في الذكرى 62 لقيامها الوحدة المصرية السورية والدروس المستفادة
على الرغم من مرور إثنان وستون عاما على قيام الوحدة المصرية السورية إلا أن تلك الذكرى سوف تظل خالدة في قلب كل عربي مؤمن بوحدة وطننا العربي بصفة عامة وفي قلب كل مصري وسوري بصفة خاصة الذين آمنوا بأن وحدة البلدين هو الضمانة الحقيقية لإنقاذ المنطقة العربية من المؤامرات التي تحال ضدها وتستهدف وجودها ، ولم تكن الوحدة المصرية السورية نتاج مشاعر عاطفية فقط بين الشعوب بل كانت نتاج تاريخ مشترك ووحدة الدم والمصير في مواجهة جحافل الغزو التي أرادت تقسيم وطننا العربي واحتلاله ولعل تجربة الغزو الصليبي والتتاري للمنطقة العربية لهي خير شاهد على ذلك، وعندما حصلت سوريا على استقلالها اتجهت الى مصر وعندما قامت ثورة 23 يوليو عام 1952 اتجهت الى سوريا وخاضت سوريا مع مصر معركة عام 1956 وقطعت إمدادات النفط عن سفن العدوان كما شارك أبطال الجيش السوري وعلى رأسهم جول جمال الجيش المصري معركتهم ضد قوى العدوان وكما شاركت سوريا مصر معركتها وقفت مصر مع سوريا في معركتها ضد الاحلاف العسكرية ووقف جنود الجيش المصري بأسلحتهم مع الجيش السوري في خندق واحد لمواجهة التهديدات التركية بغزو سوريا وهو ما ألهب مشاعر السوريين الذين خرجوا في مظاهرات مطالبة بالوحدة مع مصر بعد أن أيقنت أن وجود مصر بقيادة عبد الناصر هو الضمانة الحقيقية لأمن سوريا ، وأمام الفوران الشعبي المطالب بالوحدة كان لابد أن يتجاوب قادة الجيش السوري مع مطالب الجماهير وقام قادة أفرع الجيش السوري بأفرعه المختلفة بزيارة مفاجئة للقاهرة لمطالبة عبد الناصر بالوحدة ورغم تحفظ عبد الناصر على إتمام الوحدة بصورة مفاجئة وضرورة الإعداد الجيد لها إلا أنه لم يكن أمامه إلا الانصياع لإرادة الجماهير لحماية سوريا من التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجهها ، وفي يوم مشهود في الثاني والعشرين من فبراير عام 1958 أعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة وزار عبد الناصر دمشق كأول رئيس مصري لدولة الوحدة ، وفي مشهد أسطوري حملت الجماهير السورية عبد الناصر تعبيرا عن حبها له وتتويجا لمشاعرهم الفياضة تجاه هذا الحدث التاريخي الذي جسد آمال الشعبين ليس فقط في مصر وسوريا بل في الأمة العربية كلها التي رأت أن الوحدة هي السبيل الوحيد لإعادة أمجاد الأمة العربية ومواجهة الأطماع الخارجية في احتلالها ونهب ثرواتها ، وعلى الرغم من المشاعر الفياضة من السوريين تجاه عبد الناصر والوحدة إلا أن تلك الوحدة لم تستمر أكثر من ثلاثة سنوات وفي يوم مشئوم من صباح 28 سبتمبر عام 1961 أعلن راديو دمشق قيام وحدات من الجيش السوري بانقلاب ضد دولة الوحدة وعلى الرغم من أن وحدات من الجيش السوري في حلب واللاذقية وغيرها من المناطق الأخرى لم تتجاوب مع الانقلاب وطلبت من عبد الناصر إرسال قوات مصرية لإجهاضه إلا أن عبد الناصر تراجع عن تلك الخطوة حفاظا على دماء الشعب السوري الذي أحبه كما أحبه عبد الناصر وظل وفياً له حتى الرمق الأخير من حياته ، ومما لا شك فيه أن المؤامرة الاستعمارية ضد دولة الوحدة كانت العامل الرئيسي في اجهاضها إلا أن هناك أخطاء ارتكبت ساهمت في نجاح تلك المؤامرة ولعل أهم تلك الأسباب سوء إختيار عبد الناصر للقيادات التي أدارت سوريا في هذا التوقيت والتي صنعت حزازيات بين الضباط السوريين والمصريين فضلا على أن قرارات التأميم التي اتخذها عبد الناصر كانت تناسب مصر ولكنها لم تكن تناسب سوريا لأن المجتمع السوري كان يعتمد على الاقطاعيات خاصة في مجال التجارة وكان الكثير من ضباط الجيش السوري ينتمون لتلك الطبقة الإقطاعية والذين رأوا أن قرارات التأميم تعد ضربا لمصالحهم ولاشك أن فشل تلك التجربة والتي كانت تشكل حلما لكل عربي يتطلب منا دراسة أسباب الفشل والاستفادة منها لضمان نجاح أي تجربة في المستقبل ولعل أهم تلك الدروس أن العاطفة وحدها ليست كافية لنجاح أي تجربة بل لابد أن تترجم العاطفة على إعداد علمي بحيث ترتبط أي تجربة بتحقيق ارتباط بين الشعوب في كل المجالات بحيث يصبح قرار الوحدة نابعا من إرادة الشعوب وليس وفق قرار سياسي مفاجئ دون إعداد مسبق ، أما الدرس الثاني فهو أن الديكتاتورية ورأي الفرد مهما كان هذا الفرد مخلصا ومحبوبا لا يصنع النجاحوبل أن الديمقراطية التي تعبر عن إرادة الشعوب هي الكفيلة بإنجاح أي تجربة لأنها سوف تعبر عن إرادة الشعب واحتياجاته ، ولاشك أن سنوات القطيعة والتوتر بين الدولتين خاصة بعد معاهدة كامب ديفيد وما تبعها من تراجع الدور المصري في المنطقة كان أحد الأسباب الرئيسية للأزمة التي تواجهها سوريا الأن والتي وجدت نفسها بمفردها في مواجهة أزمة تهدد وحدتها بل وجودها بعد أن استغلت القوى الخارجية الحرب الأهلية لتحقيق اطماعها حتى اصبحت سوريا ملعباً لجيوش عدة دول تريد تحقيق أجندتها الخاصة على حساب حرية سوريا ووحدتها وإذا كانت سوريا في حاجة إلى مصر في الماضي وقبل قيام وحدة عام 1958 في حاجة إلى مصر بعد أن حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية فإنها اليوم أصبحت أكثر حاجة إلى مصر لانقاذها من تلك المؤامرة التي تستهدف وجودها لأن ضياع سوريا هو ضياع لمصر التي ستجد نفسها بمفردها في أي حرب قادمة مع العدو الصهيوني أو أي قوى استعمارية أخرى.. فهل تتدارك مصر خطأ الابتعاد عن سوريا والقيام بدورها لانقاذها وإنقاذ الأمة العربية من المصير المظلم الذي يهددها ؟! .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق