الحراك الشعبي فى غزة قنبلة موقوته تهدد بانفجار القطاع

الحراك الشعبي فى غزة قنبلة موقوته تهدد بانفجار القطاع

يعاني قطاع غزة منذ سنوات طويلة، مرارة الاحتلال وحرقة التشريد وسلب الحقوق، وازدادت هذه المعاناة لأضعافها، بعد الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، الذي انطلت تبعياته على كل مكونات الشارع الفلسطيني، وعكست ظروفا صعبة على كافة المستويات.

من وسط هذا الوضع كله، تشكّل ما يُعرف بالحراك الشعبي في قطاع غزة، والذي هو تجمع شعبي شبابي لا يجمعه جسم سياسي، وانما أفكاراً مشتركة يحملها كل الناشطين به، وهي وجوب تغيير الواقع الصعب وتحسين ظروف المعيشة التي حوّلت قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، بل ربما هناك سجون يعيش نزلائها في وضع أفضل من سكان قطاع غزة، حيث نسب البطالة الأعلى في المنطقة، وتدني الوضع الصحي والتجاري، وانهيار البنى التحتية من أزمات الكهرباء والصرف الصحي وخلافه.

الانطلاقة

في العام 2017 كانت بداية فعاليات هذا التجمع الشعبي، حيث بتاريخ 12 يناير من نفس العام، انطلقت حملة ” #بدنا_كهرب” والتي بدأت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحولت الى مظاهرة على أرض الواقع، شارك فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين، وذلك في مخيم جباليا الواقع شمال قطاع غزة، وحصل يومها صدام كبير بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية، أدى إلى عديد من الإصابات، إضافة إلى حملة اعتقالات طالت المئات من المتظاهرين ومن لهم علاقة بالحراك من كافة الفئات الاجتماعية والعمرية، وليس فقط فئة الشباب.

ثلاثة نشطاء كانوا أصحاب تلك الفكرة وهم من تصدروا هذه الحملة، وهم عامر بعلوشة 27 عاما ويعمل كمحام وناشط في المجال السياسي والحقوقي، ومحمد التلولي 27 عاما وهو ناشط سياسي وشبابي، وشكري أبو عون 29 عاما.

وبالحديث أكثر حول هذه التفاصيل، يقول عامر بعلوشة: “كانت الفكرة تعج برؤوس الكثيرين، ولكننا قررنا أخذ زمام المبادرة، والاعلان عن الحملة وموعد المظاهرة، تحت إسم الحراك الشعبي الفلسطيني” بالفعل خرج الآلاف من أبناء شعبنا في هذه المظاهرة، ودفع المئات منهم ضريبة من الاعتقال والاعتداءات، ولكنها إطلاقا لم تقمع ارادة الناس بتغيير ظروفهم.

كما أن هذا الحراك يحمل كافة الأطراف السياسية الفلسطينية مسؤولية ما يجري، ولكن حركة حماس، اعتبرت هذا الحراك موجه ضدها، وقمعتنا بكل الوسائل. حيث تعرضت بعدها لعشرات المرات للاعتقال والملاحقة والخطف واقتحام المنزل والعبث بمحتوياته، ووُجهت لي العديد من القضايا والتهم مثل التحريض والنيل من الوحدة الثورية وتعرضت أيضا لمحاكمة عسكرية، لأنني طالبت فقط بحق مواطنة شرعي وقانوني، وهو الكهرباء، وتعرض كل رفاقي في الحراك أيضا للاعتقال والملاحقة، ولا زالت هذه الملاحقة تزداد يوما بعد يوم، حتى هذه اللحظة، حيث لم يمضي يوما دون أن يكون أحد النشطاء أو العديد منهم رهن الاعتقال والملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس بغزة.

بعد مظاهرة الكهرباء، بدأ الحراك الشعبي بالتبلور أكثر فأكثر، ليصبح جزءا من الحالة الوطنية الفلسطينية، ويشارك في كافة المحاور النضالية مع الاحتلال ومع انهاء الانقسام ومع الضغط على الجميع لانهاء معاناة أهل غزة.

كان آخرها في مارس من العام الجاري، حيث أطلق الحراك الشعبي حملة #بدنا_نعيش ، والتي كانت صورتها عدد من المظاهرات في كل مناطق قطاع غزة، وقد شنت بالمقابل أجهزة أمن حماس حملة ضخمة لقمع المتظاهرين، في دير البلح ومخيم جباليا ورفح والمغازي والبريج والنصيرات، أصيب على إثرها المئات من المواطنين، واعتُقل الآلاف منهم، وقد تعرضت وقتها لاقتحام منزل كنت متواجدا به، وسجنت لأربعة عشر يوما لدى جهاز الأمن الداخلي في ظروف اعتقال صعبة ومريرة، مما دفعني وبعد هذه السنوات من المواجهة المريرة مع القمع أن اترك قطاع غزة، مودعاً خلفي كل ذكرياتي وأحبتي وحياتي، بحثا عن واقع يخلو من الملاحقة على الكلمة، والاعتقال على الصرخة، والتعذيب لأنك تطلب فقط أن تعيش!

ويضيف:” لست وحدي دفعتني هذه الظروف لترك قطاع غزة، بل هناك الآلاف من الشباب يتركون غزة كل يوم، هربا مما يقابلونه في غزة، من ظلم وانعدام الرؤية والمستقبل”.

وفي نفس السياق، تحدثنا إلى المحامي والناشط الحقوقي “وديع العرابيد” 28 عاما، والذي أيضا هو أحد نشطاء الحراك الشعبي، وعمل كمحامي في بعض القضايا التي وجهت لنشطاء الحراك، حيث يقول: “كلنا نعاني في غزة من الظروف الصعبة، كل الفئات والمستويات، تدفع ضريبة الظروف السياسية السيئة، وفكرة الحراك الشعبي فكرة مكفولة بالقانون والدستور، ولا يحق لأي جهة أن تفرض واقعا يرفضه عموم الناس، دون الاستناد إلى أي مسوغات ديموقراطية أو قانونية، وهذا ما حدث مع شباب الحراك الشعبي، والعشرات من الكتاب والصحفيين والمحامين.

ويوضح: “لقد عملت كمحام بعض هذه القضايا، منها تخص الناشط محمد التلولي، وعامر بعلوشة، ومحمد لافي، وكلا كانت تحت اسم إساءة استخدام الأجهزة الالكترونية، تحت بند التحريض وتنظيم المظاهرات، وهي تهمة لا تتفق أصلا مع الفعل الذي قام به الحراك الشعبي، وإنما وسيلة ومبرر قانوني للاعتقال والقمع”.

ويضيف: “نحن نتمنى أن تطلق حركة حماس العنان لهذه الفئة من الناس لتعبّر عن رأيها، ولتعترض على ما تراه باطلا، لا أن تنهال عليهم بالاعتقال والقمع، واتهامهم بالعمل لصالح أجندة خارجية سياسية، فهؤلاء شريحة من الشباب الوطني الحريص على مصلحة شعبهم ويشعرون بالمسؤولية تجاه معاناته، وهم من يستحقون الاحتواء والاحترام من الجميع، كما التشجيع أيضا”.

ومن جهته، يقول الناشط “احمد محيسن” 29 عاما، لقد كانت تجربتنا صعبة مع الحرية في غزة، وقد تعرضنا لأشكال كثيرة من القمع جراء عملنا ونشاطنا الذي نراه وطنيا وإنسانيا وقانونيا، وإنما لم يكن ذلك مقبولا لدى الأجهزة الأمنية في غزة، والتي أوصلتنا لمرحلة نترك قطاع غزة وفلسطين، هربا من هذا الواقع الذي فرضته علينا التجاذبات والاعتقالات السياسية.

ويوضح: “لا بد أن تعلم حركة حماس والسلطة الفلسطينية أيضا، أن هناك 2 مليون انسان في قطاع غزة تم طحنهم خلال سنوات الانقسام هذه، وأن هناك جيل كامل يعيش حالة من التيه والضياع، منهم من هاجر، ومنهم من ينتظر، ومنهم من لا يعرف كيف تمضي سنوات شبابه، وكل هذا يلاحقوننا لأننا نرفض هذا التدمير لحياة شعبنا”

ويؤكد محيسن: ” لا أظن أن بالإمكان أن تتوقف فكرة الحراك الشعبي، طالما هناك معاناة يشعر بها المواطنون في غزة، وهذه الظروف تدفع أي شخص بأي ثقافة يحملها، أن يرفضها، فهي أقل من أقل الحقوق الطبيعية والعادية.

ويضيف:” أنا حاليا أقيم في دولة مصر، وأحاول انا وزوجتي الفلسطينية، أن نخلق مستقبلا لنا سوية، ونتمنى أن تأتي اللحظة التي نستطيع فيها العودة الى حضن الوطن، بلا أي قلق أو مجهول، حيث تعرضت فيما مضى لسنوات من الملاحقة والاعتقالات، جعلتني أضطر أن أخرج وأبحث عن أمن واستقرار، بعد أن فقدته في وطني”.

مصطفى عمارة

إرسال التعليق