ثورات الربيع العربي والحلم العربي
ثورات الربيع العربي والحلم العربي
لم تكن ثورات الربيع العربي والتي بدأت من تونس ثم انتقلت الى مصر وسوريا وعدد من دول المنطقة محض مصادفة ولكنها كانت نتاج حقبة من الفساد والاستبداد والديكتاتورية التي سادت تلك الدول قبل قيام تلك الثورات والتي كانت اندلاعها مجرد وقت ينتظر مجرد شرارة لاشعالها ورغم الأهداف النبيلة والمشروعة التي نادت بها تلك الثورات من عيش وحرية وكرامة إجتماعية إلا أن ثورات الربيع العربي تحولت مع مرور الوقت إلى خريف عربي وانحرفت عن مسارها بعد أن تسلقت عليها قوى داخلية وخارجية لتحقيق أجندتها الخاصة فضلا على أن تلك الثورات افتقدت القائد الذي يجمع عليه الشعب وتلتف حوله وفي ظل عدم وجود بديل متفق عليه كان لابد لها أن تنحرف عن مسارها وبدلا من ان تحقق الاهداف التي قامت من اجلها استغلتها القوى الخارجية والتي تحالفت معها قوى داخلية لتحقيق هدف قديم كانت تسعى إلى تحقيقه وهو تفتيت المنطقة وتقسيم المقسم وهو ما افصحت عنه وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في كتاب عن الفوضى الخلاقة أي تفتيت المنطقة من داخلها واستطاعت تلك القوى أن تشعل نيران الحرب الأهلية في سوريا وليبيا والعراق واليمن وهو ما حقق لإسرائيل أهدافها في تهويد ما تبقى من الأراضي الفلسطينية والقضاء على قوة الدول العربية التي تشكل تهديد لأمن إسرائيل وعلى رأسها العراق وسوريا بينما أخفقت تلك القوى في تحقيق الهدف الرئيسي لها في إشعال حرب أهلية في مصر والتي تعد أكبر تهديد للأمن القومي الإسرائيلي وربما كان فشل المخطط الغربي في مصر يرجع في المقام الأول أن الشعب المصري متماسك ليس به عرقيات أو مذاهب يمكن استغلالها لإثارة الفتن كما أن مصر تحكمها منذ مئات السنين دولة مركزية يحميها الجيش المصري والذي يعد أحد الضمانات الاساسية لتماسك الدولة المصرية وعدم تفتتها برغم من سلبيات الحكم المركزي الذي تتحكم فيه قوى وحيدة ورغم ذلك فإن القوى الاستعمارية وعلى رأسها إسرائيل لم تيأس من تحطيم القوى المصرية من خلال حصارها من الشمال في سوريا ومن الغرب في ليبيا ومن الجنوب في السودان فضلا عن تهديد أمن مصر المائي من خلال الدور الأثيوبي في سد النهضة الذي تغذيه إسرائيل لتركيع مصر ومساومتها على دورها في المنطقة، ولاشك أن الأوضاع الخطيرة التي تواجهها مصر والمنطقة العربية تتطلب أقصى درجات الحذر والاستفادة من تجارب السنوات الماضية سواء كنا حكاما أو محكومين لأن الأوضاع الحالية لا تحتمل تكرار أخطاء الماضي فبالنسبة للشعوب عليها أن تدرك أن محاولات التغيير بالقوة والفوضى سوف تهدد كيان دولنا وليس معنى ذلك أن تتنازل الشعوب عن حقها الطبيعي في الحرية والكرامة ولكن يجب أن يكون التغيير بالطرق السلمية ووفق أهداف وخطة واضحة ولعل ما حدث في جنوب إفريقيا عندما استطاع مانديلا أن يحقق آمال شعبه في الحرية من خلال النضال السلمي لهو خير دليل على ذلك وإذا كان هذا واجب الشعوب فإن واجب الحكام لا يقل اهمية فيجب على النظم الحاكمة أن تدرك أن الظلم والاستبداد وعدم تحقيق العداله لن يحقق لها الامن حتى لو استعانت تلك النظام بالخارج لأن أمن الحاكم لن يتحقق سوى بتحقيق الامن لشعبه وإذا استفادت النظم المحكومة والشعوب من تجارب السنوات السابقة وصححت أخطاء الماضي فسوف نتجاوز تلك الحقبة المظلمة من تاريخنا وسيعود العالم العربي قويا كما كان مهما كانت المؤامرات .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق