لقاء نتنياهو وبن سلمان: تحالف ضد إيران ولا تطبيع رسمي حتى الآن

لقاء نتنياهو وبن سلمان: تحالف ضد إيران ولا تطبيع رسمي حتى الآن

د. جمال زحالقة
تناقلت وسائل الإعلام خبر لقاء نتنياهو وبن سلمان بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، ولهذا «التناقل» أهمية لا تقل عن اللقاء نفسه. يبدو أن تسريب خبر اللقاء كان أمرًا متفقًا عليه سلفًا، حيث سمحت الرقابة الإسرائيلية بالنشر، وهي لا تفعل ذلك إلّا بموافقة مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكان بمقدور نتنياهو لو أراد، منع إفشاء سر اللقاء.
هذا لا يعني أن اللقاء تم بدوافع النشر الإعلامي، أو اللقاء فقط لأجل اللقاء. لقد كانت لهذا اللقاء القصير، الذي استغرق حوالي الساعتين أسباب وأهداف مهمّة في هذه المرحلة تحديدًا، التي يخرج فيها ترامب ليدخل بايدن إلى البيت الأبيض. ولعل من أهم مسببات الاجتماع الثلاثي هو الضغط الأمريكي، حيث تملك إدارة ترامب أدوات ومماسك كافية لفرض إملاءات على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. هذا يفسّر موافقته على عقد اللقاء وعدم انتظار إدارة بايدن الجديدة، وتقديمه لها كهدية حسن نوايا وبادرة حسن سلوك.
جاء النشر عن اللقاء في إطار مخطط «التطبيع السعودي الزاحف» الذي يشمل تطبيع التطبيع في أوساط جماهير الشعب وفي الرأي العام، إضافة لذلك يعتقد ولي العهد السعودي أن الحديث عن علاقة مع إسرائيل يرفع أسهمه في واشنطن وأوروبا، أمّا نتنياهو فقد كان بأمس الحاجة إلى مثل هذا الخبر المفرح إسرائيليًا، في ظل الأجواء القاتمة، التي تفرضها أزمة كورونا والركود الاقتصادي المصاحب لها، وفي توجيه أنظار الرأي العام بعيدًا عن قيام شريكه ومنافسه بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي، بتشكيل لجنة تحقيق بشأن الفساد في صفقة الغوّاصات الألمانية، التي تورّط فيها مقربو وأقارب نتنياهو.
ومن ناحية الشريك الثالث في اللقاء، مايك بومبيو، فقد أراد أن يسجّل دور إدارة ترامب في تطوير العلاقات بين إسرائيل والسعودية، في خطوة استباقية لما قد يحدث في عهد الرئيس الجديد جو بايدن، فإن جرى تطبيع سعودي إسرائيلي، سيتباهى بالقول «نحن زرعنا» وإن تراجعت العلاقة سيقول «لقد هدّم بايدن ما بنيناه» مع الأخذ بعين الاعتبار أن بومبيو مرشّح للترشّح في انتخابات 2024. ربما سعى بومبيو إلى جمع حليفيه، وفي جعبته اقتراحات جدية وعاجلة وغير متوقّعة، ولكن الأرجح أنه فعل ذلك في إطار العمل الروتيني للإدارة الأمريكية في مرحلة انتقال السلطة، وهو «تنظيف الطاولة» من أمور غير منتهية، ويبدو أن إجراء هذا اللقاء كان مخططًا من قبل، واستعجل ليسجّل لصالح ترامب وفي ميزان ما يسمى «تراث» ترامب السياسي في المنطقة. وقد صرح كلارك كوبر مستشار وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية والعسكرية، بأنه عمل مع بوش وأوباما وعند قرب انتهاء عمل الإدارة كانت هناك جولة زيارات لمسؤولين أمريكيين كبار لتنظيف الطاولة، وأضاف بأن كل الإدارات الأمريكية عملت على إغلاق ملفّات مفتوحة. بقي السؤال ما هي الملفات العالقة وكيف سيجري اغلاقها في الفترة المتبقية للجمهوريين في البيت الأبيض؟
إن موعد الاجتماع هو خير دليل على فحواه، فهو يأتي في نهاية عهد ترامب، حيث يريد كل طرف أن يربح قدر الإمكان قبل أن يذهب الرئيس، وعقد عشية قدوم بايدن وإدارته ما استوجب، بنظر بن سلمان ونتنياهو، استعدادًا مشتركًا لهذا القادم الجديد. ويستدل مما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي اقتبست مصادر إسرائيلية وسعودية، أن اللقاء انتهى بالتوافق والاتفاق حول مواجهة ما يسمّى بالتهديد الإيراني، وجرى الاتفاق كذلك على إقامة جبهة مشتركة للبلدين ترفع قائمة مطالب عينية إلى الإدارة الأمريكية، التي ستجري مشاورات مع دول عديدة في إطار التحضير للتفاوض مع إيران، لتجديد الاتفاق النووي معها. وتشمل هذه المطالب، التي تستعجل السعودية وإسرائيل توجيهها لبايدن، حتى قبل دخوله البيت الأبيض، اشتراط الاتفاق الأمريكي مع إيران بوقف انتاج صواريخ دقيقة طويلة ومتوسطة المدى، وبعدم تقديم الدعم المادي والعسكري لحلفائها في اليمن والعراق ولبنان وغيرها، وبتحديد موعد أبعد لانتهاء سريان مفعول تقييدات إنتاج المواد المشعّة، وبتشديد الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية، وبشروط أخرى لم يعلن عنها. بالنسبة لإسرائيل وحلفائها العرب، المهم أن تكون الشروط تعجيزية لا تقبلها إيران، أملًا في نسف المفاوضات الأمريكية الإيرانية المتوقعة من الداخل.
القضية الثانية، التي جرى بحثها في اللقاء هي بطبيعة الحال مسألة تطبيع علاقة إسرائيل مع السعودية ودول أخرى، ويبدو أنه لم تتخذ أي قرارات بهذا الشأن، سوى النشر غير الرسمي عنه. وإذ جرى اتفاق على تعميق التحالف الأمني والاستراتيجي، لم يكن هناك اتفاق حول تطبيع علني. هذا ما يستشفّ من مراجعة لسيل التسريبات والتحليلات بشأن اللقاء في مدينة نيوم السعودية (اسم هجين: نيو – جديد وميم – مستقبل).
يندرج التسريب شبه الرسمي عن اجتماع نيوم، ضمن استراتيجية التطبيع التدريجي الحذر، التي يتبنّاها النظام السعودي. هذه الاستراتيجية، المسمّاة أيضًا «تطبيع التطبيع» ترمي إلى تذليل العقبات أمام تحويل علاقة السعودية بإسرائيل إلى رسمية ومعلنة، وإلى بناء تحالف واسع ضد إيران أولًا، وضد تركيا ثانيًا، يكون مركزه المحور الإسرائيلي السعودي. يواجه ولي العهد والشخصية الأقوى في النظام السعودي عقبات جدّية تمنعه من تحقيق رغبته في تطبيع علني مع إسرائيل، ومنها الخلاف في الأسرة الحاكمة، وبالأخص معارضة والده الملك سلمان لمثل هذه الخطوة، وخشيته من أن تؤدّي إلى خسارته للعرش في ظروف معيّنة، ورفض الغالبية العظمى من الشعب السعودي للتطبيع مع إسرائيل، إضافة لذلك يريد النظام السعودي الحصول من إسرائيل والولايات المتحدة على أكثر مما حصلت عليه الإمارات، أو ظهر وكأنّها حصلت عليه. إسرائيل لم تقبل حتى الآن أن تقدم أي شيء للسعودية في الشأن الفلسطيني، ولم تحصل السعودية من الولايات المتحدة بعد على الأسلحة المتطوّرة التي تريدها، ولا على وعد رسمي بها. يحاول النظام السعودي التجهيز للتطبيع من خلال خطوات محدودة ومدروسة ومتتالية، واهمّها التحضير التدريجي في وسائل الإعلام وأبواق الدعاية، والترويج لخطاب «التسامح» (الأداتي والمسيّس) مع اليهود واليهودية، وكذلك زج أكبر عدد ممكن من دول عربية وإسلامية في حظيرة التطبيع، ما يرفع أسهم السعودية في واشنطن وتل أبيب ويعزّز التحالف ضد إيران، ويمهّد للتطبيع السعودي حين تنضج ظروفه.
يصر نتنياهو وترامب على أن دول أخرى في طريقها للتطبيع مع إسرائيل. وفي حين تتجه الأنظار إلى خريطة العالم العربي لتحديد الدول المرشّحة للانضمام إلى الركب الزاحف المسالم إلى تل أبيب، تجري محاولات جدّية للضغط على باكستان للاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها. وقد صرّح رئيس الوزراء الباكستاني هذا الأسبوع أن بلاده تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة ودولة صديقة للتطبيع مع إسرائيل. وعرّف صحافيون باكستانيون هذه الدولة بأنها المملكة العربية السعودية، التي لديها اتفاق بتقديم قرض بمبلغ 2 مليار دولار، وتملك أدوات ضغط فعلية أخرى. أما الولايات المتحدة فهي فقد حاولت اغراء الباكستان بتحسين مكانتها في واشنطن تبعًا للتأثير الإسرائيلي في الكونغرس. وكتب الصحافي الباكستاني كونوار خودون شهيد، بأن الجيش الباكستاني، الحاكم الفعلي للدولة، يدعم التطبيع مع إسرائيل، لإحداث توازن للعلاقة الإسرائيلية مع الهند، التي لها أبعاد أمنية وعسكرية مؤثّرة، وأضاف: «تقوم الرياض منذ أشهر بلي أذرع اسلام أباد، لأن بن سلمان يريد تطبيع التطبيع، قبل أن تقدم السعودية على تحرك رسمي وعلني تجاه إسرائيل. وباكستان ثاني أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة والوحيدة المسلحة نوويًا، هي تمهيد جيّد للتطبيع».
ولعل من مؤشّرات اتجاه الريح السياسية في المنطقة، ما تخطط له الشركات العالمية الكبرى، فبعد النشر عن خط أنبوب بترول من الخليج عبر الأراضي السعودية وخليج العقبة، ومنها إلى موانئ إسرائيل للتصدير إلى أوروبا، طلعت وسائل الإعلام بخبر عن مشروع شركة «غوغل» لمد خط ألياف ضوئية يسمّى «رمان الأزرق» (على اسم عالم الفيزياء الهندي الحاصل على جائزة نوبل عام 1930، لاكتشافه ظاهرة التبعثر الجزيئي للضوء) يمتد حوالي 8000 كم ويصل الهند بأوروبا ويمر عبر السعودية وإسرائيل، ما يخفّض من التكلفة مقارنة بالمسار الأصلي الذي مرّ عبر الأراضي المصرية.
لم يعد النظام السعودي يخطو وحيدًا، بل هو يسعى أن يسير مع إسرائيل يدًا بيد. لم يعد يتحرك معها في المنطقة العربية فحسب، بل هو يسعى إلى توسيع الجغرافيا السياسية الجديدة بكل الاتجاهات: باتجاه عمودي بتعميق التحالف مع الدولة العبرية، وباتجاه أفقي لضم دول عربية وإسلامية إضافية إلى حظيرة التطبيع. لا يجري الحديث اذن عن شرق أوسط جديد فحسب بل عما هو أوسع.

إرسال التعليق