((العود روح الموسيقى الشرقية ))

((العود روح الموسيقى الشرقية ))

الموسيقى موجات عطرية تنبعث من ذات الإنسان الخلّاقة المبدعة و رذاذ ألحانها ينعش الروح والفؤاد ،
وهي لغة عالمية تفهمها البشرية جمعاء ؛حتى أن العالم “ابن سينا” أوصى بالاستماع إليها لأنها تسكّن الأوجاع .
الموسيقى العربية تمتد جذورها الأصلية إلى 1400 عام قبل الميلاد ففي سورية القديمة -أوغاريت تحديداً -تم اكتشاف أقدم القطع الموسيقية المدونة في العالم عام 1950 وقام بفك رموزها عالم الآثار والموسيقي “ريتشارد دمبريل “و لعل أبرز من قدم قراءة لهذا التدوين الفيزيائي والموسيقي السوري “راوول غريغوري فيتالي” الذي قدم التحديد الكامل لدرجات السلالم الموسيقية البابلية، ورتب أحرف الأبجدية الأوغاريتية هذا الترتيب سارت عليه جميع اللغات .
ثم لاحقا قدم الموسيقار العالمي السوري “مالك جندلي ” رؤيته الخاصة (أصداء من أوغاريت) .
أيضاً أثبتت أقدم الدلائل الأثرية أن آلة العود تعود إلى 5000 عام حيث وجد الباحثون أقدم أثر يدل على آلة العودفي شمال سوريا من خلال العثور على نقوش حجرية تمثل نساء يعزفن على آلة العود ،أما أول ظهور لآلة العود كان في بلاد ما بين النهرين و(الجزيرة السورية) وذلك في العصر الأكادي 2350 2170 ق.م وظهر العود في مصر في عهد المملكة الحديثة حوالي 1580 – 1090 ق.م بعد أن دخلها من بلاد الشام وظهر العود في إيران لأول مرة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد .
يعتبر العود آلة رئيسية في التخت الموسيقي الشرقي وله دور أساسي في التدوين الموسيقي فقد بنى الفلاسفة بآلة العود أمثال “الكندي”و “الفارابي “و” ابن سينا” نظرياتهم الموسيقية ،كما استعان “صفي الدين الأرموي “بالعود في طريقة التدوين الجدولي حيث يعتبر سلمه الموسيقي أكمل سلّم على الإطلاق برأي الإنجليزي “هربرت باري” الذي قال في كتابه( فن الموسيقى ):إن سلم الأرموي يعطينا أصواتًا متوافقة أنقى وأصفى مما يعطينا إياها سلمنا أي السلم الغربي ذو الدرجات المتعادلة .
يُعتبر العود أصل الألحان العربية ؛ فجميع المُلحنين العرب يعزفون ألحانهم على العود أولاً ثم بعد ذلك ينقلون هذه الألحان إلى الآلات الأخرى .
العود هو روح الموسيقى العربية وقلبها النابض بالأنغام الصادقة لأنه الآلة الوحيدة التي يحتضنها العازف أثناء عزفه وتكون قريبة جداً من قلبه .
بالإضافة إلى أن آلة العود
تصنع بشكل يدوي فتحمل دفء الخشب وشيئاً كثيراً من روح صانعها.
صناعة آلة العود بحد ذاتها فن عريق اشتهرت به العراق تحديداً محمد فاضل العواد حيث أن جامعة اوكسفورد قامت بوضع أحد أعواده في متحف الجامعة كما اقتنى أعواده بعض ملوك العرب والكثير من الفنانين منهم فريد الاطرش عزف عليه معزوفة الربيع الشهيرة، وأم كلثوم وعبد الحليم ونصر شمة و منير بشير وسعدون الجابر وغيرهم الكثير .
أصبحت آلة العودبالشكل الحالي عام 1879على يدي الدمشقي “عبده النحات”
ويكمن سر العود الدمشقي بأنه يبقى لأكثر من مئة سنة دون أن يتغير، بل يصبح صوته أجود كلما ازداد عمره دون أن يتأثر بالعوامل الطبيعية كما أن معظم البيوت الدمشقية القديمة تحوي آلة عود لكونها كانت تمثل جزءاً أساسياً من جهاز العروس.
يعد ابن سريج أول عازف عربي على العود، فقد كان من الباحثين المميزين في مجال صناعة العود، كما يشهد له بأنه أول ضارب بالعود (المهذب ) في صدر الاسلام .
انتقل العود إلى الأندلس عن طريق ” زرياب “الموصلي الذي أصبح فيها شيخ العوادين وإمام المخترعين في صناعة آلة العود وزاد الوتر الخامس فيه ، وكانت من قبل أربعة أوتار (هناك رأى آخر ضمن أوتار العود ولم يستخدم من قبل ) كذلك اخترع مضراب العود (الريشة ) من قوادم النسر ،
ثم غزا العود قصور الملوك والأمراء في كل من ألمانيا وإيطاليا وانكلترا وفرنسا وإسبانيا بعد أن أضافوا إليه الدساتين التي يخلو منها العود الشرقي في الوقت الحالي وقد قام المؤلفون الموسيقيون بوضع قطع موسيقية لآلة العود وطبعت في إيطاليا لأول مرة في عام 1507 م وفي انكلترا عام 1574 م وكان من جملة الموسيقيين الذين وضعوا قطعا للعود جان سيبستيان باخ وهاندل وقد اختفى العود من الاستعمال الأوربي بعد انتشار الغيتار والبيانو والأروغ.
حالياً نحن نعيش في عصر العولمة والتطور التكنولوجي ، من جهة ذلك أتاح نشر جماليات الموسيقى العربية ذات النكهة المميزة من حيث التراكيب البنائية والنغمات العربية إلى باقي أرجاء العالم لكنه زاد استخدام الآلات الإيقاعية الغربية كالأورغ وغيرهاهذه الآلة يمكنها أن تصدر أصواتاً تشابه مختلف الآلات الموسيقية، كما أنها تتمتع بإمكانية التقاط الأصوات الطبيعية(سامبل) وتخزينها ليمكىن استخدامها فيما بعد ، مما أدى إلى تراجع آلة العود وغيرها من الآلات الأصيلة في الأغنية العربية .
وساهم استخدام برامج الكمبيوتر كثيرا في ادخال المؤثرات الصوتية وزيادة
عمليات الاستنساخ الموسيقي وإخراجها بطريقة تضاهي أداء أقوى الفرق الموسيقية، بالإضافة إلى استعمالها في المونتاج بحيث يتم تفصيل اللحن في ثوب جديد أيضاً سهولة استخدام تكنولوجيا “الكاريوكي” التي تعتمد حذف الصوت البشري من التسجيل الأصلي ثم إضافة صوت بشري آخر محله مع الاحتفاظ بالموسيقى الأصلية كما هي.
لكن رغم ذلك يبقى العود ربّ الموسيقى العربية وحضوره الطاغي لا يمكن أن ينقرض أبداً.

Attachments area

إرسال التعليق