهي تكذب حين تدعي أن تحركها جدي. ومع ذلك هناك حقيقة مهمة يمكن انتشالها من بحر الكذب الأمريكي، وهي أن الولايات المتحدة غير معنية بحرب إقليمية ويبدو أنها حذّرت إسرائيل منها، وكأنّها تقول لنخبة الإجرام الإسرائيلية: إفعلوا ما شئتم، اقتلوا، دمّروا، هجّروا، لكن لا تجرّوا عمّكم سام إلى حرب إقليمية ـ وهذا خط أحمر.

إيران

طالبت إسرائيل الولايات المتحدة بتفعيل ضغوط على إيران حتى لا تتدخل في معاركها العسكرية مع حزب الله. ويبدو أن إدارة بايدن ليست بحاجة إلى هذا الطلب حتى تتحرك، فهي اهتمت بوضع المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي على أهبة الاستعداد ليس للدفاع عن إسرائيل فحسب، بل ولحماية عدوانها الوحشي على لبنان ومن قبله حربها الإجرامية في غزة. وهي تحذّر إيران بالفعل وليس بالقول فحسب. إيران من جهتها، ليست بحاجة للإقناع بمنع الحرب الإقليمية الشاملة، فهي مقتنعة تماما وتسعى لتجنّبها. لكن هذه القناعة لا تشمل السكوت إزاء كل ما تفعله إسرائيل، ويبدو أن هناك خطوطا حمرا إيرانية، وإن كانت غير معلنة، وقد يكون من بينها عدم السماح بالقضاء على حزب الله، كما يدعو بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين. ويظهر من تصريحات القيادة الإيرانية أنها ما زالت مترددة ولم تصل بعد إلى حد التهديد بالتدخل، وهذا التهديد هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يحرك الولايات المتحدة للجم الانفلات الإسرائيلي الإجرامي.

عن القدس العربي

إرسال التعليق