عقب محاولة اغتيال حمدوك د/ حيدر إبراهيم رئيس مركز الدراسات السودانية في حوار خاص
– محاولة اغتيال حمدوك جاءت نتيجة تساهل وبطء في الأداء الحكومي بالإضافة إلى عدم حسم الموقف من رموز النظام البائد .
– الإخوان المسلمون ليس لهم أي مستقبل فهم فصيل إنتهى ولا يحتاج إلى عزل سياسي كما حدث في الدول الأخرى .
شهدت الأيام الماضية محاولة اغتيال د/ عبدالله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية السودانية ورغم الغموض الذي أحاط بالحادث والجهة التي تقف وراءه إلا أنه عكس استمرار حالة عدم الاستقرار الذي تمر به السودان منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير بفعل التدخلات الخارجية والأزمة الاقتصادية ومفاوضات إحلال السلام ، وفي ظل تلك التطورات التي تمر بها السودان أدلى د/ حيدر إبراهيم رئيس مركز الدراسات السودانية بالقاهرة بحوار خاص تناول فيه وجهة نظره عما يدور حاليا في السودان من تطورات داخلية وخارجية وفيما يلي نص الحوار :
* من وراء محاولة اغتيال الدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس وزراء المرحلة الانتقالية في السودان؟
** محاولة اغتيال الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية السودانية جاءت نتيجة تساهل وبطء في الأداء الحكومي بالإضافة إلي عدم حسم الموقف من رموز النظام البائد، فحتي الآن لم تتم محاكمات حقيقة لرموز النظام السابق، ولا تتبع الأموال المنهوبة وإطلاق العنان لصحفي الآخوان المسلمين بالكتابة في صحف سودانية ومهاجمة الثورة بطريقة منتظمة بالإضافة إلي أن أجهزة الإعلام مازالت تعج بعناصر من النظام البائد، وأن قوي الحرية والتغيير نجحت في تطبيق الجزء الأول من اسمها وهو الحرية وللأسف ما يحالفهم النجاح في التغيير المرجو، التغيير لم يكن في المستوي المطلوب بالإضافة إلي ذلك نجاح الإسلاميون في خلق وتأجيج الأزمات الإقتصادية والمعيشية، كل هذه الأجواء شجعت الإسلاميين علي القيام بمحاولة اغتيال رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، ومن المحتمل ان الإسلاميين قاموا بهذه العملية ونسبوها لفصيل اسلامي لتمويه التحقيق، والدليل علي ذلك تهديد علي عثمان القيادي المؤتمري “الإخوان المسلمين” بوجود قوات الظل، السودان الآن يحتضن منذ عهد البشير عددا كبيرا من الإرهابيين غير السودانيين، ويتمتعون بحيازة جوزات سفر سودانية وعندما يتحركون في أي عملية اغتيال أو ارهاب لو قبض عليهم تعتبر قوي ارهابية سودانية، والنظام البائد له تاريخ كبير في احتضان القوي الإرهابية منذ أسامة بن لادن عندما كون حسن الترابي المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي.
* هل كان متوقع حدوث مثل هذه الواقعة وهل هذه العملية تعتبر جزء من الثقافة السودانية؟
** ليس متوقع أن يقوم الاسلاميون باغتيال أي شخص في المرحلة الانتقالية، وثقافة الاغتيالات ليست من ثقافة الشعب السوداني بل أن مثل هذه المحاولات دخيلة علي أخلاق وثقافة السودانيين لأنها فيها خسة وخيانة، والتاريخ السوداني يؤكد ذلك عندما كانت الحرب بين الشمال والجنوب منذ ١٩٥٥ لم يحاول أي شخص جنوبي أن يغتال شمالي أو العكس رغم ضراوة الحروب بينهم.
* ماذا عن مستقبل الاسلام السياسي”الاخوان المسلمين” في السودان ؟
** فصيل الاخوان المسلمين ليس لديه أي مستقبل، فهو فصيل انتهي ولا يحتاج عزل سياسي كما طبق في بعض الدول المجاورة، وأصبح قوي ضعيفة وأفراد معدودة معزولين من الحياة الإجتماعية والعامة في السودان، والإسلام السياسي في السودان ارتبط بالفساد والإقصاء والتطهير العرقي، حدث لهم بعد ثورة ديسمبر 2018عزل مجتمعي وأصبح الأخ المسلم يخجل عن الإفصاح انه منتمي للأخوان المسلمين.
* ما هي وجهة نظركم في الموقف الأثيوبي المتعنت وانسحابه من مباحثات واشنطن، وهل تقف قوى خارجية وراء هذا الموقف؟
** أنا ضد نظرية المؤامرة، نحن لم نستطع أن نفهم الأفارقة بشكل جيد، والأثيوبيون معتزون بأنفسهم بصورة كبيرة، ولا يحبون أي شئ من السيطرة أو الهيمنة، فمصر اثناء التفاوض لم تضع هذه المسألة في الاعتبار، كما يقول المصريون أنهم أم الدنيا الأثيوبيون يرون في أنفسهم أنهم أيضا أم الدنيا فقامت أم الدنيا بالتصادم مع أم الدنيا الثانية، فالمصريون يريدون أن يصلوا لحل بشروطهم، وفي هذه الحالة لابد أن تصل بحل وسط تعمل مساومات وتأتي في النصف، في الأيام الأولي كانت إمكانيات الاتفاق واردة جدا، ولكن الآن المسألة اصبحت فيها هجوم وتدخل دول خارجية للضغط علي أثيوبيا .
* هل أنتم مع موقف السودان في عدم التضامن مع مصر والتحفظ على قرار جامعة الدول العربية؟
** ليست مسألة تضامن ولا عدمه، أعتقد أن دخول جامعة الدول العربية ليس مفيد لحل المشكلة، المتعارف عليه في أي مفاوضات تبدأ الخطوة الأولي للمفاوضات لتصل إلي نتيجة سلبا أو ايجابا، والأثيوبيون جاءوا للمفاوضات ومشوا فيها للأمام وامتنعوا بعد ذلك عندما وجدوا شروط مسبقة وبالتالي هم رفضوا أن يكملوا المفاوضات، وأعتبر الأثيوبيون أن أمريكا ليست جهة محايدة، وتتبني الموقف المصري، السودان كان من المفترض أن ينتظر حتي يروا النتيجة النهائية، الآن الموقف اتجمد والسودان من الممكن أن تقوم بدور في الفترة القادمة في تقريب وجهات النظر، وعيب العرب لم ينتظروا حتي تنتهي المفاوضات تأتي بنتيجة سلبا أو ايجابا، والآن العرب قطعوا التواصل بدلا ما تكون قوة محايدة ووسيطة وقفوا في جانب تاني، ولذلك فقدوا كارت عربي كان من المفترض أن يشتغلوا به بشكل أفضل “محايد وايجابي” لو تأخر بعض الوقت من الذي حدث.
*ما تفسيركم لموقف السودان المؤيد لأثيوبيا؟
** السودان ليست مؤيدة لأثيوبيا وهذا خطأ معظم المتابعيين وقعوا فيه، مما جعل جامعة الدول العربية تقع في هذا التحليل الخاطئ، السودان محايد تماما في الصراع الدائر حول سد النهضة، وليس واقف مع أثيوبيا إلي الآن ولكن السودان يقول نحن نتفاوض وفق شروط معينة وحتي تنتهي المفاوضات ونعلن الأطراف الثلاثة الفشل ندخل طرف ثاني مثل أمريكا أو جامعة الدول العربية وهذا توجه صحيح، فمقولة أن السودان مؤيد لأثيوبيا كلام غير صحيح، فالمشكلة بدأت عندما أقتربت الأطراف الثلاثة من الانتهاء من المفاوضات حدث شد وجذب، وحدث تدويل للمشكلة ولكن رأي السودان مهما كانت الظروف إلي أن تنتهي الأطراف الثلاثة وقرروا الفشل يدخل طرف آخر.
* هناك من يري أن السودان غير متضرر من بناء السد بل علي العكس مستفيد من توليد الكهرباء ووقف الفيضانات؟
** ممكن يكون هذا الكلام صحيح، والسودان لو بناء سد النهضة في صالحه وفي ضرر لمصر، السودان لا يتعامل مع بناء السد وغيره من المشاكل التي تضر مصربشكل انتهازي، فهو يرى مصلحته ومصلحة مصر، ولو في شي في صالحه لا يضر مصر.
* ما هي ابعاد المخطط الإسرائيلي في أفريقيا بصفة عامة والسودان بصفة خاصة وبالأخص بعد اجتماع نتنياهو برئيس المجلس السيادي؟
** السودان الذي أعرفه هو الذي استضاف القمة العربية بعد الهزيمة مباشرة وخرجت منها اللاءات الثلاثة وفي ناس داخل الثورة الفلسطينية غضبوا، أنا شخصيا كنت في ألمانيا وكنت جزء من اتحاد الطلبة العرب كنت واقف مع الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وفتح في ذلك الوقت، ونحن السودانيون نقف مع القضية السودانية موقف قومي نضالي مائة في المائة، والذي حدث في الفترة الأخيرة حدث لأسباب تكتيكية، ولو لاحظنا الذي قام بهذه الزيارة ليس وزير خارجية السودان ولكن اللقاء تم بين الفريق عبد الفتاح برهان ونتنياهو أي الذي قام به المكون العسكري، ومن ناحية تكتيكية يعتقد البرهان أن اسرائيل قد تساعد في مسألة رفع السودان من قائمة الإرهاب، ولكن موقف شعب السودان العادي مازال بالنسبة لهم اسرائيل دولة مغتصبة ومحتلة، وليس هناك انقسام بين الشعب السوداني لهذا اللقاء بين مؤيد ومعارض، ولكن في مجموعات متباينة منها مجموعات مؤيدة لهذا الاتجاه منذ فترة وعندهم أسبابهم مثل مجموعة محمود محمد طه منذ 1968 أصدر كتاب “التصالح مع اسرائيل” حيث يرى أن موسى وعيسى ومحمد أديان إبراهيمية ينتموا لدين واحد ولا داعي أن يتحارب العرب واليهود، وهذا تفكير متخلف جدا وديني وله منطقه.
ومن جانب آخر نجد أن معظم الدول العربية مطبعة مع اسرائيل، في حين أن السودان ليس لديه سفارة مع اسرائيل فمصر والاردن عندها سفارة لإسرائيل، واسرائيل تذهب للإمارات والدوحة لحضور مؤتمرات، الأمر الواقع الموجود في تراجع عربي كامل، ولو ما في تراخي عربي كان البرهان لم يلتقي بنتنياهو، رغم أنني ضد هذه المسألة، ولكن الإدانة لا تكون علي السودان لوحدها العرب كلهم راكعين أضافنا لهم واحد ثاني لا مبرر، ولكن الجو العام هكذا، ولو كان الجو العام جو نضالي وجو كفاح نضالي كان يعتبر لقاء برهان شئ شاذ، ومن وجهة نظري اللقاء لا قيمة له والدليل على ذلك لم تقم به وزارة الخارجية ولم نقم أي شكل من أشكال التطبيع.
* هل تستطيع اسرائيل بالفعل أن ترفع السودان من قائمة الارهاب؟
** لا تستطيع اسرائيل ولا حتي الرئيس ترامب أن يرفع السودان من قائمة الارهاب، لأن القرار بيد الكونجرس لو صوت لهذه المسألة يرفع السودان ليست هناك أي جهة تستطيع أن تفعل هذ الشئ إلا الكونجرس، والقرار أصبح ضعيف جدا بعد زيارة الألمان وفتح باب للاستثمارات، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتراجع، الآن البنك المركزي قال أن الأمريكان قالوا من الممكن أن تتعاملوا معنا كبنوك مما يعني أن أسم السودان سيظل في قائمة الارهاب.
* من خلال متابعة الشأن السوداني بدأ يظهر لنا العودة لمسألة هوية السودان عرب أم أفارقة؟
** الشئ الخطير الذي بدأ يظهر الآن في السودان هو إعادة السؤال حول الهوية السودانية نحن عرب ولا أفارقة، بدأت تظهر بصورة واضحة جدا بأننا أفارقة أكثر من أننا عرب وهنا تكمن الخطورة.
* ما أسباب تعثر المرحلة الانتقالية والاحباط الذي ينتاب السودانيين ما هي أسبابه؟
** في قضايا كان من الممكن أن تكون لها أولوية الأزمة الاقتصادية والسلام، وفي القضيتين الحكومة لم تتخذ اجراءات حاسمة، فمثلا في الأزمة الاقتصادية وزير المالية ابراهيم بدوي كان يعمل في البنك الدولي ويعتقد أن الحلول تأتي من الخارج ونحن نعتقد أننا نبدأ بالعامل الذاتي، وأن نحل المسألة ذاتيا فالسودان بلد زراعي ولديه امكانات كبيرة أبدأ نفعل الامكانات ونشوف ماذا يحدث، وعندما يأتي حاجة من الخارج خير وبركة كما يقولون، وحمدوك أنشأ لجنة الأزمات رئيسها حميدتي والمقرر لها مريم الصادق والاثنين ما عندهم صلة بالاقتصاد والسياسية ولذلك كان من الممكن أن تكون مفيدة ولكن بهذا الشكل ولدت اللجنة ميتة.
* في لقاء سابق كنت متفائل جدا بشخص ابراهيم بدوي وزير المالية في الحكومة الانتقالية؟
** وزير المالية السوداني ابراهيم بدوي كان يقول كلام وعندما ذهب للسودان عمل كلام غير الذي قاله، وهو ينتمي لحزب الأمة وكل ما يفعله بتوجيه من الصادق المهدي، وقبل ما يستلم الوزارة كا يتحدث كشخص اكاديمي وغير ما قاله، وتغييره جاء من صلته بالصادق المهدي وليس لأنه بقي وزير وصلته بحزب الأمة قوية جدا.
وفيما يخص العسكريون نجد أنهم غير مسيطرين ولكن بيعطلوا الشغل وفي فرق في أنك تكون مسيطر وان تكون لديك قدرة علي أنك تعطل، لأن التعطيل لايحتاج منك قوة كبيرة ولا رؤية، فقط تأتي لك القرارت وانت لا توافق عليها فأنا أرى أن العسكريين يقومون نتعطيل حركة الثورة والثوار الموجودين في السلطة حذرين وليسوا مواجهين للعسكر.
**هناك من يري لإعادة بوصلة الثورة السودانية لابد من إقالة رئيس الوزراء السودان؟
المسألة هذه ليست مسألة فردية، قوى الحرية والتغيير لم تعط رئيس الوزراء عبد الله حمدوك برنامج محدد بصورة زمنيه، وبقضايا واضحة، وتغيير حمدوك ليس في مصلحة الثورة والثوار، وليس في طريقة للأمور ترجع للخلف.
ما هو دور المجتمع المدني في السودان بعد الثورة؟
المجتمع المدني في السودان رغم اني جزء منه لكن الطريقة التي يشتغل بها طريقة عتيقة جدا من المفترض أن ينتقل للمرحلة ما بعد الثورة، المرحلة السابقة كان في دفاع عن حقوق الانسان والتعذيب، اما المرحلة هذه مرحلة بناء ولابد أن يشتغل بعمل سياسيات بديلة ولقاءات يستنفر الشعب لكي يكون شعب منتج، لأن الشعب السوداني أصبح شعب استهلاكي جدا، وانا متبري من المجتمع المدني بهذا الشكل، بالاضافة إلي روح التطوع انتهت وبقيت بسيطة، والمجتمع المدني في السودان لومشروع ليس له تمويل لا ينفذ، وهذه روح غريبة جدا، والمجتمع المدني المفترض يقوم علي التطوع والتضحية .
حاوره/ مصطفى عمارة
إرسال التعليق