الوحدة المصرية السورية والانفصال الثاني
لم يكن إعلان الزعيم الراحل بين مصر وسوريا في 22 فبراير عام 1928 محض مفاجأة فلقد ارتبط البلدان منذ فجر التاريخ فلقد ارتبط الأمن القومي للبلدان بمصير مشترك وأدركت القوى الاستعمارية أن الاستيلاء على سوريا لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستيلاء على مصر والعكس صحيح ولقد أدرك حكام البلدين تلك الحقيقة فلقد طارد أحمس الأول الهكسوس حتى حدود الشام كما أن الغزو الصليبي والتتاري على المشرق العربي لم يتحطم إلا بوحدة مصر وسوريا لذا فإنه كان من الطبيعي أن ما يحدث في الشام تتردد اصداءه في مصر والعكس صحيح وعندما حصلت سوريا على استقلالها توجهت إلى مصر خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار التي شهدتها سوريا عقب الاستقلال والانقلابات العسكرية المتتالية التي حدثت في هذا الوقت والتي استغلتها القوى الاستعمارية للانقضاض على سوريا خاصة كل من تركيا وإسرائيل حيث حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية كما تعرضت سوريا لانتهاكات إسرائيلية متتالية على حدودها ولم يجد الشعب السوري مخرج من تلك الأزمة التي هددت استقلاله سوى عبد الناصر الذي بزغ بزعمائه القومية والتي دفعت السوريين إلى خوض معركة قناة السويس بنفس الحماسة والقوة التي خاضت به مصر تلك المعركة حيث قطع السوريين إمدادات النفط عن السفن الفرنسية التي شاركت في العدوان وكان مشاركة البطل السوري جول جمال معركة البرلس مع إخوانه المصريين واستشهاده في معركة البرلس هي خير شاهد على الوحدة بين البلدين ومع تزايد التهديدات الخارجية لسوريا وحالة عدم الاستقرار الداخلي اندلعت المظاهرات في كل أنحاء سوريا للمطالبة بالوحدة مع مصر وأمام هذا التيار الجارف والمشاعر المتدفقة من أبناء الشعب السوري توجه الضباط السوريين إلى القاهرة لمطالبة عبد الناصر بالوحدة ورغم تحفظ عبد الناصر على الوحدة الفورية ومطالبته بالوحدة المتدرجة خلال خمس سنوات إلا أنه أمام الضغط الشعبي وإدراكه للمخاطر التي يمكن أن تهدد دولة الوحدة قبل خوض تلك التجربة وكما توقع عبد الناصر فإن الصراعات الداخلية والمؤامرات الاستعمارية عجلت بنهاية تلك التجربة بعد ثلاثة سنوات من قيامها ورغم تلك النهاية المؤلمة لدولة الوحدة إلا أن ايمان عبد الناصر بالوحدة العربية بصفة عامة ومع سوريا بصفة خاصة لم يتزعزع فاستمرت مصر تحمل اسم الجمهورية العربية المتحدة ولم يتخلى عبد الناصر عن سوريا حين حشدت إسرائيل قواتها على الحدود السورية وارسلت مصر قواتها إلى سيناء دون استعداد كافي ودفعت ثمن هذا هزيمة 67 واستمر هذا الارتباط بعد رحيل عبد الناصر وخاض البلدان معا حرب 1973 حتى عقدت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل والتي أخرجت مصر من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي وقطعت الدول العربية علاقاتها مع مصر حتى عادت مرة أخرى في عصر مبارك وساندت مصر سوريا في أكثر من موقف سواء في مفاوضاتها مع إسرائيل حول هضبة الجولان أو في أزمة المياه مع تركيا والتي كادت تتطور إلى حرب بين البلدين إلا أن العلاقة بين النظام السوري والعالم العربي توترت عقب مؤتمر بيروت ووصف بشار الأسد للحكام العرب بأنهم انصاف الرجال وعقب اندلاع ثورات الربيع العربي كان طبيعيا أن تتأثر سوريا بثورة 25 يناير في مصر واندلعت احتجاجات واسعة للسوريين ضد نظام بشار الأسد والتي قمعها بشار بعنف غير مسبوق ودفع هذا النظام العربي إلى التضامن مع الشعب السوري واجتمع مجلس الجامعة وقرر قطع العلاقات مع هذا النظام ودعمت دول الخليج التمرد المسلح ضد النظام السوري كما قرر الرئيس السابق محمد مرسي ارسال مقاتلين مصريين لدعم التمرد العسكري ومع تدهور علاقات النظام السوري مع العالم العربي استغلت بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران وتغلغلت في مفاصل الدولة السورية ليس بهدف دعم هذا النظام فقط بل لنشر التشيع وتحولت سوريا في عهد بشار إلى نظام قمعي لا مثيل له زج فيه هذا النظام الآلاف من أبناء الشعب السوري إلى السجون الذي مارس فيه النظام أبشع صور التعذيب كما دفعت ممارسات النظام إلى تقسيم سوريا إلى مناطق بعضها يقع تحت نفوذ الأكراد وبعضها تحت نفوذ تركيا والبعض الآخر تحت نفوذ الجماعات المسلحة وكان طبيعيا أن ينتفض الشعب السوري ضد هذا النظام القمعي واستطاعت الجماعات المسلحة ذات التوجه الإسلامي وبدعم تركي من الاستيلاء على السلطة كما استغلت إسرائيل تلك الأوضاع واستولت على ما تبقى من هضبة الجولان وفيما رحبت دول عربية وعلى رأسها السعوديه بهذا التغيير تحفظت دول عربية عليه وعلى رأسها مصر حيث هاجمت وسائل الإعلام المصرية هذا النظام متأثرة في ذلك بصدام النظام المصري مع الإخوان واحتضان النظام السوري بعض المقاتلين المصريين المحسوبين على جماعة الإخوان الذين دعموا النظام السوري في حربه ضد نظام الأسد وكان يجب على النظام المصري الوقوف مع سوريا في تلك الظروف الدقيقة من خلال التواصل مع المسئولين السوريين في النظام الجديد خاصة أن العديد من الدول العربية ارسلت العديد من مسئوليها إلى دمشق كما شارك الرئيس السوري في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي ولكن للاسف صعد النظام المصري من هجومه على النظام السوري وقرر منع السوريين الذين يحملون تأشيرات أجنبية من الدخول إلى مصر كما شدد من شروط إقامة السوريين الذين لعبوا دوراً بارزاً في تنمية الاقتصاد المصري من خلال المشاريع التي اقاموها وشارك فيها المصريين وكأن هذا النظام أراد معاقبة الشعب السوري على اختياره واعتبر أن ما قام به هذا النظام انفصال ثاني هو أخطر من الإنفصال الأول لأنه يمس مصلحة الشعوب وهل يجوز فرض قيود على دخول السوريين واقامتهم في الوقت الذي يجوب فيه السياح الإسرائيليين الأراضي المصرية برسوم مخفضة دون قيود فمن اخطر على الأمن القومي المصري السوريين ام الإسرائيليين إننا في تلك الظروف الدقيقة التي تتعرض فيه مصر لتهديدات من كافة الجهات مطالبون بتحقيق مصالحة مع محيطنا العربي وعلى رأسه سوريا التي لا تقل أهميتها بالنسبة للأمن القومي المصري عن الملف الفلسطيني وأتمنى أن تكون القمة العربية القادمة بالقاهرة خطوة في هذا الطريق كما اتمنى حدوث تلك المصالحة مع كافة المعارضين للنظام بما فيهم الإخوان الذين لم يتورطوا في جرائم داخلية وبهذا فقط يمكننا مواجهة كافة المخاطر التي تهددنا وصدق الله العظيم حينما يقول واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
مصطفى عمارة
إرسال التعليق