سد النهضة وعلامات استفهام على الموقف المصري
على الرغم من الموقف الحازم الذي اتخذه الرئيس السيسي من التهديدات التركية تجاه مصر من الأراضي الليبية وهو الموقف الذي أثلج قلب كل مصري إلا أن الموقف المصري تجاه قضية سد النهضة جاء مخيبا للآمال من خلال التوجه إلى مجلس الأمن حتى بدون طلب فرض عقوبات على أثيوبيا رغم أنه لم تعد سوى أيام معدودة وفقا للتصريحات الإثيوبية على بدء ملء سد النهضة وهو ما سوف يلحق أضرار بالغة بالأمن المائي المصري وللأسف ومنذ بداية الأزمة وحتى الآن لم تتخذ مصر موقفا جديا للدفاع عن حقوقها المائية في وجه المماطلات الإثيوبية وكان يجب التمسك باتفاقية عام 1959 والتي حددت حصة مصر ب55مليار متر مكعب ، وبدلا من ذلك دخلنا في مفاوضات جديدة مع الجانب الإثيوبي ووقعنا إتفاق مبادئ وهو إتفاق غير ملزم ويعطي للجانب الإثيوبي فرصة للتملص من التزامانها بحصة مصر من المياه وحتى بعد أن وقعت أثيوبيا الإتفاق فأنه ثبت من خلال المفاوضات أنها تحاول فقط كسب الوقت حتى تنتهي من بناء سد النهضة ، ورغم وضوح الموقف الإثيوبي إلا أن مصر أصرت على إستكمال تلك المفاوضات وكأننا نعطي لأثيوبيا الفرصة لتضييع الوقت حتى تستكمل بناء السد وكان يجب أن يكون هناك موقفا مصريا حازما بأن مصر سوف تلجأ إلى كافة الوسائل الأخرى بما فيها إستخدام القوة لحماية أمنها المائي خاصة أن القانون الدولي يعطيها الحق في ذلك حتى أن وسائل الإعلام خرجت لتهاجم النائب أيمن نور عندما طالب في جلسة البرلمان التي عقدت قبل 30 يونيو وبثتها وسائل الإعلام في مصر بضرب سد النهضة واعتبرت أن ذلك يؤدي إلى توتر العلاقة مع دولة شقيقة ويدفعها لمزيد من التعنت رغم أن تلك الخطوة كانت ضرورية قبل أن يكتمل بناء السد ، وأذكر هنا أن الرئيس السادات صرح أثناء زيارته للسودان بعد معاهدة كامب ديفيد عندما سئل عن موقف مصر إذا أقدمت مصر على بناء سد على النيل فقال بلهجة حازمة أن الطائرات المصرية سوف تدمر أي سد على النيل ينتقص من حصة مصر لأن قضية المياه حياة او موت بالنسبة لها وللأسف جاء الموقف المصري مخزي بعد مباحثات واشنطن والتي قاطعتها أثيوبيا بصورة مهينة للمفاوض المصري وأعلنت عدم التزامها بأي إتفاق يتم التوصل إليه وكان من المفترض أن تتخذ الولايات المتحدة موقفا حازما تجاه أثيوبيا لأنها كانت داعية للمفاوضات لكنها لم تفعل شيئا لأننا راهنا على جواد خاسر لأنه من المعروف أن الولايات المتحدة تنفذ أجندة إسرائيل في المنطقة بهدف الضغط على مصر لتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل ، ومن الواضح أن الإعلامي توفيق عكاشة عندما قابل السفير الإسرائيلي وأعتقد أن تلك المقابلة كانت بعلم المخابرات المصرية من حيث الوقت والمضمون قال أن إسرائيل يمكن أن تحل تلك المشكلة إذا وافقت مصر عن التنازل عن جزء من نصيبها من المياه إلى إسرائيل لزراعة صحراء النقب ويبدوا أن تلك التصريحات كانت بالون إختبار لمعرفة مدى تقبل هذا الطرح من قبل الرأي العام وهو الأمر الذي رفضه الشعب المصري جملة وتفصيلا لأنه يرفض أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل أو أي تنازل من حصة مصر من المياه لمد إسرائيل بها وكان يمكن لمصر وبعد فشل مباحثات واشنطن ومقاطعة أثيوبيا لها أن تجد المبرر لضرب السد أو تخريبه وعندئذ لم يكن أحد يجرؤ على انتقاد مصر بعد أن ثبت عدم جدية أثيوبيا واصرارها على بناء السد وملئه دون إتفاق إلا أن مصر لم تفعل ذلك بل طلبت عقد جلسة لمجلس الأمن وحتى لم تطلب من الدول الأعضاء في مجلس الأمن فرض عقوبات على أثيوبيا واجبارها على عدم إتخاذ مواقف أحادية في تلك القضية ولاشك أن هذا الموقف يلقي علامات استفهام حول جدية الموقف المصري لإجبار أثيوبيا على التراجع عن موقفها خاصة في ظل التهديدات الإثيوبية بالحرب والتي تمثل أهدارا لكرامة مصر وإظهارها بالعجز عن مجابهة الموقف الإثيوبي ، وفي ظل تلك الظروف الدقيقة والتي تمثل تهديدا خطيرا لأمن مصر يفوق التهديد التركي لها فأنني أطالب الرئيس السيسي باتخاذ موقف حازم يحفظ لمصر كرامتها وكرامة أمنها المائي مثلما أتخذ هذا الموقف تجاه تركيا والذي حفظ لمصر كبريائها في مواجهة التهديدات التركية لأمنها القومي .
مصطفى عمارة
إرسال التعليق