بعد فوز بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية د. أحمد مجدلاني الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في حوار خاص
– نأمل أن تسقط صفقة القرن مع سقوط ترامب والأمر يتطلب رؤية فلسطينية موحدة للتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة .
– نرفض اتهامات حماس لفتح والسلطة والتي تعبر عن إفلاس سياسي واضح ومحاولة إرباك الوضع الداخلي .
آثار فوز المرشح الديمقراطي الأمريكي جو بايدن العديد من التساؤلات حول تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع القضية الفلسطينية ومستقبل صفقة القرن بعد سقوط ترامب ، تلك التساؤلات وتساؤلات أخرى أجاب عنها د. أحمد مجدلاني الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في حواره معنا وفيما يلي نص هذا الحوار :-
– كيف ترى تأثير بايدن على القضية الفلسطينية في ظل الأنباء التي ترددت عن مراجعة الإدارة الأمريكية لسياساتها اتجاه صفقة القرن وموقفها من السلطة الفلسطينية ؟
بصرف النظر عن نتائج وملابسات الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي أكدت فوز ” المرشح الديمقراطي ” جو بايدن فما يهمنا بأن ترامب قد سقط سقوطاً مدوياً ونأمل أن يسقط معه مشروعه العدواني المسمى صفقة القرن الهادف لتصفية القضية الفلسطينة ، ورغم عدم قناعتنا بالرأي السائد الآن لدى بعض الاتجاهات السياسية ، أن لا فرق بين مشروعي ترامب وبايدن وانهما وجهين لعملة واحدة خصوصا اتجاه قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، وهذا يتطلب رؤية وطنية فلسطينية محددة للتعامل مع نتائج الانتخابات الأمريكية ومعطياتها والتي وبدون أدنى شك ستؤثر تأثيرا بالغا على مجرى الصراع في المنطقة وعلى مستقبل التسوية السياسية على الأقل خلال الفترة الرئاسية الجديدة ، وكذلك وفقا للترتيبات التي يمكن أن تتبناها الإدارة الجديدة خلافاً لما كان عليه الحال مع ادارة ترامب المنصرفة وخصوصا انسحابها الواقعي من رعاية العملية السياسية وتحولها من راعي لها إلى شريك لإسرائيل ، وتنصلها من تطبيق خطة “خارطة الطريق” واستحقاقات العملية السياسية والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ومحاولة فرض إدارة ترامب لحل أحادي الجانب للقضية الفلسطينية تحت مسمى صفقة القرن، اعتباره مرجعية جديدة للمفاوضلت بديلا عن قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
لم نراهن يوماً على أي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة ولم يكن لدينا اوهاما، فنحن على معرفة بمواقفها وأجنداتها وانحيازها المكشوف لدولة الاحتلال وبنينا مواقفنا وعلاقتنا معهم بما يخدم مصالحنا الوطنية، ومن السابق لأوانه الحكم على إدارة بايدن ومن هنا علينا الانتظار لنرى ما ستطرحه هذه الإدارة من رؤى ومواقف في سياساتها الخارجية وموقفها من مسألة المفاوضات وتعاطيها مع الموقف الفلسطيني الداعي لعقد مؤتمر دولي للسلام على قاعدة قرارات الشرعية الدولية .
– هل يعني سقوط ترامب سقوط صفقة القرن في المرحلة القادمة ؟
إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وعدم استجابة إسرائيل لمتطلبات السلام العادل القائم على تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ، بالإضافة للسياسات الأمريكية المنحازة لاسرائيل في المنطقة على مدار العقود الماضية ، هو أساس دخول منطقة الشرق الأوسط في مرحلة حرجة من فقدان الامن والاستقرار.
إن رؤيتنا الفلسطينية لشرق أوسط مستقر تنطلق من ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يرتكز على قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي ، وليس على أساس المقاربة الأمريكية التي طرحتها إدارة ترامب المنصرفة فيما يعرف بصفقة القرن التي ترتكز على رؤية اليمين المتطرف الحاكم في دولة الاحتلال ، والتي تهدف لتثبت الوضع القائم بالاحتلال الاستعماري لشعب واراضي دولة فلسطين.
إن عدم حل القضية الفلسطينية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين عبر قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967 يمثل تهديداً للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ، ومدخلاً لاتساع وتعميق الصراعات السياسية والمذهبية في المنطقة ، ومن هنا فان سقوط ترامب يجب أن يتضمن سقوط مشروعه التسووي البعيد عن منطق المجتمع الدولي والشرعية الدولية ،والذي تبنى وجهة نظر حكومة الاحتلال وسعى لفرض صفقته الاستسلامية على القيادة الفلسطينية التي رفضتها رفضاً واضحاً ومعلناً عبر تعليق العلاقات مع الولايات المتحدة طيلة الفترة الماضية.
– ما ردكم على الاتهامات التي وجهتها حماس لفتح والسلطة بأن موقفهما من المصالحة والاتفاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة كانت مؤقتة انتظارا لوصول إدارة بايدن إلى السلطة الفلسطينية ؟
إننا نرفض تلك الاتهامات التي تطلقها حماس بين الفينة والأخرى وهذه الاتهامات هي استمرار لمسلسل التشويه وتحريف المواقف ومحاولة إرباك وتأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني التي انتهجتها قيادة حماس وهي تعبير عن إفلاس سياسي واضح ولا يمكن القبول بمثل هذه الاتهامات للقيادة الفلسطينية ولحركة فتح ، فقد بذلنا جهود حثيثة خلال المرحلة الماضية لتحقيق المصالحة الوطنية والعمل على إنهاء الانقسام الأسود في الساحة الفلسطينية والذي لا يستفيد منه سوى الاحتلال .
لقد حصلت لقاءات على مستوى عالٍ من اجل انجاز المصالحة والتأكيد على الشراكة الوطنية بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية وكان لاجتماع الأمناء العامون للفصائل برئاسة السيّد الرئيس أبو مازن مخرجات مهمة وعلى رأسها التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني على أساس نظام التمثيل النسبي الكامل ،وكذلك حصلت تفاهمات بلقاء اسطنبول بين اللواء جبريل الرجوب وصالح العاروري، وهذه التفاهمات صاغها صالح العاروري واخذ موافقة هنية وعدد من اعضاء المكتب السياسي المتواجدين بتركيا في ذلك الوقت ،ووافقت اللجنة المركزية بالاجماع على هذه التفاهمات وكذلك كافة القوى السياسية ، وتحاول قيادة حركة حماس التنصل والتهرب من هذه التوافقات وخصوصا فيما يتصل بالانتخابات على التوالي وليس بالتزامن،وعلينا جميعاً أن نفوت الفرصة على الاحتلال ومشاريعه التخريبية بالعمل على توفير الإرادة السياسية والالتزام في إطار الموقف الموحد والابتعاد عن المناكفات الفارغة ولغة التخوين والتشويه التي يراد من خلالها نقل أزمات داخلية وتنظيمية لدى حماس لتنعكس على الوضع الفلسطيني ككل .
إن التحرك من أجل المصالحة وإنهاء الانقسام لم يرتبط بأية أجندات ولا علاقة له بنتائج الانتخابات الأمريكية ولم يتوقف الحوار أصلاً حتى يتم خوض جدل عقيم وحملات تشويهية لا تخدم المصلحة الوطنية بأي شكل من الأشكال ، وبالنسبة لنا فان المضي في المصالحة الوطنية خيار استراتيجي ووحيد وليس من بين خيارات اخرى، ولا عودة لمربع الانقسام ، وسنستمر في جهودنا للوصول للمصالحة وانهاء الانقسام، وسنبذل كل جهد ممكن لإنجاحها وتذليل كل العقبات أمامها.
– هل تتوقعون نجاح الجهود المصرية في تحقيق المصالحة الفلسطينية خاصة بعد لقاء قوى حماس وفتح بالقاهرة ؟
لقد أكدنا دائماً على الرعاية المصرية لحوارات المصالحة الوطنية الفلسطينية ، فقد بذلت القيادة المصرية جهود ومساعي جبارة ووفرت مناخات متميزة لحوارات القوى الفلسطينية في القاهرة ، وما زلنا نؤكد على ضرورة أن تقوم مصر ليس بدور الراعي للمصالحة وضمان تنفيذ الاتفاق فحسب ، بل وتوفير الضمانة للتنفيذ من خلال استمرار الرعاية له ، والضمانة الوحيدة لتنفيذ الاتفاق تتمثل بضرورة وضع آليات صحيحة تشكل أساسا للانطلاق نحو تطبيق بنود المصالحة وضرورة الابتعاد عن ثقافة ” المحاصصة ” باعتبارها قضية تهدد بنية النظام السياسي الفلسطيني وتعزيز التوافق الوطني لإجراء الانتخابات العامة كمدخل حقيقي لإنهاء كافة إفرازات وتأثيرات الانقسام وتوحيد المؤسسات الوطنية بين شطري الوطن.
الدور المصري أساسي ومحوري ونحن نراهن على حرص ومسؤولية الإخوة المصريين لانجاز المصالحة وطي صفحة الانقسام وقطع الطريق على أية جغرافيات سياسية تحاول التلطي بالملف الفلسطيني والاتجار باسم القضية الفلسطينية خدمة لمآربها الخاصة وعلاقاتها الدولية والإقليمية .
– هل تتوقع أن تسعى تركيا لإفشال الدور المصري خاصة أن الفترة الماضية شهدت زيارات لوفد حماس إلى تركيا ؟
كنا أول من رحب بالحوارات الجارية بين حركتي فتح وحماس في تركيا ، وتأكيد دعمنا لهذا الحوار الذي نعتبره ترجمة عملية لمخرجات اجتماع الأمناء العامون برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس ” أبو مازن ” ، وهذا الحوار الذي يجري بإرادة وطنية خالصة ودون أية وساطة من أحد ، والتي نعتقد أنها ستكون أحد أسباب النجاح لهذا الحوار.
وان الحوار في تركيا أو أي مكان آخر لا يعني التراجع عن الدور المصري الذي أسهم بشكل كبير في إدارة الحوارات الوطنية بين حماس وفتح وكذلك الحوار الوطني الشامل بمشاركة كافة القوى والفصائل .
ندرك علاقة حركة حماس القوية مع الحكومة التركية وهم جزء من حركة دولية واحدة هي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، ونؤكد على ضرورة حيادية أي طرف وعدم تدخله في الشأن الداخلي الفلسطيني للحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل ، مع ترحيبنا بحرص أي طرف على إنهاء الانقسام وإعادة اللحمة للساحة الفلسطينية .
– ما هي أبعاد الدور الإيراني بالنسبة للقضية الفلسطينية وهل تسعى إيران لاستخدام بعض الفصائل كالجهاد وحماس لتحقيق أجندتها الخاصة ؟
منذ بدأنا الاتصالات مع القيادة الإيرانية لم يكن في ذهننا أو في تحركنا السياسي والدبلوماسي الرد على هذا الطرف أو ذاك ، وأساس أي علاقة نقيمها يكون على قاعدة الاحترام المتبادل ، والمصالح المشتركة ، فنحن دولة لا تبحث عن مصالح أو ملاذ آمن هنا أو هناك ، وعلاقتنا مع إيران ضرورة ملحة في ضوء التطورات الدولية والإقليمية.
وعلاقتنا مع اي بلد بمقدار قربها أو بعدها عن القضية الفلسطينية ، وعلاقتنا مع إيران هي علاقة سياسية متكافئة أسوة بعلاقاتنا الدولية والإقليمية .
لقد عبرنا مراراً وحتى في زيارتنا لطهران عن تحفظاتنا لعلاقات طهران المباشرة مع تنظيمات بعينها وعن الدعم الإيراني تحت يافطة ” يوم القدس العالمي ” ونحن نطمح لنضوج العلاقات الفلسطينية الإيرانية رسمياً ومن خلال البوابة الرسمية الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية بعيداً عن أية أجندات وعن سياسة المحاور التي تضر بقضيتنا الوطنية ومكانتها .
– بعد قيام الإمارات ودول خليجية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ، هل تتوقعون أن تتخذ السعودية موقفاَ مماثلا في المرحلة المقبلة ؟
عدم إدانة الإمارات على ما أقدمت عليه من توقيع اتفاق تطبيعي مع إسرائيل يعني عملياً ترسيخ سابقة وسياسة جديدة في الجامعة العربية تشرع لأي طرف عربي إقامة علاقات مع إسرائيل ، وهذا تجاوز لمبادرة السلام العربية التي قدمها الملك السعودي الراحل عبد الله وأقرتها القمة العربية في بيروت بإجماع عربي في العام 2002 ، ونحن نعبر عن رفضنا وإدانتنا للعلاقات التطبيعية مع كيان الاحتلال والتي قامت بها الإمارات والبحرين والسودان فإننا نخشى من هرولة أنظمة أخرى إلى هذا المستنقع لإرضاء الإدارة الأمريكية وسياسات ترامب الابتزازية حيث أعلن أكثر من مرة وجود دول عربية جاهزة للتطبيع وإنشاء علاقات رسمية مع إسرائيل .
قبل أيام صرح وزير الخارجية السعودي حول مسألة التطبيع مع إسرائيل وأن السعودية جاهزة للتطبيع مع إسرائيل بشرط تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهذا موقف نثمنه ونراهن عليه ونؤكد على ضرورة تحمل القيادة السعودية لمسؤولياتها في الخليج والمنطقة العربية وعدم الإقدام على ما أقدمت عليه الإمارات والبحرين وغيرهما لأن للموقف السعودي تداعيات كبيرة نظراً لموقعها السياسي في العالم الاسلامي، والإقليمي .
– في النهاية ما هي احتمالات اندلاع انتفاضة جديدة إذا استمر المخطط الإسرائيلي في تهويد الأراضي الفلسطينية ؟
الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية مصمم على تحقيق الحرية والاستقلال الناجز في ظل دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس ، وهذا الشعب المناضل مستعد دائماً للنضال والتضحية من أجل تحقيق مشروعه الوطني ، وقد أبدع شعبنا دائماً خيارته وطرق وأساليب نضاله عبر عقود طويلة من النضال الوطني ، وان تغليب شكل رئيسي للنضال في مرحلة ما لا يعني إسقاط أشكال النضال الأخرى، ونحن مع التوافق الوطني وتوحيد الموقف الفلسطيني إزاء الشكل الرئيسي للنضال وقد أجمعت كل القوى الفلسطينية على خيار المقاومة الشعبية وعلى الاشتباك السياسي مع الاحتلال، واح مخرجات مؤتمر الامناء العامين برئاسة الرئيس محمود عباس هو تشكيل قيادة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية والجهود متواصلة لتحقيق ذلك .
نحن في مرحلة تحرر وطني تتداخل فيها مهام التحرر الوطني ومواجهة التناقض الرئيسي المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي ومهام التحرر الاجتماعي والاقتصادي والبناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة الفلسطينية ، ونحن على ثقة مطلقة بخيارات شعبنا وقيادته الوطنية ، وشعبنا سيواصل النضال والمقاومة حتى إنهاء هذا الاحتلال – آخر احتلال في العالم – ونحن متمسكون بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ، ونعمل على تشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية بمشاركة الجميع وهذا ما قرره اجتماع الأمناء العامون للفصائل برئاسة الرئيس ضمن القرارات التي صدرت عن هذا الاجتماع المحوري والهام .
ما دام هناك احتلال واستيطان وإجراءات للمحتل على الأرض الفلسطيني سيبقى شعبنا مقاوماً لهذا الاحتلال ورافضاً لهذا الاحتلال ويمارس حقه الطبيعي في التصدي للاحتلال ومقاومته ودحر مشروعه الاستعماري السرطاني التوسعي المدعوم من معسكر الامبريالية المتوحشة .
حاوره/ مصطفى عمارة
إرسال التعليق